عزوف مهاجري افريقيا جنوب الصحراء في تونس عن التلقيح ضد كورونا.. ريبة من اللقاح وخوف من المجهول..

انطلقت تونس منذ اوت الماضي في تلقيح المهاجرين غير النظاميين واللاجئين وطالبي اللجوء ضد فيروس كورونا، ويأتي ادراج تونس للمهاجرين ضمن الحملة الوطنية للتلقيح إلتزاما بتوصيات منظمة الصحة العالمية واستجابة لدعوات عدة منظمات غير حكومية في تونس.

ويذكر أن 15 منظمة غير حكومية في تونس أطلقت عدة دعوات طالبت فيها السلطات بضرورة ضمان حق المهاجرين في الوصول إلى اللقاح واعتبرت أن التلقيح من الحقوق الأساسية التي يجب أن تتمتع بها تلك الفئة، كما اعتبرت هذه المنظمات أن التمييز على أساس الهوية أو الوضعية الادارية مخالف للقانون الدولي، وعلى وجه الخصوص ينتهك التزامات تونس بموجب “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

المبادرة التي أطلقتها تونس لتلقيح المهاجرين لم تلقى اقبالا بل قوبلت بعزوف من طرف هذه الفئة بحجج وأسباب عدة.. فهل تقابل هذه الأسباب مبادرات للتوعية؟.

المهاجرون والخدمات الصحية في ظل جائحة كورونا..

نشرت لجنة الامم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم والمقرر الخاص للامم المتحدة المعني بحقوق الانسان المهاجرين في 8 مارس 2021 مذكرة ارشادية مشتركة حث فيه خبراء من الامم المتحدة وانظمة حقوق الانسان الافريقية والاوروبية والامريكية على ضرورة ادراج جميع المهاجرين في برامج التطعيم ضد فيروس كورونا بغض النظر عن جنسياتهم ووضعيتهم كمهاجرين.

ودعت المذكرة الدول الى مراعاة نقاط ضعف المهاجرين والمخاطر واحتياجات الاكثر عرضة للاصابة بفيروس كورونا عند وضع قوائم اولويات التطعيم الخاصة بهم. كما شدد الخبراء على انه في سياق جائحة كورونا يعتبر الحق في الصحة وعدم التمييز اساسي لاغنى عنه.

ويعتبر مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء في تونس الذين هم في وضع غير نظامي أو بدون اوراق ثبوتية معرضون أكثر للخطر ففي كثير من الحالات، يعاني المهاجرون من عدم سلاسة الوصول إلى الرعاية الصحية في تونس وفق ما أفاد به رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى الاقتصادي والاجتماعي في حديث مع المصدر الذي أكد وجود صعوبات كبيرة لدى مهاجري افريقيا جنوب الصحراء في الولوج للخدمات الصحية خاصة في المستشفيات العمومية التي تعاني بطبيعتها من ازمة.

وبين ان الصعوبات مرتبطة أساسا بالوضعية القانونية للمهاجرين مقرا بعدم وجود ما يمنع تمتع المهاجر بحقه في الصحة ولكن على ارض الواقع لا يوجد تطبيق لذلك وتبقى السلطة التقديرية لأعوان الصحة المباشرين الذين وبالرغم من وجود مناشير وزارية في هذا الاطار الا انها لا تطبق.

وشدد بن عمر على ان المهاجرين والذين يقدر عددهم بين 50 و60 الف شخص يعانون من وضعيات خاصة فهناك العديد منهم مروا بمسار هجري فيه الكثير من الانتهاكات ووضعياتهم تحتاج الكثير من المتابعة الخاصة وهو ما لا يتوفر في تونس.

وتابع رمضان بن عمر في ذات السياق “اليوم وفي ظل جائحة كورونا الواجب محمول على الدولة التونسية لضمان حق المهاجرين في التطعيم والخدمات الصحية الأساسية “وفق تعبيره.

وأشار المتحدث الى ان منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان قد طالب بضرورة تلقيح المهاجرين ضد فيروس كورونا سواء في مراكز الايواء او غيرها وركز في عمله على كيفية تشجيع المهاجرين المترددين للاقبال على التلقيح.

ونوه الى انهم اقترحوا تمكين المهاجرين غيرالنظاميين من وثائق إقامة وقتية بشهر او ثلاثة أشهر مقابل قيامهم بالتلقيح بهدف دفعهم للانخراط في الحملة الوطنية لمكافحة انتشار هذه الجائحة نظرا لانهم من الفئات الأكثر هشاشة.

كيف تجري حملة تطعيم المهاجرين في تونس؟

بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين الذين يعيشون في تونس فالوصول الى اللقاح أصبح اقل تعقيدا منذ أوت الماضي حيث بات بإمكان أي شخص سواء في وضع قانوني ام لا الحصول على لقاح من دون تبيان أي هوية أو ووثيقة رسميةوفق ما أكده الهاشمي الوزير رئيس الحملة الوطنية للتلقيح الذي أكد أن السلطات فتحت باب التسجيل للتقليح للجميع دون استثناء بغض النظر عن جنسياتهم أو وضعياتهم الادارية.

وبين الوزير انه يكفي ان يقوم المهاجر بالدخول الى المنصة الكترونية المخصصة لذلك “ايفاكس” وحجز موعد للحصول على جرعة اللقاح في تونس مشيرا الى انه يطلب من المهاجرين معطياتهم وأرقام هواتفهم لإعلامهم بمواعيد الجرعات لا غير مؤكدا ان الدولة هدفها تلقيحهم فقط وفق تعبيره.

وفي ذات السياق شدد رئيس الحملة الوطنية للتلقيح على ان عملية تلقيح المهاجرين ماتزال جارية وقد استجاب عدد منهم للتلقيح.

وبهدف ضمان حق المهاجرين في التلقيح ضد وباء كورونا استحدثت عدة منظمات غير حكومية على غرار منظمة أطباء العالمخلية لمتابعة عمليات تلقيح المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء حيث أكدت ايناس عوايدي المكلفة بالحماية في منظمة أطباء العالم أن العمل على تلقيح مهاجري افريقيا جنوب الصحراء انطلق مع برنامج عزيمة وبالتنسيق مع وزارة الصحة لإدراج المهاجرين ضمن الاستراتيجية الوطنية للتلقيح وهو ما تم فعلا.

وبينت المتحدثة ان عملية تسجيل المهاجرين شهدت في البداية عند اطلاقها عدة صعوبات أبرزها عائق اللغة حيث كانت هناك عراقيل في الولوج لمنصة “ايفاكس” وتخلف عن المواعيد خاصة وان الرسائل النصية تصلهم باللغة العربية وقد تم حلها فيما بعد ومن ثم تبقى مشكل المهاجرين الغير حاملين للوثائق الثبوتية فهناك من لا يملك أوراق وهناك من افتكت منه اوراقه فتم تحيين المنصة من طرف المشرفين عليها واصبح بإمكانهم التسجيل.

وأردفت ايناس عوادي في ذات السياق ان منظمة أطباء العالم قامت باعداد بطاقة تلقيح لكل مهاجر لا يملك هوية ولايمكنه الاتصال بسفارته او لا توجد سفارة لبلده في تونس وتحتوي هذه البطاقة على اسم المهاجر ولقبه وصورته وعمره وجنسيته وخانة لتحديد موعد الجرعة الأولى والثانية.

وأشارت الى ان العمل انطلق في مرحلة أولى بالتنسيق مع البلديات حيث تم تحديد الأماكن التي تتواجد فيها كثافة سكانية للمهاجرين مثل المرسى لافايات وحلق الوادي ثم تم التحول إليهم من طرف فريق أطباء وأطباء نفسيين تابعين للمنظمة قاموا بحملات توعيةوتسجيل للمهاجرين في منصة “ايفاكس”.

وتم أيضا بالشراكة مع برنامج عزيمة تنظيم دورات تدريبية للبلديات وعدد من مكونات المجتمع المدني حول أنواع التلاقيح أهميتها والفرق بينها.

وقالت المسؤولة عن الحماية بالمنظمة انه تم العمل على تكثيف الحملات الميدانية لمساعدة المهاجرين على التسجيل واطلاعهم على طريقة الولوج للمنصة أيضا مساعدة من تخلف عن موعده لإعادة التسجيل كما تم أيضا اطلاق ومضة توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق احدى المهاجرات لحث المهاجرين على التسجيل في منصة “ايفاكس” والقيام بالتلقيح.

كما تابعت المنظمة عملية التلقيح في عدد من مراكز التلقيح في عدد من المناطق مثل البحر الأزرق وصفاقس وجرجيس.

عزوف على التلقيح من طرف المهاجرين وخوف من المجهول..

“عيسى” 26 عاما غيني الجنسية مقيم بأحد الأحياء الشعبية المتاخمة لتونس العاصمة وتحديدا قصر سعيد عبر في حديثنا عن معه حول عدم توجهه للتلقيح ضد كورونا عن قلقه من تلقي لقاح كورونا وقال أن ما “يخيفه” هو الآثار الجانبية للقاح وأن أكثر ما يخشاه أيضا هو أن يتم استغلال معطياتهم الشخصية فيما بعد لترحيله مؤكدا رفضه الذهاب للتلقيح بأي شكل من الأشكال.

رغم فتح السلطات باب التسجيل للتلقيح للجميع دون استثناء ورغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها عدد من المنظمات غير الحكومية التي تعنى بشؤون المهاجرين واللاجئين في تونس من أجل دفعهم للانخراط في الحملة الوطنية للتلقيح الا ان اقبال المهاجرين وخاصة غير النظاميين على التلقيح يبقى ضعيف وفق المعطيات الأولية التي تم تسجيلها.

وأكدت هاجر الحبشي مديرة البرامج بالمعهد العربي لحقوق الإنسان في حديثها مع المصدر عزوف عدد كبير من المهاجرين على التلقيح والتسجيل في منصة “ايفاكس” مشيرة الى انه ورغم عدد وجود أرقم دقيقة أو احصائيات عن عدد المسجلين ومن تلقوا التلقيح الا ان المعطيات الأولية التي تم رصدها من طرف المنظمات تشير الى ان الاقبال ضعيف جدا على التلقيح.

وعن أسباب هذا العزوف بينت المتحدثة ان الأسباب عديدة من أبرزها عائق اللغة والخوف من اللقاح وأثاره الجانبية وأيضا الخوف من مشاركة بياناتهم وأوضاعهم الصحية الشخصية التي ربما تستخدم ضدهم أمام سلطات الهجرة وفق اعتقادهم.

وقالت في ذات السياق “يرتاب المهاجرون غير النظاميين من السلطات العامة أيا كانت، لذا يجب تكثيف الجهود لإزالة هذا المخاوف”.

حملات توعوية والمبادرات الفردية غير كافية..

لتجاوز عائق الخوف الذي أدى الى عزوف المهاجرين على التلقيح اكدت مديرة البرامج بالمعهد العربي لحقوق الانسان في هذا الإطار على ان المعهد قام بعدة حملات توعوية جديدة للمهاجرين وومضات تحسيسية عبر صفحات الفيسبوك بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتشجيعهم على التوجه للتلقيح.ط

وشددت في ذات السياق على ان المبادرات الفردية غير كافية داعية الى توحيد الجهود بين مكونات المجتمع المدني من الجمعيات والمنظمات العاملة على قضايا الهجرة والمهاجرين لوضع استراتيجية عمل مشتركة وأيضا تشريك المنظمات التي تمثل المهاجرين في تونس بهدف الدفع نحو إنجاح عملية تلقيح المهاجرين.

كما اقترحت هاجر الحبشي القيام بحملات تلقيح مفتوحة في الجامعات التي يتواجد بها عدد كبيرة من المهاجرين.

وفي ختام حديثها اقترحت أيضا أن تتم طمئنت المهاجرين من طرف مسؤولين في الدولة ودعوة وسائل الاعلام بدورها للانخراط في الحملات التوعوية والتحسيسية للمهاجرين نظرا لأهمية تلقيح هذه الفئات بهدف منع انتشار الوباء لان تلقيحهم فيه مصلحة للمجموعة الوطنية.

 

هاجر الكريمي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.