اثر الجدل الواسع الذي أثاره القيادي بحركة النهضة عيد الكريم الهاروني بخصوص التعويضات، أكد زهير مخلوف أن ما قاله يحتوي جملة من المغالطات.
وفي ما يلي ما كتبه مخلوف بصفته نائبا سابقا بهيئة الحقيقة والكرامة:
بعد استماعي لرئيس مجلس شورى النهضة السيد عبد الكريم الهاروني حول التعويضات وتحديد تاريخ 25جويلية 2021 كحد أقصى لتنفيذ توصيات و قرارات هيئة الحقيقة والكرامة في ما يخص التعويضات، يجدر بي كنائب رئيس سابق بهذه الهيئة أن أحيط رئيس شورى النهضة والحركة ذاتها بمجموعة من الحقائق الهامة التي كان من المفروض – وهو رئيس لأهم مجلس بعد مؤسسة المؤتمر يعبر عن القرارات الرسمية للحركة الواجب تنفيذها – أن لا تغيب عنه وإن كان يعلمها فالمصيبة أدهى وأمرّ و الإصرار على تنزيل هذه القرارات تُعدّ أشدّ وأنكَى.
أولا: إن الحكومة التونسية قد أثارت قضية تدليس التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة لدى القضاء التونسي للاستدلال به لدى هيئة التحكيم الدولية( CIRDI) بسبب شبهات تدليس وفساد قامت به بن سدرين لصالح الخصم” بودن”وكان سببا في إدانة الدولة التونسية ب 3000مليار وذلك في موضوع البنك التونسي الفرنسي وإن أية محاولة لتنفيذ التوصيات التي وردت بتقرير بن سدرين سيضع الحكومة أمام تناقض جسيم يكون مدخلا لإسقاط القضية شكليا ويمكن لهيئة التحكيم الدولية الاستناد إليه وتثبيت خطأ الدولة وبالتالي إقرار تعويضات وخطايا لصالح الخصم بودن ضد الدولة التونسية تفوق 3000 مليار (بودن طالب حاليا تونس ب5000 مليار) وإن المطالبة بتنفيذ توصيات الهيئة سيكون مطيّة لمثل هذه الخسارة التي لا تطيقها ميزانية الدولة التونسية لا اليوم ولا في الغد.
ثانيا: إن السجل الموحد للضحايا وقائمتهم النهائية التي أصدرتها بن سدرين قد شابها تدليس وتلاعب وتحيل وتزوير مُقررات، ويعلم بذلك القاصي والداني بما فيهم الضحايا أنفسهم فضلا على أن أعضاء من الهيئة قد رفعوا قضايا بالمحاكم التونسية تفيد وجود تزوير في مُقررات جبر الضرر ولدينا إثباتات و تسجيلات في هذا الصدد، وإن أي محاولة لتنفيذ توصيات الهيئة في جبر ضرر بعض الضحايا المدلسة و المزيفة مقراراتهم قد تكلف الدولة تبديدا مقصودا لأموالها العمومية يرقى إلى مستوى الفساد الجسيم.
إن من المضحكات المبكيات أن مثل هذا التدليس و التزوير مثبت لدى الحكومة بادلة قاطعة حيث أنه وفي بعض الحالات فإن نفس الضحية له مقرر ثاني مغاير لمقرره الأول ومسجل بمكتب ضبط الحكومة وهو ما يعتبر تمادي وتعمّد مقصود في اجتراح عمليات فساد موصوفة إذا ما قامت الحكومة بتنفيذ توصيات ومقررات بن سدرين المزوّرة.
وسبق أن نبهت السيد العياشي الهمامي الوزير السابق المكلف بالعدالة الانتقالية في حكومة السيد إلياس الفخفاخ بهذا الأمر وذلك في اللجنة البرلمانية المكلفة بالعفو العام والعدالة الانتقالية..بهذه الخروقات والفساد وذلك في شهر ماي 2020 قبل نشر التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة بالرائد الرسمي وقد توصل حينها الوزير بأدلة قاطعة تثبت التزوير والتدليس في مقررات جبر الضرر، كما اتصلت بالسيد عبد الرزاق الكيلاني رئيس الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية،وحذرته من مغبة الإشراف على تنفيذ مُقررات جبر ضرر مزيفة.
وها أني أحذرك سيد عبد الكريم الهاروني من أن أية محاولة لتنفيذ مُقررات هيئة بن سدرين هي بالضرورة تتنزل ضمن تعمّد تنفيذ بعض مقررات جبر ضرر مزورة ومزيفة تتحملون مسؤوليتها كاملة ما لم تنقّوا الغث من السمين في هذه المقررات المشوبة باللبس والشُبه والتي قد تكلّف الدولة التونسية آلاف المليارات بدون وجه حق وبدون موجب قانوني.
ثالثا : إن محاولة تنفيذ مُقررات جبر الضرر تستدعي مراجعة دقيقة وناجعة حتى لا تشوب التوصيات والمقررات أية شائبة وأي شك أو تزوير أو تلاعب أو تدليس وهو ما من شأنه إنقاذ أصحاب المقررات من أي محاكمة مستقبلية أو تهمة الاستيلاء على أموال عمومية بغير وجه حق.
رابعا: إن الظروف التي تمرّ بها البلاد تلزمكم بالضرورة الشرعية و الواقعية والموضوعية ضمن (قاعدة دفع الضرر أولى من جلب المصلحة) على التغاضي عن هذه المقررات وعدم توريط الحكومة التونسية بخيارات ليست بقادرة عليها ولا تستطيع عليها لا صبرا ولا نقبا ولا طلبا ولا بلوغا فضلا على أن شعبنا قد ذاق المرارة والأمرّين، مرّ الحياة(الحجر الصحي) ومرّ الممات(ضيق التنفس في المستشفيات) وهو يحتاج إلى من يجنح إلى قضاياه بصدق وينافح عنه بإخلاص ويدافع عنه بالتضحية والعطاء والانفاق وبذل أكبر الوسع وأغلى النفيس لإنقاذه من الوباء القاتل وهذه الجائحة الجارفة.
فهل أن السيد عبد الكريم الهاروني واع بهذه الجوائح والجوارف والكوارث التي تحيق بشعبنا أم انه يعيش حالة أهل الكهف وكلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد وحالة أحدهم الذي ذهب متخفيا باحثا عن طعام ورزق من دون أن يشعرَنّ بهم أحدا معتمدا عملة وورق بائر ونقود تشبه النقود المزيفة.
فهل تنتظرون من هذا الشعب الثائر أن يبني عليكم مسجدا ويعيدوكم إلى سيرتكم الاولى قبل بعثكم أحياء؟؟؟!!!.
خامسا : إن تطبيق توصيات بن سدرين وكذا الأمر الحكومي عدد 211لسنة 2018 المتعلق بطرق تنظيم صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد وتسييره وتمويله وبالتحديد في فصله الثاني ” وتتكون موارد هذا الصندوق وفق الفصل الثاني من هذا الامر من نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة بمقتضى القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، وتضبط هذه النسبة بقرار من رئيس الحكومة…وترصد اعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار وفق ما ورد في الفصل الثالث من هذا الامر”.
إن جلّ القرارات التحكيمية قد شابها فساد حقيقي ومثارة بشأنه قضايا بالمحاكم وإن أي محاولة لتنفيذ هذه القرارات التحكيمية الخاطئة قد يضيع أموال طائلة من الأموال المصادرة كان يمكن أن تجنيها الدولة إذا قامت بمراجعة هذه الاتفاقيات التحكيمية لوجود تضارب مصالح وشبهة فساد حقيقية وإن أية محاولة لإقرار توصيات بن سدرين و قراراتها المخرومة في التحكيم و المصالحة هو فساد مزدوج لا يجب أن نتماهى معه ونعوّض الضحايا من أموال فرّطت بن سدرين في أضعاف أضعافها ضمن قرارات التحكيم و المصالحة التي انجزتها هي وزميلها خالد الكريشي بشكل مخالف للقانون الأساسي عدد53 للعدالة الانتقالية والإجراءات المكمّلة.
إن إقرار توصيات الهيئة وفرض التعويضات طبق الأمر عدد 111لسنة 2018 هو في حد ذاته إقرار بمصادر التمويل(قرارات التحكيم و المصالحة) التي تشوبها شبهات فساد كما إن فرض مسلمات الأمر الواقع والإقرار بالاتفاقيات التحكيمية المشوبة بالفساد هو تماهي و مراكمة لشبهات الفساد الحاصلة بهيئة بن سدرين والمثارة بشأنها قضايا بالمحاكم.
السيد عبد الكريم الهاروني: إن هذه الحقائق الصادمة تفرض عليك بالضرورة الاعتذار لشعبنا التونسي عن خطابك المتشنج والذي حاول بشكل مقنّع فرض الأمر الواقع واشتراطات النهضة على الحكومة.
إن التداعيات والنتائج الوخيمة على المستوى الداخلي للنهضة وعلى المستوى الوطني وعلى ميزانية الدولة وعلى المستوى القانوني و القضائي وعلى المستوى السياسي وعلى مستوى ردة الفعل الشعبية المتوقعة تحتّم عليكم إعادة النظر في مخرجات العدالة الانتقالية كلها ضمن قواعد الحقيقة والانصاف المطلقة لا ضمن قواعد التزييف و الانتقام و الانتقاء التي اعتمدتها بن سدرين وجماعتها في مسارات تنفيذ العدالة الانتقالية.