في حي شعبي بولاية بن عروس، تدير “دليلة العبيدي”، التي تقاعدت من عملها في “التلفزة الوطنية”، ورشة لصناعة عرائس ودمى الأطفال، منتجات تقول أنها قد تكون حلا ليتعرف الأطفال على موروثهم الثقافي ولتحريرهم من قبضة العالم الافتراضي والألعاب الالكترونية، التي أسرتهم في السنوات الأخيرة.
من الخارج، ورشة “العبيدي” مجرد محل متواضع وضارب في القدم قد لا يوحي بشيء مميز، لكن حالما تطأ قدم المرء داخل المكان يكتشف أن هذه السيّدة الستينية قد صنعت عالما مخفيّا وسحريا مزخرفا تسر فسيفساؤه و ألوانه كل ناظر.
في ركن من المحل تقبع آلة خياطة، حالما تنهمك دليلة في العمل عليها، يكتمل المشهد ويضيف صوت نقر الإبرة على القماش وعلى أرضية الآلة، يصنع عزفا جميلا تتخيل من خلاله جمالية ماذا سينتج عنه فيما بعد.
المكان مليء بالعرائس والدمى الصامتة ولكن ألوانها وألبستها التي حاكتها، العبيدي بكل حب وبأنامل دقيقة، تروي ألف قصّة وقصّة.
الأطفال، جمهور دليلة وحده المستهدف بهذا الانتاج قطع متناثرة في كل مكان وأكوام قماش بمختلف الألوان تنتظر القصّ والتصميم والحياكة ورؤوس دمى لازالت ترقب تشكيلها ورسم ملامح الوجوه وزرع الشعر.
يشترك سكان المحل من العرائس والدمى في أمر واحد وهو اللباس التقليدي التونسي، الذي تفخر به دليلة وتبجله إذ تقول “أقضي الكثير من الوقت في ورشتي مع عرائسي وكأنهم أولادي، لذلك لا أتركهم بلا أسماء”، تقول دليلة بروح مرحة.
فهذه “خالتك دوجة”، امرأة حاضرة في حياة دليلة وتحبها كثيرا “لأنها متعاونة و تحب الخير لغيرها”، على حد قولها وتلك دمية أخرى لا تقل أناقة عن “الجربية” أو “الجازية الهلالية” ، اختارت لها اسم “تالة”، اعترافا بصداقتها لجارة تحمل نفس الاسم وتلبس أزياء منطقة الوسط الغربي وتتزين بالجبة التقليدية التونسية و”الفوطة”.
وبين الدمى والعرائس “الجازية الهلالية”، الشخصية الأسطورية، التي تسيطر على “سيرة بني هلال”، والمعروفة بجمالها وحكمتها وحصافة رأيها وإخلاصها للقبائل الهلالية.
هذا الاختيار تقول عنه الحرفية العصامية “أحب أن أستحضر أيضا من خلال عرائسي الشخصيات التاريخية، حتى يتعرف الصغار على الموروث الثقافي و حتى ينفض الغبار على شخصيات تاريخية فيتحقق الهدف التربوي والتثقيفي المنشود من خلال التسلية”.
رغم أن هذه الحرفة لا تدر على “دليلة العبيدي” الكثير من المال، فمبيعاتها تقتصر على بعض المدارس ومسارح الطفل، لكنها تعتبرها رزقا وفيرا في حد ذاتها فهي تملأ وقت فراغها وتسخر جهدها لخدمة هدف نبيل.
“يتطلب العمل في ورشة حياكة وتصميم، الكثير من الصبر و التركيز و لكنها تساعد على حفظ الموروث الثقافي والأزياء التقليدية من الاندثار”، تقول الحرفية، مضيفة أن الحرف اليدوية اليوم تقاوم للاستمرار في ظل التطور التكنولوجي والعولمة، التي عصفت بالعديد منها وغيّرت نمط عيش المواطن التونسي.
ورغم أن العمل اليدوي غير مجز للجهد الحقيقي، إلا أن العبيدي تستمر في حرفتها ليتراوح وقع حياتها اليومية بين الذهاب إلى التسوّق للحصول على أقمشة جديدة او اكسسورات تتناسب مع اللباس الذي يزين الدمى. وبين التصميم والحياكة لتتفرغ في النهاية لتجهيز “رفيقاتها في الورشة” للعرض.
ولينجح العرض تحرص على تناسق الألوان مع الأجسام والأسماء، حتى تبعث كل شخصية الناظر عند رؤيتها إلى الحقبة التاريخية، التي عاشتها بكل دلالاتها الثقافية والتراثيّة.