اعتبر أعضاء مجلس نواب الشعب، أن ميزانية وزارة الشؤون الدينية لسنة 2021 والتي تقدر ب164 مليون دينار، ضعيفة جدا وهي تكفي فقط للتسيير الإداري وخلاص الأجور ولا يمكن أن تسمح للوزارة بالقيام بالمهام المنتظرة منها في رعاية الشأن الديني ومكافحة الإرهاب والعناية بالمعالم الدينية، لافتين إلى أن الوزارة قد تركت مهمة تكوين الأئمة والوعاظ إلى الجمعيات وخاصة منها الأجنبية.
وقد تحولت قاعة الجلسة بمناسبة مناقشة مشروع هذه الميزانية إلى فضاء للتراشق بالتهم بين شق من النواب ( يضم بالخصوص نواب ائتلاف الكرامة)، يعتبر أن “الدولة معادية لكل متديّن، تغلق المساجد بحجة انتشار فيروس كورونا وتفتح المقاهي والعلب الليلية والحانات، وتهمل الشأن الديني”، وشق ثاني تتقدمه النائبة عبير موسي رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، يتهم أفراده المخالفين لهم “بتبييض الإرهاب وتمجيد شخصيات تشجع على الفتن والكره وتدعو إلى الجهاد في سوريا وليبيا وبالتعامل مع جمعيات ومنظمات أجنبية في مس واضح لسيادة الدولة”.
وبدل النقاش حول فصول مشروع الميزانية، تركزت المداخلات حول “ضعف الخطاب الديني وعداء النظام السابق للمتدينين وتواصل سياسة وزارة الداخلية في متابعة المتدينين ومراقبة المساجد والكتاتيب”، مقابل دفاع نواب آخرين عن سياسة الدولة في “متابعة الشأن الديني وضرورة تسليط الرقابة على كل مصادر الفكر الداعشي والمتطرف واتهام الإسلام السياسي ببث خطاب الفرقة والوقوف وراء الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد”.
وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية، سالم لبيض “لم أكن أتصور أن هناك في البرلمان من يستبطن داعش” (تنظيم إرهابي)، متهما حاملي هذا الفكر بمعاملة كل من لا ينتمي إلى “الجماعة” (الأحزاب ذات التوجه الإسلامي)، كأعداء لهم وبأنهم ليسوا مسلمين، مشددا على ضرورة قطع سلسلة الجماعات التي وصلت بالبلاد إلى “انتشار التخلف والجهل الداعشي والفوضى الدينية” وهو ما اعتبره النائب مسؤولية وزارة الشؤون الدينية المطالبة بدرجة أولى بتصحيح الصورة الخاطئة التي ربطت الإسلام بالإرهاب.
واعتبرت عبير موسى (كتلة الدستوري الحر) أن وزير الشؤون الدينية ليس على علم بخفايا وزارته إلى حد اليوم وأن ضعف الميزانية المرصوصة لهذه الوزارة مقصود حتى تفسح المجال أمام هيكل مواز يشرف على إدارة الشأن الديني وتكوين الأئمة والإطارات المسجدية بدعم من جهات أجنبية تعد إلى “أخونة تونس”، منبهة إلى الاتفاقيات التي أمضتها الوزارة مع جمعيات تركية لترميم المساجد ولتكوين الأئمة إلى جانب وجود فضاءات مفتوحة تحت شعار تحفيظ القرآن، دون رقابة من وزارة الإشراف”.
واتهمت رئيس مجلس نواب الشعب بخدمة أهداف اتحاد العلماء المسلمين، برئاسة يوسف القرضاوي الذي قالت إنه يعادي الدولة المدنية ويهدف إلى المس من حقوق المرأة في تونس واستهداف مجلة الأحوال الشخصية، مذكرة بأنه “من أفتى بتحويل أموال الزكاة إلى القوى الإرهابية في سوريا “، حسب رأيها.
من جهته أشار النائب نعمان العش (الكتلة الديمقراطية) إلى وجود “نواب يرغبون بترويج صورة مفادها بأن الدولة تعادي كل متدين تحاربه وذلك لاستجداء التعاطف من المواطنين”، مشددا على أن الدولة من حقها اتخاذ اجراءات وقرارات لحماية مواطنيها ومراقبة كافة المنشآت والهياكل لضمان عدم تسرب الإرهابيين وانتشار الفكر المتطرف في البلاد.
وعبر النائب مصطفى بن أحمد (تحيا تونس) عن قلقه إزاء ضعف المستوى المعرفي لعدد كبير من الأئمة، متسائلا عن مقاييس الانتداب وداعيا إلى تسليط الضوء على علاقة الوزارة مع الجمعيات والتي قال إنه يدعمها “عندما تكون في إطار الشفافية والتعاون مع المجتمع المدني الوطني، لكنه يرفضها عندما تكون مجالا للاختراقات المخابراتية والصهيونية مع جمعيات أجنبية”.
وتساءل النائب العياشي زمال (الكتلة الوطنية) عن أسباب الاحتفاظ بالوزير أحمد عظوم على رأس وزارة الشؤون الدينية في ثلاث حكومات متتالية، مبينا أنه الوزير الوحيد الذي لا يمكن له التعلل بقصر فترة توليه للمنصب ومشددا على أنه من غير المقبول أن تتكفل الجمعيات ومنها مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، الذي قال إنه تابع لحركة النهضة، على تكوين الأئمة.
وأضاف أنه إلى غاية اليوم مازالت هناك أطراف سياسية تستعمل المساجد للترويج لخطابها وأن العديد من الأئمة السابقين قد استغلوا المساجد للوصول إلى مجلس نواب الشعب، مذكرا بأن “المهمة الرئيسية لهذه الوزارة هي ضمان حياد المنابر وهو ما عجزت عن تحقيقه”، حسب تقديره.
ولفت النائب زهير مخلوف (قلب تونس) إلى أن الميزانية المعروضة على المجلس لم تتضمن قدرا كافيا للعناية بالكتاتيب والاشراف عليها ومراقبتها، “والحال أنها يمكن أن تكون منبعا لتفريخ الإرهاب”.
أما النائب محمد زريق (النهضة)، فقد دعا إلى تعديل قانون المساجد الذي يعود إلى سنة 1988، حتى يتلاءم مع المتغيرات والتحولات الاجتماعية والفكرية بعد الثورة، موصيا بدعم دور الوزارة في التوعية لدى الشباب، في ظل انتشار الجريمة والمخدرات والعناية بالأئمة والخطباء، في ما يخص تكوينهم وظروفهم المادية.
واعتبر النائب نور الدين البحيري (النهضة) أنه “لم يعد هناك من حجة لغلق المساجد ومنع صلاة الجمعة، بحجة انتشار وباء كورونا، في حين أن الحانات والعلب الليلية والمقاهي مفتوحة للعموم”، موجها جل مداخلته للرد على النائبة عبير موسي التي اتهمها باستغلال البرلمان “لتصفية حسابات إقليمية واتهام يوسف القرضاوي بالإرهاب، تنفيذا لقرارات إماراتية”، حسب قوله.
زميله في الكتلة ذاتها، النائب الصحبي عتيق، لاحظ بدوره أن ميزانية وزارة الشؤون الدينية هي الأضعف بين كل الوزارات وأن في ذلك “تبخيس لقيمة الشأن الديني، في بلد كان بوابة الدعوة الإسلامية في شمال افريقيا”، مشيرا إلى “وجود فشل ذريع عام في المجال التربوي وتشرد ثقافي وأخلاقي في تونس ما بعد الثورة، وخلط بين الدين والتدين، أدى إلى تحويل التدين إلى تهمة بالإٍرهاب وهو أمر لا بد من تضافر كافة الجهود لتجاوزه”.
وبخصوص المساعدات لصيانة المعالم الدينية من جهات أجنبية، قال عتيق: “نحن نتلقى المساعدات في كل المجالات، لكن عند ارتباطها بالشأن الديني تصبح مسا من السيادة الوطنية”، داعيا إلى الابتعاد عن الخطاب الاستئصالي الذي قال إنه “لن يؤدي إلا إلى نشر الفتن والكراهية وإلى حرب أهلية”.