قال رئيس الحكومة هشام المشيشي ” ما لم يتحقّق الاستقرار السياسيّ وما لم تنضج الحياة الديمقراطية، وما لم تلتزم كلّ المؤسّسات الدستورية بنواميس الدّولة وضوابطها، وبحدود صلاحياتها الدّستورية بعيدا عن الإستعراض والإثارة، لن نخرج من الأزمة التي نعيشها”، معتبرا أن التحديات التي تواجهها البلاد اليوم هي “تحدّيات حقيقيّة وعميقة، وأن الصّعوبات التّي تعرفها البلاد على درجة من الخطورة أصبحت تهدّد ديمومة وكيان الدّولة. ولن يكون من الهيّن تجاوزها في ظرف وجيز”.
ولفت المشيشي في كلمته خلال الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب والمخصصة للتصويت على منح الثقة لأعضاء الحكومة المقترحين ضمن التحوير الوزاري ، صباح اليوم الثلاثاء، بالمقر المجلس بباردو ، إلى أن الدولة تعاني من أزمة هيكليّة تفاقمت على امتداد السنين وتشعّبت بدرجة معقّدة وتأخّرت فيها إرادة الإصلاح الحقيقية والمسؤولة “لتفسح المجال أمام الخطاب الشعبوي الّذي يسعى أصحابه إلى تسويق الأوهام وتسجيل النقاط السياسوية وافتعال المعارك الزّائفة التي فصلها الدستور والتي لم تعد تعني لشعبنا ولا لشبابنا شيئا” حسب تعبيره، معتبرا أن الشباب أصبح ينفر العمل السياسيّ والجمعيّاتي ووجد لنفسه تعبيرات بديلة، تدلّ على نفاذ صبره وعلى تأخّر تحقيق إنتظاراته المشروعة لا سيما في التشغيل والتنمية . وأضاف قوله. ” اخترنا أن نتوجّه إلى هذه المؤسّسة التي اختارها شعبنا لتكون مصدر الشرعية، بقطع النّظر عن النقاشات العقيمة حول إجبارية عرض التّحوير الوزاري على أنظار المجلس ، هذه المؤسسة التي نلنا فيها الثّقة، وإليها نعود لمزيد ترسيخ التقاليد الديمقراطية الفضلى وللمحافظة على تجربتنا الدّيمقراطية الرّائدة التي انخرطت فيها تونس منذ 2011، والّتي قطعت نهائيّا مع منظومة الحزب الواحد والرأي الواحد والزعيم الأوحد”.
وأوضح ، أن هذا التحوير الوزاري المقترح يأتي بعد تقييم موضوعي قام به طبقا لما يخوّله له الدّستور من صلاحيات للهيكلة الحكومية وللأداء على رأس الوزارات، مع الأخذ بعين الإعتبار دقّة الظّروف ، وتعقيدات المشهد السياسي الذّي تعيشه البلاد.، مشيرا الى أنه قد تعامل في الفترة القصيرة الفارطة مع كلّ مؤسسات الدولة بمرونة واحترام، واعتمد على التشاركية كمبدأ وطريقة عمل.، ومعربا عن إيمانه بأن ّ الاختلاف هو نقطة قوّة ولا ينبغي أن يكون بأيّ حال من الأحوال نقطة ضعف تتسبب في التشتت وتبرّر الإقصاء والاستئصال. كما اعتبر أن السنوات العشر الأخيرة قد طغت عليها التجاذبات السياسية والسياسوية التّي زادت في عمق الهوة بين التونسيين والنخبة الحاكمة، فتعمّق بذلك الشعور لدى التونسيين بالتهميش وبتخلي الطبقة السياسية عن قضاياهم وعن مشاغلهم وطموحاتهم، مشددا على ضرورة الإصغاء لصوت الشّباب الغاضب بصدق، قبل فوات الأوان، والعمل بجدّ وبعقيدة صادقة، على إيجاد الحلول الجذرية والمستدامة لمشاكله، ولافتا إلى أن التحريض على التدمير والفوضى واستعمالها كوسيلة ضغط من جهة، والتجاهل للمطالب وإنكارها من جهة أخرى، كلها لا تنفع شيئا بل تدمر بلدا أفنى روّاده أعمارهم في بنائه.
وقال إنه بالرغم من أن طريق الإصلاح مازال طويلا ومحفوفا بالعوائق والعراقيل فإن الأمل لايزال قائما والتدارك ممكنا، من خلال استخلاص الدروس من الماضي وتجاوز الأخطاء والهنات ، ولا تزال الفرصة متاحة لبناء المستقبل على أسس سليمة، وهو ما يرتبط بتوفّر إرادة العمل والبناء والإصلاح عند الجميع، حسب تقديره، و” القطع مع الشعبوية المقيتة التي تبيع الوهم وتستثمر في آلام النّاس، واستبدالها بروح المسؤولية الشّجاعة التي تقدّم الحلول الحقيقية حتّى وإن كانت موجعة”.