شهد المشهد الإعلامي منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية الماضي عن جملة من التدابير الاستثنائية ،حالة من “التخبط” وغياب الرؤية الواضحة في العمل بالعديد من المؤسسات الإعلامية الوطنية”، بعضها “خير الاصطفاف وراء جهة محددة خدمة لأجندات معينة”، والبعض الآخر يحاول البقاء في منطقة محايدة في انتظار ما ستؤول إليه الأحداث والأوضاع، وإعلام عمومي “شبه غائب” ومواطن “أصبح يبحث عن المعلومة في وسائل الإعلام الأجنبية بالرغم من انحيازها الواضح لطرف أو لآخر”.
وكان الإعلان المفاجئ عن التدابير الاستثنائية من قبل رئيس الجمهورية ، وغياب المعلومة الواضحة واكتفاء الرئاسة بنشر البلاغات في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي “فايسبوك” دون عقد ندوات صحفية وإفساح المجال للصحفيين لطرح الأسئلة، من بين الأسباب الرئيسية في انتشار الشائعات على “فايسبوك” وكذلك في بعض وسائل الإعلام.
فقد لاحظت عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فوزية غيلوفي، أن تغطية وسائل الإعلام للأحداث منذ يوم 52 كانت متوازنة في بعض وسائل الإعلام ومنحازة في البعض الآخر ، مذكرة بأن النقابة كانت دعت في العديد من البيانات إلى عدم اصطفاف الصحفيين وراء أي طرف من الأطراف وإلى أن لا تكون لهم توجهات سياسية لخدمة أجندات معينة في وسائل الإعلام.
وشددت في تصريح اليوم الثلاثاء لوكالة تونس افريقيا للانباء، على أن الصحفي يجب أن يكون مستقلا وموضوعيا وأن” لا حياد إلا مع الفساد والإرهاب باعتبارها قضايا كبرى لابد للصحفي الانخراط فيها وفي المجهود الوطني لمكافحتها والقضاء عليها ،أما في ما يتعلق ببقية القضايا فهو يجب أن يلتزم بأخلاقيات المهنة وبميثاق الشرف وأن يقدم المعلومة الصحيحة”، حسب تعبيرها.ولفتت في سياق متصل إلى انتشار العديد من الإشاعات التي يتداولها مواطنون وصحفيون على مواقع التواصل الاجتماعي بلغت حد النشر في بعض وسائل الإعلام، وهو ما اعتبرته “مضرا جدا” بالوضع الذي تمر به البلاد، مبينة أن “غياب سياسة اتصالية واضحة لدى رئاسة الجمهورية وعدم تكليف شخص يرجع له الصحفيون للتثبت وللاستفسار ساهم في تغذية الإشاعات بسبب غياب المعلومة” ..
وأضافت قولها إن “الصحفي غير مطالب بمتابعة الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على موقع تواصل اجتماعي، بل أن الصحفي أصبح مثل أي مواطن عادي يتساءل دون إجابة عما يحدث في دواليب السلطة”.وبينت من جهة أخرى أنه من بين الصحفيين هناك من يلتزم بأخلاقيات المهنة وبوثيقة التحرير وميثاق الشرف، ” ولكن لا ننكر أن هناك أيضا وسائل إعلام تخدم أجندات منذ سنوات وهي معلومة لدى الجميع إن كانت على ملك أحزاب أو رجال أعمال، مصطفون وراء جهات معينة لمصالح معينة”، حسب تعبيرها .
وبالنسبة للإعلام العمومي، قالت الغيلوفي إن تغطيته للأحداث “كانت محتشمة وخاصة في التلفزة الوطنية، وحتى بعد إقالة الرئيس المدير العام فإن التغطية تختصر على مساحة محددة وهو ما يطرح نقطة استفهام لأن المواطن يبحث عن المعلومة الصحيحة في وسائل الإعلام العمومي الذي ما زال يحظى بالمصداقية ويقدم المعلومة الصحيحة” .”.وأعربت عن الأمل في أن “تتغير الموازين وأن يكون الإعلام العمومي في حجم الحدث، خاصة أنه مازال يحرص على تقديم المعلومة الصحيحة ولم ينخرط في نشر وتمرير أخبار زائفة أو شائعات”، لافتة إلى أن بعض الأخبار يتم نقلها بصفة متأخرة للتثبت من صحتها.
وتحدثت عن التنسيق الحاصل بين الهياكل المهنية والذي اعتبرته “أمرا ضروريا”، مذكرة بأن نقابة الصحفيين طالبت بالخصوص ،مع بقية الهياكل عقب اجتماع تنسيقي لها أمس الاثنين، بأن تطور رئاسة الجمهورية سياستها الاتصالية وتكلف شخصا يمكن للصحفيين التوجه له مباشرة لاستيضاح مسألة أو للاستفسار حول معلومات، إضافة إلى الدعوة إلى وضع خارطة طريق واضحة للمرحلة القادمة لطمأنة الشعب التونسي لان الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي لا يحتمل هذه الضبابية.
من جهته أفاد رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري(الهايكا) النوري اللجمي في تصريح اليوم ل(وات)، أن الهايكا انطلقت في عملية رصد للتغطية الصحفية منذ 25 جويلية على مستوى البرامج والنشرات في مؤسسات السمعي البصري، وأنها ستعلن قريبا عن نتائجها. ولاحظ أن التغطية في مختلف وسائل الإعلام تشوبها بعض الهنات وأن هناك وسائل إعلام كانت تقريبا غائبة، ” لكن الحكم على عملها لن يكون انطباعيا بل عن طريق عملية رصد بطرق علمية للبرامج وحجم المساحات المفتوحة للضيوف وانتماءاتهم والوقت المخصص لهم “، حسب قوله
يذكر أنه قد التأم أمس الإثنين بمقر الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، اجتماع تنسيقي بين أعضاء مجلس الهيئة وممثلين عن الهياكل المهنية لقطاع الإعلام المتمثلة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجامعة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغلـ لتدارس المستجدّات الأخيرة المتعلّقة بقطاع الإعلام إثر الإعلان عن التدابير الاستثنائية يوم 25 جويلية الماضي.ومن أهم مخرجات هذا اللقاء دعوة وسائل الإعلام إلى التحلي بالمسؤولية الاجتماعية والتقيد بقواعد المهنة وأخلاقياتها والتثبت من صحة الأخبار قبل نشرها والتصدي للإشاعات وخطابات الكراهية والتحريض على العنف، والدعوة إلى عدم المساس من استقلالية القطاع وضمان حماية الصحافيين وحرية التعبير والصحافة والنأي بوسائل الإعلام عن التوظيف ومحاولات الاستغلال والاستقطاب. كما دعت الهياكل المهنية الصحفيين والصحفيات إلى التمسك باستقلالية الخط التحريري لمؤسساتهم الإعلامية والدفاع عن حرياتهم في صناعة المضامين الإعلامية وفق ما تقتضيه القواعد المهنية والأخلاقية.