لم يكن سهلا ايجاد مكان بمقبرة سيدي احمد بطبربة من ولاية منوبة لحفر قبر جديد باسم عائلة الخزامي، حتى لا يفرق جثمان محمد خزامي، خامس حالة وفاة جراء الاصابة بفيروس “كورونا” بنفس العائلة عن اشقائه ويحرمه من ان يكون قربهم بعد ان حرمهم الوباء من نظرة وداع اخيرة وعبارات مواساة في احلك لحظات الاحتضار.
توارى امس الاربعاء جثمان محمد خزامي (من موالد 1956)، مدير مدرسة ابتدائية متقاعد ومدير مدرسة خاصة بالجديدة، باطن الارض، ليظل الحديث على سطحها في كل زاوية ومقهى ومنزل بها عن فقدان خامس فرد بنفس العائلة بين 25 اكتوبر 2020 و27 افريل 2021 ، ومنذ ان عرفت الكورونا طريقا الى بيتهم وجثمت على صدور افرادها ضيفا ثقيلا ركل بأطرافه أركان البيت الهادئ، وحوّل الحركية به الى سكون قاتل، وقلب حياة افراده رأسا على عقب.
قبل ان يباغته الفيروس القاتل فقد “محمد” معلم الاجيال المتعاقبة ابن شقيقته البالغ من العمر 42 عاما بعد اصابته بفيروس “كورونا”، ثم اصيبت والدة المتوفي بالعدوى لتتقل بدورها الى الرفيق الاعلى عن عمر يناهز ال66 عاما، وذلك بعد خمسة ايام فقط من فقدان فلذة كبدها.
تملك الحزن افراد العائلة الموسعة، وخلف الفراق اطفالا يتامى، وظن الجميع ان تلك المصيبة اخر احزانهم خاصة مع فقدان طبربة عددا من ابنائها بعد اصابتهم بالوباء، لكن تسلل الفيروس بينهم من جديد ليقنص روح شقيقة “محمد” ذات ال73 سنة وينهى حياة شقيقه وهو مساعد بيداغوجي في ال58 من عمره.
لوعة تلو اللوعة نضبت اثرها الدموع، لدى الجميع وكان اخر فاجعة فقدان العائلة والاهالي والاجيال المتعاقبة ل”سيدهم” معلمهم ومدير مدرستهم لسنوات طوال، فلم تعد في المحاجر بقية منها تبكي، وتحول الحزن الى غصة تكتم الانفاس في الصدور.
الف افراد العائلة لحظات الوداع الجافة، ومشهد سيارة الاسعاف، وتردد اعوان دفن ببلدية طبربة الذي يشعيون الجثامين الواحد تلو الاخر نحو المقبرة، فلا نظرة وداع لاخر اغصان شجرتهم العائلية التي اتلف جذورها الفيروس وفتك بها .. ولا لحظة تطفئ نار الفراق، وتخفف وطأة الموت، ولا تقبل للعزاء للمواساة، التي احتاجوها في أصعب لحظات الوجع.
فلم تبلل دموع أحبتهم أكتافهم ولم يستشعروا أنفاسهم وعجزوا حتى عن كفكفة دموعهم بانفسهم، خوفا من ان تلامس اصابعم اعينهم او انوفهم، ومن ان يتسلل الفيروس الى حناجرهم ويفعل ما فعله بافراد العائلة الذين تساقطوا كاوراق الخريف الواحد تلو الاخر..
وجع عائلة الخزامي الاكثر عدد وفايات جراء فيروس “كورونا” التي لا تزال تتعافى من الوباء، لم يكن الوحيد بولاية منوبة وفق معطيات رئيس مصلحة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط بإدارة الصحة الوقائية بالإدارة الجهوية للصحة بمنوبة مصطفى الحبيبي.
فقدت الولاية عددا من العائلات بمختلف المعتمديات فردين واكثر بعد اصابتهم بفيروس “كورونا”، كان اخرها في مارس المنقضي، حيث توفيت مسنة بالغة من العمر 77 عاما وابنتها التي توفيت بعد إنجابها بمستشفى شارل نيكول، وجنينها حديث الولادة وثبت اصابة هذه الاخيرة بالسلالة البريطانية من فيروس “كورونا”.
كما لا تزال منوبة تعيش على ذكرى العائلة التي فقدت الاب والام في مدة وجيزة في مارس 2020 بمنوبة المدينة، واستطاع 21 من افرادها منهم اطفالا صغارا ان يتغلبوا على الوباء