تشكو ولايات القصرين، وجندوبة، والكاف، وسليانة، من مخاطر توسع دائرة التيبّس والموت والتلف لعدد هام من غابات الصنوبر الحلبي بها والناجمة عن ظهور حشرة “سكوليت” الناشطة بالمناطق الغابية التي تعرضت للحرائق، وهي حشرة من صنف الخنافس، تصيب قلف الأشجار بعد ان تخلف ثقوبا مستديرة على اغصانها وسيقانها مما يؤدي الى جفافها وموتها.
وفي هذا الصدد، دعت وزارة الداخليّة ولاة الجهات الاربع المذكورة، في مراسلة موحدة وجهت لهم مطلع شهر افريل الجاري، الى ضرورة عقد جلسات تشارك فيها الأطراف المتدخلة لتطويق هذه الظاهرة، واتخاذ الإجراءات المستوجبة لحماية غابات الصنوبر الحلبي المستهدفة من هذه الحشرة، معتبرة معتمديات تالة وفريانة وفوسانة من ولاية القصرين، وهي أولى المناطق التي سجلت فيها هذه الظاهرة، نموذجا واضحا للمضار التي الحقتها الحشرة بغابات الصنوبر.
واستندت وزارة الداخلية في تحذيرها ودعوتها الى مذكرة محوّلة الى الوزارة من قبل وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية بتاريخ 24 مارس المنقضي، أشار فيها الى تسجيل تيبّس في الأشجار القريبة من المناطق الغابية المحترقة، مما ساهم في تفشي هذه الظاهرة وانشاء بيئة ملائمة لانتشار الحشرات والفطريات الضارة وتكاثرها، وموت عدد كبير من الاشجار.
وقال رئيس دائرة الغابات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، لطفي الحمادي، في تصريح لـ”وات”، ان حشرة “سكوليت” تنشط بشكل حصري في غابات الصنوبر الحلبي التي تعرضت خلال الصائفة المنقضية والسنوات التي سبقتها الى الحرائق او الجفاف.
وأوضح ان الحلّ الوحيد لحصر هذه الظاهرة والقضاء على تأثيراتها السلبية على البيئة هو قطع الأشجار المحترقة التي تمثّل البيئة الملائمة لنمو هذه الحشرة، مشيرا إلى أن أعوان الغابات بجندوبة أنهوا مؤخرا قطع أشجار الصنوبر التي احترقت خلال الصائفة المنقضية بمنطقة فج حسين من معتمدية غار الدماء وشرعوا في ذات العملية بغابات فرنانة التي تعرضت هي الأخرى الى حرائق كبيرة.
من جهته، أكد المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بالقصرين، الشاذلي الغزواني، لـ”وات”، أن مصالح ادارته سجلت انتشارا لحشرة “سكوليت” وخاصة بفريانة وقد تم الشروع في قطع الأشجار باعتباره الحل الأمثل للحد من عملية الانتشار.
وأوضح ان التغيرات المناخية، وخاصة الارتفاع اللافت لدرجات الحرارة وما تسبّب فيه من جفاف وحرائق، تمثّل أكثر الأسباب المساعدة على انتشار هذه الحشرة التي ظهرت منذ سنة 2018 في فرنسا وهي محل أبحاث لم تتوصل بعد الى طريقة للتوقي منها وعلاج تأثيراتها.
وغير بعيد عن ذلك، أفاد المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية بالكاف، كمال الدريدي، بأن أعوان الغابات بولاية الكاف شرعوا بدورهم، ومنذ منذ مطلع افريل الجاري، في قطع أشجار الصنوبر الحلبي في الغابات التي تعرضت للحرائق خلال الصائفة المنقضية.
في المقابل، تعاني الدوائر الغابية بولايات جندوبة، والقصرين، والكاف، وسليانة من ضعف فادح في المعدات القادرة على محاصرة هذه الظاهرة، التي وصفت بالسريعة، وينظر الى العملة الوقتيين، وهم الأكثر حضورا في هذه الغابات في مواجهة هذه الظاهرة التي تستوجب عملا دؤوبا وطويلا، كنقطة ضعف نظرا لعدم تسوية وضعياتهم.
وطالب عدد من الدوائر الغابية ومندوبيات الفلاحة بولايات جندوبة، والقصرين، والكاف، وسليانة، وبنزرت، وزغوان، وباجة، وسيدي بوزيد، الإدارة العامة للغابات بضرورة التسريع بمعالجة النقائص التي تحول دون القدرة الكاملة على السيطرة على هذه الظاهرة التي تهدّد عشرات الاف الهكتارات من غابات الصنوبر الحلبي والذي يمثل أحد مصادر التوازن البيئي ومصدر عيش الاف العائلات وأحد أهم مصادر الخشب.
ويرى مختّصون بأن غياب النشاطات الحراجية ( التطهير) تعدّ من بين العوامل الرئيسية التي تجعل القطاع الغابي عرضة لمثل هذه الآفات، لاسيما وان هذه الحشرات تتغذى من الأوراق والبراعم او قلف الاغصان والنموات الطرفية، وتحفر الاناث منها انفاقا لوضع البيوض التي تعزز تكاثرها وتأثيراتها، الى ان تصيب الشجرة بتشوشات فيزيولوجية تسمح بالتوضّع الكثير للحشرات في مرحلة أولى في غلاف الشجرة الى ان تنتهي بالموت.
وكانت غابات القصرين، وجندوبة، والكاف، وسليانة قد تعرضت خلال الصيف المنقضي والسنوات القليلة التي سبقتها الى حرائق واسعة كانت ابرزها بمنطقتي فج حسين والفوازعية بولاية جندوبة، وساقية سيدي يوسف والطويرف بولاية الكاف، والمنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي وغابة جبل السلوم وجبل سمامة وتيوشة من ولاية القصرين، وبوحمدون وحمام كسرى وسيدي عامر من ولاية سليانة، وهي المناطق الأكثر تضررا حاليا من حشرة “سكوليت” القاتلة.
ويحذّر خبراء ومختّصون من تدهور الغطاء النباتي في تونس بسبب ما يتعرض له من حرائق وما يترتب عنها من اضرار باتت مؤشراتها مهددة للغطاء الغابي خاصة خلال العشريتين القادمتين.
وتتراوح قيمة إعادة تشجير هكتار واحد من الغابات 9 الاف دينار، فيما تتراوح قيمة خسائر الهكتار واحد منها بين 20 الى 50 الف دينار.