في محطة الترابط 10 ديسمبر بأريانة ينتظر عدد كبير من الركّاب وصول الحافلات وعربات الميترو عدد 2، يقفون فرادى ومجموعات يتبادل بعضهم أطراف الحديث وتتحوّل أنفاسهم إلى بخار في هذا الطقس الشتوي من شهر ديسمبر 2020. المشهد يعدّ عاديّا ما قبل الجائحة الصحيّة وانتشار فيروس كوفيد-19 لكن الوضع هنا يبعث على القلق مع عدم التزام العديد من روّاد المحطّة بلبس الكمّامة وبالتباعد الجسدي.
ويزيد وصول وسيلة النقل وانطلاق “التسابق” للظفر بمكان داخلها من تأزّم الوضع لما يتسم به من اكتظاظ وتدافع واحتكاك وتماس لا ارادي بين الركّاب. فلا خيار لدى هؤلاء سوى وسائل النقل العمومي لقضاء حوائجهم والتحوّل من وإلى مقرّات عملهم أو الدراسة في مواقيت محدّدة.
أبواب الحافلة عدد 27 مشرعة، أناس تتشبث بالأعمدة في محاولة لإيجاد موطأ قدم في الداخل، الّذّي غصّ بمسافريه، في ضرب لكلّ الاجرءات الوقائيّة. معاناة بالجملة تتفاقم في ظل انتشار فيروس كورونا وتفاقم الوضع الوبائي مع تسجيل 4426 وفاة منذ ظهور الوباء في تونس في شهر مارس إلى حدود يوم 25 ديسمبر 2020 بعد كشف التحاليل المخبريّة عن اصابة 230130 شخص بالعدوى.
“أصبحت وسائل النقل العمومي مصدرا أساسيّا للعدوى” بالوباء” وفق تصوّر ياسين، الذّي خيّر انتظار الحافلة الموالية، التّي ربّما تأتي بعد نصف ساعة، لعلّ الازدحام يكون أقلّ.
وأوضح نفس الشاب أن وسائل النقل العمومي تشهد نقصا حادا خاصّة في أوقات الذروة مما يجعل تطبيق التباعد الجسدي حبرا على ورق وجعل الحافلة أشبه “بعلبة الكبريت” معبّرا عن استيائه تجّاه بعض المواطنين لعدم التزامهم بارتداء الكمّامة وهو “أضعف الإيمان” .
وتعود أسباب ذلك، بحسب جميلة عاملة النظافة، إلى الكلفة الإضافية للكمّامات والموّاد المعقمة، التّي أصبحت تتحملها خلال هذا الظرف من غلاء المعيشة وشح العمل. وعبّرت جميلة عن أمنيتها في توفير هذه الموّاد مجّانا لمستحقيها.
واعتبر محمّد، العاطل عن العمل، أنّ الكمّامة وموّاد التعقيم تحتاج وحدها لميزانيّة وأنّه غير قادر على توفيرها دائما رغم وعيه التّام بخطورة الوضع الوبائي “لكن ما باليد حيلة” وهو، الّذّي فقد عمله بفعل الجائحة الصحيّة.
فغلاء الكمّامات و المواد المعقمة أثقل كاهل المواطن البسيط فصار إما يتخلى عنها اراديا أو يلجأ لشرائها من محلّات عشوائيّة رغم معرفته بأنّها لا تتطابق مع المواصفات الطبيّة حسب ما أفاد به أحد الشبّان، الذّي كان يرتدي كمّامة مزركشة قال أنّه اقتناها من بائع متجوّل.
في المقابل هناك فئة أخرى من المواطنين اختارت التخلّي الكلّي عن ارتداء الكمامة معتبرة أنّ فيروس كورونا “مجرّد إشاعة” كما صرّحت امرأة مسنّة كانت جالسة في المحطّة تتبادل أطراف الحديث مع أخرى غير مرتدية للكمامة مضيفة “الأعمار بيد الله”.
ولم تعد الخطايا الماليّة، التّي تمّ إقرارها لردع مخالفي الاجراءات الصحيّة القاضية بلبس الكمّامة، تجدي نفعا. وأرجع بعض المواطنين ذلك إلى تراخي المسؤولين في الحرص على تطبيق البرتكول الصحّي في وسائل النقل وفي المحطّات.
والجدير بالذكر أن عدد المخالفات المسجلة لعدم الالتزام بوضع الكمّامة بلغ، حسب احصاءات وزارة الداخليّة، 127748 مخالفة ما بين يوم 5 أكتوبر وحتى 24 ديسمبر 2020 إلى جانب تسجيل 13819 مخالفة لعمليّات خرق حظر الجولان ليلا.
وقالت الشابّة أسماء، التّي بدت على وجهها علامات الإستياء رغم ارتدائها الكمّامة، إنّه لا يمكن الحديث عن التباعد الجسدي في ظل نقص الحافلات وعربات الميترو. وتحدّثت أسماء عن ضرورة توفير عدد أكبر من وسائل النقل العمومي والتكثيف من الحملات الأمنية داخل هذه الوسائل لفرض ارتداء الكمامة “الاجراء الوحيد الممكن للتوقّي من الاصابة بعدوى كورونا في ظل استحالة تحقّق التباعد الجسدي داخل وسيلة النقل”. واعتبرت أن الخروج من الأزمة الصحيّة يرتبط، أساسا، بوعي المواطن التونسي.