يهدّد العطش 1200 عائلة بعد أن تعطل مشروع تزويد بالماء الصالح للشراب يستهدف عديد المناطق الريفية التابعة لمعتمديتي حيدرة وتالة من ولاية القصرين (وسط غرب تونس).
فقد توقف مشروع “الكحل2 “، فجأة وهو في آخر مراحل إنجازه، بعد ان استبشر السكان في العديد من المناطق الريفية المأهولة، والتي يشهد البعض منها هجرة عكسية وعودة للأهالي إليها من المدن الكبرى، ومنها منطقة “المكيمن” من معتمدية حيدرة المتاخمة للحدود الجزائرية.
وينتظر أن تتواصل معاناة المتساكنين بسبب شحّ الموارد المائية عموما ومياه الشرب خاصة في المناطق المذكورة مع اقتراب صائفة ،2022 التي يبدو أنها لن تكون أرحم من صيف 2021، الذي صنف الأكثر حرارة منذ 1950 في تونس.
وتقدر كلفة مشروع “الكحل 2″، الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة عن طريق المندوبية الجهوية للفلاحة بالقصرين، ب 7ر2 مليار بتمويل من البنك الإسلامي.
ولم تكف هذه الاعتمادات لانجاز كامل مكونات المشروع وبقي الأهالي ينتظرون مدّ القنوات وربطهم بالحنفيات، فتقدمت الجهات المحلية بطلب للجهة الممولة لضخّ اعتمادات إضافية. وقد قبل في مرحلة أولى المطلب في فيفري 2021 ثم رفض في مرحلة ثانية “لأسباب لا تزال مجهولة”، حسب القائمين على المشروع في معتمدية حيدرة.
وتنصلت ولاية القصرين من تعهداتها بضخ 850 مليون إضافية لانجاز المراحل الأخيرة وإيصال الماء للأهالي بعد أن كانت وعدت بتعبئتها خلال دورة المجلس الجهوي للتنمية.
ولن يكون لمئات الأسر ملاذ ومصدر للتزود بمياه الشرب بعد أن تم غلق الحنفيات العمومية التي كان السكان يلجؤون إليها بسبب نضوب البئر التي كانت تزودهم بالماء والمنجزة في إطار مشروع يمول في إطار تعاون تونسي ياباني.
وقال رئيس مجمع التنمية الفلاحية “أميدرة”، محمد كريم المرايحي، إنّه “رغم أهمية المشروع وبعده الاجتماعي والاقتصادي، إلاّ أنّه لم يتبق ما يكفي من الاعتمادات لإنجاز اخر مكوناته وتزويد جميع التجمعات السكنية التي يغطيها المشروع بالماء الصالح للشراب”.
وأضاف المرايحي، في تصريح لـ”وات”، “أن المشكلة تكمن في دراسة المشروع التي لم تأخذ بعين الاعتبار عدة جوانب عملية وتقنية، لان الفريق القائم عليها لم يتنقل على عين المكان لمعرفة خصوصيات التجمعات السكنية”. “كما أن سوء إدارة المشروع أدت إلى نقص الاعتمادات”.
ويبدو أن إلحاق متساكنين جدد في مناطق مرور هذه القنوات بعد تذمرهم من عدم استفادتهم من المشروع كان سببا اخر من أسباب نقص الاعتمادات لاستكماله.
وحسب القائمين على المشروع ومسؤولين بمجمع “أميدرة” للتنمية الفلاحية ، فإن المخزون المائي بالبئر الجديدة التي تم حفرها في منطقة “الكحل” بعمادة “الاجرد” التابعة لمعتمدية تالة، يكفي لتزويد جميع التجمعات السكنية المستهدفة بالماء الصالح للشراب ويكفي فقط ضخ اعتمادات اضافية لمد القنوات وإيصالها إلى جميع المتساكنين وحل مشكل التزود بالماء الصالح للشراب لمئات المواطنين.
تجدر الإشارة إلى أن الجمعيّات والمجامع المائية تسير المنظومات المائية في المناطق الريفية في تونس لتقوم بتزويدها بمياه الشرب فضلا عن تسيير مياه الري، التّي تستهلك 80 بالمائة من الموارد المائية المتاحة للبلاد
ولكن بعد أن تعلّقت بها مشاكل هيكلية منها سوء التصرف والربط العشوائي بمصادر المياه فضلا عن تراكم ديونها، قررت مجلة المياه الجديدة التي ينص الفصل الثاني منها على أن الماء الصالح للشراب ضروري للحياة وأن السلطة المختصة تعمل على جعله متاحا، إلغاء العمل بالجمعيّات والمجامع المائية في الوسط الريفي وإلزام الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه للقيام بدور توزيع مياه الشرب بالمناطق الريفية.
وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد تقدم بهذا الاقتراح في إطار مقاربة لتحقيق المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحق في الماء الصالح للشرب والتطهير على أساس مبادئ حقوق الإنسان وحسب المعايير العالمية و بالاعتماد على القيمة الاجتماعية للماء.
ولا تزال مشكلة النفاذ إلى الماء في تونس قائمة بل ما انفكت تتفاقم سنة بعد اخرى نتيجة شح الموارد المائية أو سوء التصرف فيها. ففي سنة 2021، قُدّرت حصيلة تبليغ المواطنين عن إشكالات النفاذ إلى الماء الواردة على المرصد التونسي للمياه، 2633 تبليغ.
وتقدر الموارد المائية المُتاحة للفرد بحوالي 460 متر مكعّب في السنة، في حين يبلغ معدّل الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ550 متر مكعّب وهو معدّل متدنٍّ بالمقارنة مع مستوى الاستهلاك السنوي للفرد الّذي أوصت به منظمة الصحّة العالميّة، والّذي يتراوح بين 700 و900 متر مكعّب سنويّا.