تشرئب الأعناق هنا في مقر شركة “تلنات” بصفاقس، المدينة صوب القاعدة الفضائية “بايكنور” بكازاكستان، هناك حيث تُطلق هذه المؤسسة التونسية التي لطالما شكلت قصة نجاح متواصل منذ إحداثها سنة 1994 في تونس العاصمة وفي 2007 بالمنطقة الصناعية بودريار بصفاقس، أول قمر صناعي مائة بالمائة تونسيا تصميما وإنجازا نحو الفضاء إلى مجال بقي حكرا على الدول المتقدمة تكنولوجيا وعلميا.
الجميع، مهندسون وتقنيون وصحفيون وإطارات، حبسوا الأنفاس يرقبون اللحظة الحاسمة التي اختار لها المهندس صاحب مؤسسة “تلنات” محمد الفريخة ذكرى عيد الاستقلال موعدا و”التحدي” عنوانا أراد من خلالهما كسر قيود التخلف والتبعية العلمية ليرسل للعالم كله في الأرض كما في الفضاء رسالة مفادها أن التونسي له كلمة يريد أن يصدح بها في محفل الكبار باعتزاز وإكبار، فيرسم بها صورة مغايرة لتونس تليق بمجدها وتاريخها ورسوخ أقدام أبنائها في العلم والمعرفة.
واختلطت الأجواء في مقر “تلنات” صفاقس لحظة إطلاق القمر الصناعي التونسي عبر المركبة الفضائية الروسية “سوايوز – 2 ” بمشاعر العزة والفخر وبالخوف والتوجس والترقب الحذر خاصة بعد أن تم تأجيل عملية الإطلاق يوم عيد الاستقلال يومين بسبب العوامل المناخية، فحتى رصيد الثقة في النفس الذي راكمته المجموعة منذ 27 سنة بفضل كفاءاتها وخبراتها في البحوث وتطوير هندسة المنتجات والهندسة الالكترونية والميكانيكية في مجالات عدّة على غرار الاتصالات والوسائط المتعددة والطاقة والخدمات المصرفية الإلكترونية والفضاء، لم يشفع لمهندسيها ليكونوا في منأى عن الخوف أمام رهبة اللحظة التي صنعوها بأيديهم وذكائهم.
في اللحظة الصفر ومع انطلاق ” تحدّي 1 ” من أديم الأرض على الساعة السابع و7 دقائق صباحا وبلوغه عنان السماء كما بينته الصور المشتركة بين مقري المؤسسة في تونس العاصمة وصفاقس، تنطلق الفرحة هنا في صفوف المتابعين للحدث عبر شاشة عملاقة تصفيقا وزغاريد ويطلق معها المهندسون زفير النصر لأنفاس انحبست ثم انفجرت غبطة وكبرياء وثقة بالنفس، لحظة انتظرها أهل البيت في منطقة البودريار بصفاقس كما في باقي المقرات بتونس العاصمة وفرنسا وألمانيا وغيرها من التمثيليات التي فتحتها المؤسسة في السنوات السابقة الواحدة تلو الأخرى ترجمانا لنجاحها وإشعاعها الدولي.
يعبر المهندس محمد علي شبشوب عن حالة ترقب نجاح “التحدي” التي سكنته وبلغت ذروتها دقائق قبل الإطلاق قائلا: “لا أخفي عليكم وجود نوع من الشعور بالخوف قبل نجاح المهمة فككل عملية إطلاق قمر اصطناعي فإن الشعور بالترقب والتوجس يعد أمرا طبيعيا سيما وأن الأمر يتعلق بإطلاق أول قمر فضلا عن كون عمليات الإطلاق التي صارت عبر التاريخ عرفت في بعض الحالات إخفاقات ولكن هذا لم يحدث واستقر قمر التحدي في مداره الذي أرسل إليه”.
الفخر بهذا القمر الاصطناعي المختص في الجيل الجديد لأنترنات الأشياء، ليس فقط بسبب تطبيقاته المتعددة المرتقبة وايضا ما سيعود عليه بالنفع على قطاعات كثيرة مثل الفلاحة والرصد الجوي ومراقبة الحدود وغيرها، ولكن كذلك وبالخصوص “لأنه صمم ونفذ بكفاءات تونسية خالصة ودون مشاركة لأي طرف أجنبي وهو ما يجعله يتميز عن الأقمار الاصطناعية التي أرسلت في السابق من طرف دول عربية وإفريقية” بحسب ما أكده المهندس محمد علي شبشوب في نبرة متفائلة تدعمها ثقة بالنفس.
صحيح لم يكن مهندسو “تلنات” صفاقس ضمن الفريق الذي أنجز العمل الاستثنائي والرائد عربيا وإفريقيا على امتداد أكثر من سنتين بحكم تخصص كل فرع في مجالات معينة، “لكنهم كانوا وراء زملائهم بالتشجيع والدفع المعنوي لذلك نشعر بأن النجاح مشترك بيننا جميعا وأيا كان الفرع الذي أثمر فالشجرة واحدة والمنفعة عامة”، بهذه الكلمات مضى المهندس محمد علي شبشوب في توصيف النجاح وتثمين أبعاده، مشددا على وحدة المؤسسة وتجانسها.
وعبرت المهندسة الشابة إيناس كمون عن الانسجام في مؤسسة “تلنات” قائلة “ما نشعر به من فخر بعد هذا الإنجاز التاريخي لبلادنا ومؤسستنا لا يمكن إلا أن يدفعنا كمؤسسة إلى الأمام وان تكون لها مكانة أكثر إشعاعا وإلى إنجازات إضافية وتحديات جديدة”.
مدير “تلنات” صفاقس المهندس يسري شطورو، أعرب بدوره عن ثقته في مؤسسته وفي الذكاء التونسي مجددا ما نطق به محمد الفريخة في كلمة الاحتفال بنجاح الإطلاق عندما قال إن المؤسسة ماضية في غزو الفضاء وتطوير شراكاتها وإشعاعها في هذا المجال على الصعيد الإفريقي، فضلا عن التطلع لتحقيق حلم إرسال امرأة تونسية إلى الفضاء بالشراكة مع الوكالة الروسية لتكون أول امرأة تونسية وعربية رائدة فضاء.
يختم شطورو كلامه للصحفيين الذين أرخوا للحظة التاريخية قائلا: “الآن وقد بلغ القمر الصناعي التونسي مداره، ستنطلق عمليات التواصل معه والاستفادة منه في مجالات عديدة جدا، ولكنها لا تعدو أن تكون مرحلة أولى من مراحل أخرى متقدمة ومتطورة ستقترن بإرسال أقمار صناعية أخرى”.