بعد اسبوع من اصدار الامر الرئاسي عدد 117 ، ومرور اكثر من شهرين من تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ اجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021 ، كلف اليوم الاربعاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد، نجلاء بودن رمضان بشكيل الحكومة على ان يتم ذلك في اقرب الاجال الحكومية .
وتشغل حاليا نجلاء بودن رمضان ، خطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهي استاذة تعليم عال .
وجاء في بلاغ رئاسة الجمهورية ان هذا التكليف تم عملا بأحكام الأمر الرئاسي عـدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 16 منه.
فبعد الاعلان عن تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ اجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021 والتي تم بمقتضاها تعليق اعمال مجلس نواب الشعب واعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من الوزراء، اصدر رئيس الجمهورية في 22 سبتمبر امرا رئاسيا (عدد117) تضمن تدابير استثنائية جديدة تتعلق بممارسة السلطة التشريعية وتدابير خاصة بممارسة السلطة التنفيذية فضلا عن مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
ووفق هذا الامر الذي اعتبره عدد من اساتذة القانون الدستوري ومن السيايين “تنظيما مؤقتا للسلط” ينص الفصل 16 من هذا الامر على ان رئيس الجمهورية يعين رئيس الحكومة والوزراء وكتاب الدولة الذين يؤدون اليمين المنصوص عليها بالفقرة الأخيرة من الفصل 89 من الدستور أمام رئيس الجمهورية .
ومن بين صلاحيات رئيس الجمهورية المضبوطة في هذا الامرالذي احدث “زلزالا سياسيا ” في تونس وفق عديد المحللين السياسيين ،ترؤسه لمجلس الوزراء والسهر على تنفيذ القوانين وممارسة السلطة الترتيبية العامّة وله أن يفوّض كامل هذه السلطة أو جزءا منها لرئيس الحكومة الى جانب إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها،وإحداث وتعديل وحذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها،وإقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته.
وفي الباب الثاني المتعلق بالحكومة ،نص الامر الرئاسي على ان الحكومة تسهر على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، كما نص الفصل 18 على ان الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية فيما نص الفصل 19 على ان رئيس الحكومة يسير الحكومة وينسق أعمالها ويتصرف في دواليب الإدارة لتنفيذ التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، وينوب عند الاقتضاء رئيس الجمهورية في رئاسة مجلس الوزراء أو أي مجلس آخر.
كما تضمن امر 117 مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين الى جانب تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي .
وقد احدث هذا الامر والاجراءات الواردة فيه جدلا واسعا على الساحة السياسية حيث رفض عدد من الاحزاب على غرار حركة النهضة وقلب تونس والتيار الديموقراطي والجمهوري وافاق تونس والتكتل ما جاء فيه معتبرين ان رئيس الجمهورية “خرج عن الشرعية وعن دستور 2014” وان هذه الاجراءات تضمنت “نزوعا واضحا نحو حكم استبدادي مطلقٌ وانقلابا مُكتمل الأركان على الشرعية الدستورية” واعلن البعض منهم التنظم في “تنسيقيات” للتحرك ضد هذه الاجراءات الى جانب الدعوة “التعجيل بتكوين جبهة مدنية وسياسية وجمهورية تقف ضد تكريس الحكم الفردي، وتدفع نحو العمل التشاركي”
وقد نظمت الاطراف الرافضة للاجراءات الاستثنائية تحركات احتجاجية اخرها مظاهرة انتظمت يوم الاحد 26 سبتمبر امام المسرح البلدي مرددين شعارات تصف هذه الاجراءات ب “الانقلاب” كما اعتبروا الأمر الرئاسي عدد 117 “محاولة من الرئيس للاستئثاربكل السلط ”
في المقابل اعتبرت الاطراف الداعمة لقيس سعيد ان الاجراءات المعلنة في امر 117 “إصلاحات سياسية مهمة كانت طالبت بها مختلف النخب السياسية وتفعيل لمطالب حل البرلمان وتعديل الدستور ” وهو ما صرح به الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزواي سابقا لوات ” وهي ايضا ” خطوة مهمة نحو إسقاط منظومة الفساد والإرهاب والعمالة وتفكيكها” وفق بيان حزب التيار الشعبي .
وقد نظم انصار الرئيس يوم الاحد الفارط وقفة في الطرف الآخر من شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة قبالة المسرح البلدي، مرددين شعارات مساندة للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، قيس سعيد، في 25 جويلية و22 سبتمبر 2021 . من جهته عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل، عن رفضه محاولة اعتماد فشل العشرية الماضية ذريعة للمقايضة بين الحرية واحتكار السلطة منبّها من مخاطر تجميع السلطات في يد رئيس الدولة في غياب الهياكل الدستورية التعديلية، في بيان نشره،في 24 سبتمبر للتعبير عن موقفه من الأمر الرئاسي عدد 117 الأربعاء الماضي.
وكان طيف كبير من المواطنين ومن الطبقة السياسية والاحزاب والمنظمات قد حثت ، رئيس الجمهورية وخاصة بعد التمديد في الاجراءات الاستثنائية يوم 23 اوت الفارط ، على الاسراع بتعيين رئيس حكومة وتشكيل حكومة مصغرة وواضحة المهام ، مطالبين أيضا بتوضيح خارطة الطريق التي سينتهجها رئيس الجمهورية والاجراءات والاصلاحات التي سيتخذها في مختلف المجالات فضلا عن مآل البرلمان وخطته في تعديل النظام السياسي والدستور.
واحدث هذا “التاخير” في الاعلان عن تشكيل حكومة والقيام باصلاحات، تململا لدى الطبقة السياسية لا فقط من خصوم قيس سعيد الذي انتهزوا الفرصة واعتبروا ان “انقلاب 25 جويلية فشل” بل وايضا في صفوف داعميه الذين طالبوا رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة قادرة على رفع التحديات وبمحاسبة حركة النهضة وحلفائها التي اعتبروها المسؤولة عن تأزم الوضع السياسي والاجتماعي والفساد الذي استشرى في البلاد
وفي رده على الانتقادت الموجهة له من قبل عديد الاطراف حول ما اعتبروه “فراغا حكوميا مضرا بمصالح البلاد” لاسيما بعد اعفاء عدد من الوزراء دون تعيين من يعوضهم ،صرح رئيس الدولة ، خلال لقاء جمعه، يوم 14 سبتمبر بقصر قرطاج، بعدد من أساتذة القانون الدستوري “انه كان يمكن تشكيل الحكومة يوم 26 أو 27 جويلية الماضي ولكن أيضا من الضروري وضع تصوّر للسياسة التي ستتبعها هذه الحكومة لخدمة الشعب التونسي والقضية تكمن في السياسة التي ستتبعها الحكومة، وليس في تكليف شخص بتشكيلها” وأن “الدولة مستمرة، وتقوم بمهامها.
ويشدد سعيّد في عديد المناسبات على أنه “لا مجال للرجوع إلى الوراء”، مصعّدا في حدة نقده الموجه للبرلمان الذي أصبح، وفق تقديره، “خطرا على الدولة والتصويت فيه يتم بالتشاور مع اللوبيات”، معبّرا عن رفضه لإجراء حوار وطني للخروج من الأزمة
وفي رده على اتهامه “بالإنقلاب” على الدستور والعمل على وضع نظام سياسي جديد، أكد رئيس الدولة في عدد من التصريحات، سواء كانت لدى لقائه بضيوف أو خلال زيارات ميدانية، “احترامه للدستور والعمل في إطار الشرعية الدستورية”، كما لم يستبعد إدخال تعديلات على النص الدستوري الذي اعتبره مكبلا “بالاقفال” وفي خدمة المافيا التي تحكم تونس في السر
وعلى المستوى الديبلوماسي قام عدد من المسؤولين بدول صديقة وشقيقة بعيد 25 جويلية بزيارات إلى تونس والإلتقاء برئيس الجمهورية، آخرها زيارة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالإتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل يوم 10 سبتمبر 2021 والذي نقل إلى رئيس الدولة “المخاوف الأوروبيّة بشأن الحفاظ على المكتسبات الدّيمقراطيّة في تونس، الكفيلة دون غيرها، بضمان استقرار وازدهار البلاد”، ملاحظا أنه “لا شكّ في أنّ الممارسة الحرّة للسّلطة التّشريعيّة واستئناف النّشاط البرلماني، يدخلان في إطار تلك المكتسبات وينبغي احترامها”.
كما التقي رئيس الدولة في 5 سبتمبر 2021، وفدا عن الكونغرس الأمريكي، واكد للوفد أن “التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها يوم 25 جويلية 2021، “تندرج في إطار الإحترام التام للدستور، وذلك بخلاف ما يُروّج له من إدعاءات مغلوطة وافتراءات كاذبة”، مشدّدا على أنها “تعكس إرادة شعبية واسعة وتهدف إلى حماية الدولة التونسية من كلّ محاولات العبث بها”.
من جهتهم حثّ سفراء مجموعة الدول السبع بتونس، في بيان أصدروه يوم 6 سبتمبر 2021 على “سرعة العودة في تونس إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمانٌ منتخبٌ بدور بارز”، مؤكدين على “الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد، حتّى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجهها البلاد، على الصعيد الاقتصادي والصحي وهو ما من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة”، وفق نص البيان.