قال استاذ القانون الدستوري سليم اللغماني اليوم الاثنين أثناء تلاوته لتقرير الجمعية التونسية للقانون الدستوري حول مشروع الدستور المنشوربالرائد الرسمي إنّه “لا أمل في تحسين مشروع الدستور وأنّ رئيس الجمهورية لن يقبل بذلك “.
وأكّد اللغماني خلال ندوة للجمعية انعقدت بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس على انّ وصف الأمر 117 الخارج عن الإطار الدستوري “بالباطل” يؤدّي ضرورة إلى اعتبار الأمر الرئاسي عدد 578 المتعلق بنشر “نص مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية” الى جانب الاستفتاء “باطلين كذلك على اعتبار أنّ كل ما بني على باطل يكون باطلا” مشيرا في المقابل إلى أنّه لا يمكن اليوم غضّ الطّرف عن ذلك باعتبار انّ التجارب المقارنة أكّدت مرارا أنّ ما يبنى على باطل يصبح واقعا .
واعتبر اللغماني انّ الدستور هو نص يحمل تصوّرا للدولة وهويتها واختياراتها الأساسية ويضمن الحقوق والحريات ويرسي كذلك نظاما سياسيا ويضمن علوية الدستور ودولة القانون لكن المشروع الذي نشر بالرائد الرسمي يحمل تصوّرا لدولة دون تاريخ قريب ودون سلطات وينص على تحقيق مقاصد الإسلام.
ووصف استاذ القانون الدستوري التوازن بين السلط ب”المختلّ” إلى أبعد الحدود موضّحا أنّه تمّ التنصيص في الفصل 5 (باب الاحكام العامة) على دولة دينية خلافا لدستور 2014 الذي أسس “لدين الدولة”، مؤكّدا أنّ المشروع لم ينص على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وارادة الشعب وعلوية القانون كما هو الحال في دستور 2014
وفي باب الحقوق والحريات قال المتحدث إنّ الفصل 27 أكد على حرية المعتقد والضمير وكان واضحا وبصياغة أحسن ممّا ورد في دستور 2014 لكنّه وفي المقابل قيّد وبموجب الفصل 28 حرية القيام بالشعائر الدينية واشترط فيها عدم الاخلال بمفهوم الأمن العام الذي وصفه بالمفهوم الضبابي.
و أكّد اللغماني أنّ “الحقوق والحريات” وردت في نص المشروع الجديد أفضل مما ورد سابقا لكن مشروع الدستور الجديد هو دون مستوى دستور 2014 الذي لم يقع الخروج منه وتجاوز تناقضاته .
وحول النظام السياسي قال استاذ القانون إنّ الدستور الجديد ارسى نظاما رئاسويّا يأخذ من النظام البرلماني والرئاسي كل ما من شأنه تعزيز موقع رئيس الجمهورية ويؤسس لنظام قاعدي، ورئيس الدولة وفق هذا المشروع غير مسؤول لا سياسيا ولا جزائيا مضيفا أنّ رئيس الجمهورية مكّن نفسه من حق الاستفتاء التشريعي المباشر والدستوري المباشر معتبرا أنّه لا دولة ديمقراطية يتمّ فيها تغيير الدستور بالذهاب فقط الى الاستفتاء دون المرور بالبرلمان.
في المقابل قال اللغماني إنّ الحكومة ووفق هذا المشروع رهينة إرادة رئيس الجمهورية لكنها محصّنة إزاء البرلمان الذي يمكن حلّه بعد توجيه لائحة لوم لها كما اعتبر أنّ سحب الوكالة وإرساء مجلس الجهات والأقاليم عوض المجلس الاقتصادي والاجتماعي و السكوت حول طريقة انتخاب النواب ثم حذف الباب الاقتصادي والاجتماعي، فيه تمهيد واضح وجلي لوضع نظام قاعدي.
كما نسف رئيس الجمهورية وفق اللغماني ضمانات استقلالية القضاء من خلال تعيين القضاة من قبل رئيس الجمهورية مبيّنا أنّ الضمانات المنصوص عليها بشأن عدم نقلة القاضي أو عزله أو إعفائه هي ضمانات رهينة قانون ومأخوذة من دستور 1959
وحول تركيبة المحكمة الدستورية انتقد استاذ القانون الدستوري مبدأ تعيين قضاة على مشارف التقاعد وغير متمكنين من منطق القانون الدستوري مبيّنا أنّه يمكن اعتبار قرارات المحكمة غير ملزمة موضّحا أنّ الفصل 19 يقول إنها ملزمة لجميع السلطات في حين أنه لا توجد سلطات في هذا المشروع.
من جهتها اعتبرت لمياء ناجي أستاذة قانون بكلية الحقوق بصفاقس أنّ الدستور قاعدة قانونية لكن ليست كسائر القواعد الأخرى باعتباره القاعدة القانونية العليا ومحتواها يؤسس الفكرة القانونية التي يتبناها المجتمع مؤكّدة أنّه لا يمكن ان يكون الدستورنتاجا لردّة فعل أو لتوازنات سياسية ظرفيّة بل جعل ليستقر في المجتمع ويكون رهين استجابته للتطلعات وقدرته للتطوّر.
وقالت إنّ للدستور وظائف يقوم بها تتعلق بمشروعية السلطة السياسية وكيف يكون وسيلة للحد منها مما يستوجب ان يتوفر فيه الوضوح والتجانس والانسجام لا أن يكون مصدر تعقيد وخلط وغموض ممّا من شأنه أن يمس بحرية تصرّف المواطنين والسلط وان يؤدّي إما إلى الفوضى أو إلى الاستبداد .
كما لاحظت أنّ الأحكام الواردة بمشروع الدستور متضاربة كما وقع تكرار فصول ومصطلحات في أكثر من مناسبة إضافة إلى أخذ فصول برمّتها من دستور 1959 مشيرة الى أنّ الفصل الخامس يؤسّس لثوابت الاسلام التي تم الاجتهاد لحذفها من دستور 2014
وبخصوص الأحكام المتعلقة بالنظام السياسي، تطرّقت استاذة القانون إلى حذف شرط الانتخاب العام الحر والمباشر وحذف الفصل المتعلق بالمعارضة معتبرة ان ذلك يؤكّد وجود ارادة للقضاء على كل ماهو احزاب معارضة وتعددية حزبية مؤكّدة أنّ ما تمّ تكريسه هو نظام رئاسوي يمهّد للاستبداد.
يذكر أنّ الجمعية التونسية للقانون الدستوري تأسست سنة 1981 ودأبت على الاهتمام بالدساتير ولها بصمتها في بعض التنقيحات التي طرأت على دستور 2014.