أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل مجموعة من الملاحظات حول مشروع الدستور الصادر بالرّائد الرسمي بتاريخ 30 جوان 2022، معتبرا أن التوطئة لا تليق بدستور تونس ووضعت خصّيصا لتبرير 25 جويلية، وتحقيق رغبة شخصية في كتابة تاريخ جديد.
كما اعتبر أن مشروع الدستور لم يأخذ بعين الاعتبار إرادة واختيارات المشاركين في الحوار الاستشاري بدار الضيافة الاستشارة ولا بمشروع اللجنة الاستشارية المكلّفة بالصياغة وانفرد واضعه بالرأي واستبد بالاختيار عكس ما صرّحت به التوطئة.
كما أشار الاتحاد إلى وجود إخلال بمبدأي الفصل والتوازن بين السلط في المشروع، معتبرا أنه مكّن رئيس الجمهورية من التحكم في جميع السلطات ومركز بين يديه جميع الصلاحيات وجعله فوق كل محاسبة ومراقبة وحصّنه من كلّ مساءلة سياسية أو جزائية.
وفي ما يلي تفاصل ملاحظات الاتحاد
ملاحظات حول مشروع الدستور الصادر بالرّائد الرسمي بتاريخ 30 جوان 2022
مقدّمة:
عرفت تونس منذ 25 جويلية 2021 منعرجا كبيرا اعتبره الاتحاد العام التونسي للشغل فرصة تاريخية يجب تحويلها إلى مسار للتصحيح والبناء، وجدّد دعوته على إطلاق حوار وطني حقيقي وفعلي انسجاما مع مبادرته في نوفمبر 2020 التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية مع مراعاة المستجدّات والتغيّرات السياسية على أرض الواقع، ولم يتوان في كلّ مرحلة منذ 25 جويلية عن التوجيه والاقتراح والضغط الإيجابي والنقد البنّاء من أجل تأكيد تمسّكه بمسار تصحيحي حقيقي وفق روزنامة واضحة الأهداف والمعالم والوسائل من أجل تحقيق تطلّعات وانتظارات شعبنا.
غير أنّ دعوة الاتحاد لم تلق تجاوبا، بل ووجهت بالصدّ والتهكّم وأفرز ذلك هدرا للوقت والطاقات في واقع اقتصادي واجتماعي متأزّم وطنيا وإقليميا ودوليا زاد من تعميق الأزمة الممتدّة منذ أكثر من عقد. ورغم ذلك استبشر الاتحاد خيرا بإعلان رئيس الجمهورية يوم غرة ماي 2022 عن قرار انطلاق حوار وطني دون تفصيل أهدافه ومكوّناته وتاريخه ودعا الاتحاد رئيس الجمهورية إلى التشاور قبل إصدار منشور في الغرض من شأنه أن يجنّب تضارب المواقف وسوء التقدير كما كان الشأن بالنسبة إلى الاستشارة الالكترونية والتي لم تلق إقبالا كبيرا ولم تعكس اراء التونسيات والتونسيين جميعا ومثّلت هي الأخرى هدرا للوقت والجهد ودافعا جديدا للتجاذب والانقسام.
وبعد صدور المرسوم عدد 30 بتاريخ 17 ماي 2022 حول إرساء “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” جدّد الاتحاد في بيان هيئته الإدارية الوطنية المنعقدة بتاريخ 23 ماي 2022 تمسّكه بالحوار سبيلا وحيدا للخروج من الأزمة المعقّدة التي تمرّ بها البلاد، وذكّرت بموقف الاتحاد حول طبيعة الحوار وأهدافه وآليّاته ومكوّناته الذي ضُمّن في بيانات المكتب التنفيذي الوطني والهيئة الإدارية الوطنية وصدر في لوائح المؤتمر الخامس والعشرين، واعتبر المرسوم عدد 30 المذكور سابقا لم ينبثق عن تشاور أو اتّفاق مسبق ولا يرقى إلى التطلّعات الوطنية ولا يستجيب إلى انتظارات القوى الوطنية الصادقة التي رأت في حدث 25 جويلية 2021 فرصة تاريخية للقطع مع عشريّة سوداء وبناء مسار تصحيحي يُرسي ديمقراطية حقيقية تكون العدالة الاجتماعية محورا أساسيا فيها. كما جدّدت الهيئة الإدارية الوطنية رفضها لأيّ حوار شكلي متأخّر متعجّل تُحدَّد فيه الأدوار من جانب واحد وتُفرض فرضا ويقصي القوى المدنية والسياسية الوطنية، فضلا عن أنّه حوار استشاري لا يمكن أن يفضي إلى اتفاقات جدّية ويراد منه تزكية نتائج معدّة سلفا يتمّ إسقاطها بشكل فردي وفرضها على طريقة المرور بقوّة وفرض الأمر الواقع. كما اعتبرت الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بعد عشرة أشهر من الانتظار والرفض والتردّد وبالطريقة المضمّنة في المرسوم أعلاه غير قادر على إخراج البلاد من أزمتها بل سيعمّقها ويطيل أمدها إلى حدّ تفكيك أوصالها وإلغاء ما راكمته أجيال متعاقبة من مكاسب، ولذلك رفض الاتحاد العام التونسي للشغل بكافّة هياكله المشاركة في الحوار بالصيغة المعلنة في المرسوم.
وقد أثبتت لاحقا مجريات حوار لجان الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة ونتائجه صحّة موقف الاتحاد، إذ لم تتشكّل اللجنة القانونية كما وردت في الأمر الرئاسي عدد 505 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بضبط تركيبة كل من اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية واللجنة الاستشارية القانونية. كما كانت لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية متحوّلة في تركيباتها بين مقاطعة البعض وانسحاب آخرين وتعزيزها بوجوه جديدة لم يتمّ الإعلان عنها لا في المرسوم ولا في الأمر المذكور أعلاه وانشغل بعض أفرادها وفي مقدّمتهم رئيسها في الحملات الإعلامية ومنها الحملة ضدّ الاتحاد، كما ظلّت لجنة التأليف للحوار الوطني مجهولة التركيبة لا أحد يعرف مواعيد اجتماعها ونتائج عملها إلى حدود يوم 30 جوان 2022 آخر أجل لنشر مسودّة الدستور وليتّضح بعد ذلك تضارب بين ماقدّمه رئيس لجنة الحوار من أجل الجمهورية الجديدة وما نشر في الرائد الرسمي.
وبناء على قرار الهيئة الإدارية الوطنية المنعقدة يومي 26 و27 جوان 2022 والقاضي بتكليف المكتب التنفيذي الوطني بنشر الرأي المعلّل وتوضيح موقف الاتحاد، فإنّنا نقدّم إلى كافة الهياكل النقابية وإلى الرأي العام هذه القراءة النقدية لمشروع الدستور الصادر بالرائد الرسمي التونسي بتاريخ 30 جوان 2022.
التوطئة:
بداية لا بد من الإشارة إلى أنّ دستور 2014النافذ إلى حدود هذا التاريخ لا يخوّل لرئيس الجمهورية عرض دستور جديد على الاستفتاء، خلافا لما ورد في اطلاعات الأمر الرئاسي عدد 578 لسنة 2022 المؤرخ في 30 جوان 2022 أنّ رئيس الجمهورية، “بعد الاطلاع على الدستور، …”
وقد جاءت التوطئة في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء بلا مبادئ عامّة تحكمها وتنتظم من خلالها مفاصل الدستور ومحتوياته، فلم تقدّم بنية مبدئية على أساسها سترتكز فيما بعد أبواب الدستور وفصوله، ولذلك لا نجد أثرا كبيرا للتوطئة في متن الدستور ومضامينه :
-إسقاط لفظة الكرامة من شعار الجمهورية
-إعفاء الرئيس من كلّ مساءلة أو محاسبة ” تمكين المواطن من حقّه في الاختيار الحرّ ومن مساءلة من اختاره”
-غياب الفصل بين “الوظائف “ واختلال التوازن بينها. “نحن الشعب التّونسي، صاحب السيادة، نجدّد تمسّكنا بإقامة نظام سياسي يقوم على الفصل بين الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى إرساء توازن حقيقي بينها.
فقد انساقت بدلا من ذلك وراء قوالب شعبوية جاهزة وغرقت في الشروح والتفاسير والتكرار والإنشائية والتعابير الاستعراضية الخالية من معيار جودة التشريعات المتعارف عليها وخاصة بالنسبة للقواعد القانونية العليا كالدساتير.
وقد غفلت التوطئة القيم والمبادئ الكونية باعتبارها مرجعية أساسية تعزّز المرجعيات الوطنية القيمية والثقافية والحضارية وغاصت تقريبا في الخصوصية.
كما تميّزت بقراءة انتقائية وذاتية للتاريخ، إذ حامت حول المنجز الخاص بالرئيس كمنقذ وقفزت عن محطّات تاريخية كثيرة وأرّخت لمواعيد جديدة غايتها محو جزء من الماضي والتأسيس إلى تاريخ جديد، وعلاوة ذلك، فقد صمتت التوطئة، وهي تعدّد الدساتير السابقة في تونس، عن ذكر دستوريْ 1959 و2014
وقد تعالت عن تراكم نضالي طويل لتختزل النضال في يوم 17 ديسمبر ونفي أهمّية 14 جانفي في التحوّلات التي شهدتها بلادنا
اختزلت الحوارات التي دارت على امتداد عشرية كاملة في استشارة الكترونية كانت فيها المشاركة ضعيفة جدّا “وقد عبرنا عن إرادتنا واختياراتنا الكبرى من خلال الاستشارة الوطنية … ”
ولم يأخذ مشروع الدستور بعين الاعتبار إرادة واختيارات المشاركين في الاستشارة الالكترونية:على قلّتهم إذ أنّ أغلبيتهم خيّر وا تعديل الدستور على إقرار دستور جديد و اختار نظام رئاسي وليس ينضع رئاسويّا كما ذهب إليه المشروع.
كما لم يأخذ مشروع الدستور هذا بعين الاعتبار إرادة واختيارات المشاركين في الحوار الاستشاري بدار الضيافة الاستشارة ولا بمشروع اللجنة الاستشارية المكلّفة بالصياغة وانفرد واضعه بالرأي واستبد بالاختيار عكس ما صرّحت به التوطئة : “وبعد النظر في نتائج الحوار الوطني حتى لا ينفرد أحد بالرأي أو تستبد أ ي جهة بالاختيار” في إصرار على دسترة الاستشارة الالكترونية وحوار دار الضيافة رغم انعدام أهمّيتهما في تاريخ البلاد.
فالتوطئة قد وضعت خصّيصا لتبرير 25 جويلية، وتحقيق رغبة شخصية في كتابة تاريخ جديد “فكان لابد من موقع الشعور العميق بالمسؤولية التاريخية من تصحيح مسار الثّورة بل ومن تصحيح مسار التاريخ”
الباب الأوّل: الأحكام العامة
من الفصل الأوّل الى الفصل الواحد والعشرين:
– تم التخلي في مشروع الدستور الجديد عن عبارة الإسلام دين الدولة الواردة في الفصل الأول من دستور 2014 و كذلك في دستور 1959 و التخلي كذلك عن الفصل الثاني من دستور 2014 و الذي ينصص على أن تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون و في المقابل تم التنصيص في فصل خامس جديد على أن تونس جزء من الأمة الإسلاميّة، وعلى الدّولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدّين والحريّة،ونحن نعتقد أن عدم التنصيص في مشروع الدستور الجديد على الطابع المدني للدولة بما يحمله من رمزية اجتماعية وسياسية وفكرية وبما هو احد أهم المكونات الرئيسية لهوية الدولة التونسية وإحدى الركائز الأساسية لنظامها القانوني والدستوري ذات تأثير حاسم في إنفاذ الحقوق والحريات وحمايتها والتنصيص في المقابل على طابع ديني للدولة وجعلها مطالبة وحدها بالعمل على تحقيق مقاصد مثيرة للجدل وغير متفق على تأويلها من شانه أن يجعل العامل الديني عنصرا من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة وهو ما يشكل تهديدا جديا وخطيرا لسيادة القانون ولمنظومة الحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وللطابع الوضعي للنصوص التشريعية.
– إغفال الفصل 17 من المشروع التنصيص على الاقتصاد التضامني والاجتماعي كقطاع ثالث إلى جانب القطاعين العام والخاص بما يكشف عن منهج تهميش لهذا النمط البديل رغم ما يتوفر عليه من إمكانات كبيرة لمواجهة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها جهات وفئات عديدة في البلاد خاصةوإنالفصل 18 من المشروع يتحدث عن وجوب توفير الدولة كل الوسائل القانونية والمادية للعاطلين عن العمل لبعث مشاريع تنموية وهي من الأهداف الأساسية للاقتصاد التضامني والاجتماعي.
– إغفال الفصل 19 من المشروع المتعلق بالإدارة العموميّة ومرافق الدّولة التنصيص الوارد بدستور 2014 الذي يوجب العمل طبق مبدأاستمرارية المرفق العام، ووفق قواعد الشفافية والنزاهة والنجاعة والمساءلة وهي مبادئ أساسية لعمل المرفق العام.
– التخلي عن الفصل 17 من دستور 2014 الذي ينصص على احتكار الدولة لإنشاء القوات المسلحة، وقوات الأمن الداخلي وهو مبدأ أساسي للحفاظ على سيادة الدولة ووحدتها وسلامة أمنها.
– التخلي عن الفصلين 18 و19 من دستور 2014 الذين ينصصان على الطابع الجمهوري لكل من القوات المسلحة العسكرية وقوات الأمن الداخلي على أدائهما للمهام المنوطة بهما في كنف احترام الحريات والحياد التام.
– عدم تنصيص مشروع الدستور الجديد على مسائل هامة وملحة مثل رقمنة الإدارة وعصرنتها والطاقات البديلة والثروة المستدامة وغيرها ممّا يضمن مستقبل الأجيال القادمة.
مجمل هذه المؤاخذات لا يجب أن تحجب إضافات جديدة وهامة أوردها المشروع الجديد، مثل:
– تنصيص الفصل 19 من المشروع الجديد على مبدأ هام مقتضاه أنكل تمييز بين المواطنين في الاستفادة من خدمات الإدارة العمومية والمرافق العامة على أساس أيّ انتماء يمثل جريمة يعاقب عليها القانون.
– تنصيص الفصل 15 من المشروع الجديد على اعتبار التهرّب الضريبي جريمة في حق الدّولة والمجتمع بعد أن كان الفصل 10 من دستور 2014 يكتفي بالتنصيص على وضع آليات لمنع التهرب والغش الضريبي.
الباب الثاني: الحقوق والحريات
الفصول من 22 الى 55
لئن أبقى هذا الباب من المشروع الجديد على أغلب ما جاء بالباب الثاني من دستور2014 وأكد على ضمان الدولة للحقوق والحريات الفردية والعامة فإنه قد نصص على حقوق جديدة هي:
– ضمان حريّة الفرد في الفصل 26
– حق الجميع على الدولة في أن توفر لهم الماء الصالح للشّراب على قدم المساواة في الفصل 48
– حماية الدولة لحقوق الطفل، وتكفلها بالأطفال المتخلّى عنهم أو مجهولي النسب في الفصل 52
– ضمان الدولة المساعدة للمسنّين الذين لا سند لهم في الفصل 53
لكن هذا التكريس للحقوق والحريات المضمنة في دستور 2014، بل والإضافة إليها، لا يجب أن يحجب شوائب خطيرة من شانها التقليص من ضمانات إنفاذ هذه الحقوق والحريات وحمايتها.
– تعدد حالات الإحالة على القانون لتنظيم الحقوق والحريات كالحق في الحياة وحق الملكية والإيقاف والاحتفاظ واللجوء السياسي والانتخاب والاقتراع والتغطية الاجتماعية وهو ما يخشى معه من الصلاحية المطلقة للمشرع في تحديد هذه الحقوق، بما من شانه أن يصل إلى درجة المساس بحريات وحقوق أساسية تحت غطاء تنظيمها بقانون.
– التقليص الخطير من ضمانات حماية الحقوق والحريات الدستورية وذلك من خلال تخلي الفصل 55 من المشروع الجديد عن الضمانة التي كرسها دستور 2014 في الفصل 49 منه والمتمثلة حصر الضرورة الملجئة لضبط الحقوق والحريات الدستورية في تلك التي تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية.
إنّ التخلي عن شرط كون الضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية من شأنه أن يطلق يد المشرع حين ضبطه للحقوق والحريات بواسطة القانون تحت تعلة الضرورة التي يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العمومية أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة وهي كلها مفاهيم مبهمة وفضفاضة ومطاطة خاصة حين تتخلص من معايير ومقومات الدولة المدنية والديمقراطية بما يجعل كل تلك الحقوق والحريات الأساسية مهددة بالتضييق والمصادرة.
ويزداد هذا التخوف حدة بما أقدم عليه ذات الفصل من المشروع الجديد من استبدال معيار التناسب بين الضوابط الموضوعة وموجبات وضعها بمعيار جديد هو الملائمة وهو معيار يمنح المشرع سلطة تقديرية واسعة يصعب مراقبتها في حين أن المعيار المتخلى عنه هو معيار موضوعي قابل للتقييس والمراقبة، فضلا عن استبدال لفظة ضوابط بقيود
– غموض الفصول المتعلقة بالمرأة أو تقلّص حدودها مقارنة بدستور 2014
– غياب ضمانات دستورية بخصوص منع تنقيح بعض الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات
الباب الثالث: الوظيفة التشريعية
من الفصل 56 إلى الفصل86
– تم بموجب الفصل61 من المشروع منع النائب من القيام بأي نشاط بمقابل أو بدونه وهذا من شأنه أن يضع حدا لاهتمام كثير من النواب بأعمالهم وإهمال العمل البرلماني لكن يخشى من هكذا نص أن يسبب عزوف المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية ويثنيهم عن الترشح للمهام النيابية.
– حجر الفصل 62 الانتقال من كتلة برلمانية إلى أخرى أي السياحة الحزبية التي كانت من مظاهر فساد الحياة النيابية مع ملاحظة التخلي عن عبارة الانتماء للأحزاب و استبدالها بالانتماء للكتل.
– نصص الفصل 66 على عدم تمتيع النائب بالحصانة بالنسبة لجرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس وتعطيل السير العادي للأشغال وهو نص على أهميته في التصدي للمظاهر المنحطة التي ميزت العهدة البرلمانية المنحلة فانه يخشى منه ان توظف المسالة للتضييق على حرّية النائب وحقه في التعبير بجعله تحت ضغط تجريده من الحصانة خاصة وان تلك المخالفات لا ترتكز على ضوابط محددة، وربما كان من الاجدر أن يكون يضمن هذا الفصل في النظام الداخلي لمجلس النواب.
– تم في مشروع الدستور إضعاف الدور الرقابي للمجلس التشريعي على الحكومة حيث لا يمكنها توجيه لائحة لوم ضدها إلاّبأغلبية نصف أعضاء المجلسين معا ولا تتم استقالة الحكومة إلاّإذا حازت لائحة اللوم موافقة ثلثي أعضاء المجلسين معا وهي بمثابة الاستحالةوهو ما من شأنه أن يخلق حالة حصانة واقعية للحكومة.
-. تمّ إضعاف السلطة التشريعية من خلال تقاسم بعض مهامها مع مجلس الجهات والأقاليم وهو هيكل لا يتم انتخاب أعضائه عن طريق الاقتراع العام المباشر وإنما يتولى أعضاء المجالس الجهوية والأقاليم انتخاب ممثليهم فيه. ويبقى هذا المجلس مبهما وغامضا ويخشى من ان يكون مجرد مقدمة لمنظومة مريبة.
– عدم تنصيص مشروع الدستور على الانتخاب الحر والمباشر لنواب الشعب وإغفال التنصيص على اداء اليمين للنواب والتنصيص في الفصل 61 على سحب الوكالة من النائب بما يخشى معه من ان يكون هذا تمهيدا لنظام البناء القاعدي الذي لا يتمّ وفق الانتخاب المباشر خاصة مع السكوت عن تحديد مواعيد الانتخاب وبعث المجلسين
– عدم التنصيص على سلطة مجلس نواب الشعب في سحب الثقة من رئيس الجمهورية بسبب الخطأ الجسيم ولا حتى بسبب الخيانة العظمى وهو ما يمثل إخلالا فادحا بالتوازن بين السلط في الدولة.
الباب الرابع: الوظيفة التنفيذية
القسم الأوّل : رئيس الجمهورية
الفصول من 87 الى 110
– تم التنصيص في الفصل 96 من المشروع على الحالة الاستثنائية في صورة الخطر الداهم وتم منح رئيس الدولة صلاحيات واسعة في ظروف يقررها بمفرده وإلغاء القيود التي ينصص عليها الفصـل 80 من دستور 2014 من ضرورة بقاء مجلس النواب في حالة انعقاد والتسقيف الزمني للحالة الاستثنائية بشهر لا يتم تجديده إلا لمرة واحدة من قبل المحكمة الدستورية وهو ما يخشى منه إمكانية الالتجاء لهذا الفصل عند الحاجة بدون ضمانات ولا قيود خارجة عن إرادة رئيس الجمهورية.
– للرئيس حسب الفصل 97 من المشروع حق إجراء الاستفتاء التشريعي المباشر وحتى الاستفتاء الدستوري وبالتالي يمكنه تجاوز السلطة التشريعية تماما
-يعين رئيس الحكومة كما يشاء بغض النظر عن نتائج الانتخابات والفائز بها
– حسب الفصل 102 ينهي مهام الحكومة أو أحد أعضائها تلقائيا أو باقتراح من رئيسها
– الدستور الجديد يمنح الرئيس صلاحيات كبرى في كل الوظيفة التنفيذية، بالإضافة إلى تكفّله بتعيين أعضاء المحكمة الدستورية وأعضاء الهيئات والمؤسسات الدستورية، وهو ما يتناقض مع ما جا في التوطئة حول الفصل بين السلطات
– نظام رئاسوي واضح: رئيس الجمهورية تتركز لديه جميع الاختصاصات وله جميع السلطة التنفيذية بينما يمكنه حل المجلسين وإقالة الحكومة مع انتفاء كل مسؤولية سياسية له إلى جانب تمتعه بصلاحيات غير محدودة في الحالة الاستثنائية.
القسم الثاني: الحكومة
من الفصل 111 إلى الفصل 116
لئن تم تجاوز الوضعية التي خلقها دستور 2014 والمتسمة بتشتت السلط وتنازعها للصلاحيات وغياب مسؤول يمكن محاسبته فإن المشروع الحالي إذ يعوض النظام السياسي الهجين بنظام رئاسوي صريح فإنه يعطي لرئيس الجمهورية سلطات وصلاحيات واسعة تكاد تكون غير محدودة دون اعتبار نزعة الإفراط في السلطة
حسب الفصل101 من المشروع رئيس الجمهورية يختار رئيس الحكومة وهو في واقع الأمر رئيس الوزراء أو وزير أول بما انه ليس مسؤولا أمام النواب ولا الشعب بل أمام رئيس الجمهورية فقط، ويعين أعضاءها بالتنسيق معه ويرأس مجالسها. وتسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة وفق توجهات واختيارات رئيس الدولة حسب الفصل 111 وهي مسؤولة أمامه عن تصرفها حسب الفصل 112 و له أن ينهي مهامها أو مهام احد أعضائها تلقائيا أو باقتراح من رئيسهاوهو ما يتماهى مع روح المرسوم عدد 117 لسنة 2021
وينص الفصل 115 من المشروع على حالة شبه تحصين للحكومة في علاقتها بالمجلسين حيث شدد في إجراءات توجيه لائحة لوم منهما ضدها والتي لا تكون إلا بمعللة وممضاة من قبل نصف أعضاء المجلسين معا ولا تستقيل إلا بعد مصادقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلسين على لائحة اللوم.
الباب الرّابع : الوظيفة القضائية
الفصول من 117 الى 124
– تخلّى مشروع الدستور على وصف السلطة واستبدلها بالوظيفة في الباب الرابع منه وهو ما يخشى منهإضعاف السلطة القضائية وإفقادها الاستقلالية.
– تخلّى مشروع الدستور في الفصل 119عن المجلس الأعلى للقضاء كهيكل دستوري مستقل يضمن وحدة القضاء وحسن سير عمله واحترام استقلاله وتم استبداله بمجالس ثلاثة.
– احتكر الرئيس سلطة تعيين القضاة في الفصل 120.
– تم التخلّي في الفصل 121 على مبدأ عدم نقلة القاضي بدون رضاه وتقنين مبدأ النقلة لضرورة مصلحة العمل في الحالات التي يضبطها القانون.
– تمّ التخلّي في مشروع الدستور الجديد على ضمانة تسمية القضاة بالرأي المطابق وبالترشيح الحصري من المجلس الأعلى للقضاء والتخلي على ضمانات العزل بالرأي المعلل للمجلس الأعلى للقضاء.
– تمّ التخلّي في الفصل 41 من المشروع على الحقّ في الإضراب للقضاة،
– لم يتضمن مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية أي فصل يتعلق بمهنة المحاماة ودسترتها خلافا لدستور 2014 في الفصل 105 منه الذي عرّف المحاماة فاعتبرها مهنة حرة مستقلة تشارك في إقامة العدل ولدفاع عن الحقوق والحريات يتمتع المحامي بالضمانات القانونية التي تكفل حمايته وتمكنه من تأدية مهامه.
الباب الخامس: المحكمة الدستورية
الفصول من 125 ال 132
لئن تم التخلص من المعوقات التي حالت دون قيام المحكمة الدستورية طيلة الفترة التي تلت صدور دستور2014 فان تنظيمها في مشروع الدستور الجديد جاء جائرا ومنقوصا ومقلّصا إلى حد كبير من استقلاليتها وقدرتها على الاضطلاع الأمثل بدورها الخطير.
نصّص مشروع الدستور على أن المحكمة الدستورية تراقب مشاريع القوانين وتنظر أيضا في دستورية القوانين عن طريق الدفع بعدم دستوريتها. ولكن بالنظر إلى تركيبتها التي نصّس عليها المشروع، نجدها هيئة مكوّنة فقط من قضاة عدليين وإداريين وماليين، بما يقصي سائر الفئات والمهن القانونية الأخرى وفي مقدمتهم أساتذة التعليم العالي المختصّين في القانون والمحامون ويغيّب التنوع الفكري والسياسي داخلها. ومن شأن هذا التنظيم أن يحوّل المحكمة إلى هيكل قضائيّ تقنيّ لا ينظر في الأهداف والأفكار والبعد السياسي للنصوص الدستورية، خاصّة مع عدم وجود أعمال تحضيرية لمشروع الدستور.
كما إنّ تسمية أعضاء المحكمة بصفاتهم بالرجوع إلى درجاتهم وأقدميتهم فقط يتمّ باختيار حرّ من رئيس الجمهورية وبأمر منه من بين الأقدم، وهم كثر، وليس الأقدم فيهم. ممّا يفقد هذه الهيئة استقلاليتها وحيادها.
الباب السابع والباب الثامن: الهيآت الدستورية
تم في الفصل 134 من المشروع التنصيص على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، دون تغيير في تركيبتها أو صلاحياتها لكن لم يقع التنصيص عل كيفية تشكيلها. ألغى مشروع الدستور الجديد هيئات دستورية أربع هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا)، وهيئة حقوق الإنسان، وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال المقبلة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. الغاية من إحداث هذه المؤسسات هو وضع سلطة تحد سلطة أخرى من الانحراف، وتعدل قراراتها بشكل يتماشى مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان والحريات، ومع النزاهة والشفافية وهي بذلك تمثّل ركن أساسي من أركان النظام الديمقراطي وتؤمن باعتبارها أجهزة الرقابية وظيفة استدامة الديمقراطية وحمايتها. وهي من ناحية أخرى تمثل تجسيدا للالتزام الدولي لتونس بكونية حقوق الإنسان وحمايتها طبق للاتفاقات الدولية والعهود الدولية التي تنص على إحداث هذه الهيئات الدستورية المستقل.
تم التنصيص في الفصل 135 من المشروع على إحداث المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وهو هيكل استشاري طالما وقعت المطالبة بإحداثه في إطار برامج إصلاح التعليم والتربية والتكوين
الباب التاسع : تنقيح الدستور
الفصول من 136إلى 138
ترك هذا الباب المجال مفتوحا أمام كل التنقيحات سواء بطلب من رئيس الجمهورية او من الغرفتين ولم يضع قيودا على بعض المواد مثلما فعل دستور 2014 الذي يمنع المساس بما يعتبره ثوابت مثل الهوية الاسلامية للشعب التونسي والطابع المدني للدولة.
يسمح الفصل 136 من المشروع لرئيس الجمهورية بعرض مشاريع تنقيح الدستور على الاستفتاء دون ضرورة للمرور بالمجلي التشريعي.
الباب الحادي عشر: الأحكام الانتقالية
الفصول من 139 إلى 142
ينصص الفصل 139 من المشروع على أن يدخل الدستور حيز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهو نصّ لا يأخذ في اعتباره ماهية نتيجة الاستفتاء وهل هي القبول بالدستور ام رفضه.
وينصّص الفصل 141 من المشروع على الاستمرار في العمل بأحكام الأمر عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية إلى حين توليّ مجلس نوّاب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه دون أن يحدد أجلا لإجراء تلك الانتخابات وهو ما يخشى معه من إمكانية إطالة الحالة الاستثنائية إلى ما بعد الآجال المعلنة في أشكال غير رسمية.
الخلاصة:
التوطئة لا تليق بدستور تونس غاب فيها سجلّ مفاهيمي وقيمي ورمزي يحيل على مرجعيات حقوق الإنسان وسائر القيم الكونية
مشروع دستور:
أخلّ بمبدأي الفصل والتوازن بين السلط بما هي أساس كل نظام وبناء ديمقراطي
مكّن رئيس الجمهورية من التحكم في جميع السلطات ومركز بين يديه جميع الصلاحيات وجعله فوق كل محاسبة ومراقبة وحصّنه من كلّ مساءلة سياسية أو جزائية
أقصى مفهوم الدولة المدنية القائمة على الفصل بين الدين والدولة وفتح مجالا واسعا للدين كعنصر أساسي في الحياة السياسية والقانونية
غفل عن مفهوم المصلحة العامة ومبادئ الحوكمة الرشيدة وقيم الشفافية والنزاهة والحياد والجودة وغيرها في تمثّل الإدارة العمومية ووظيفتها
قلّص الى حدّ خطير من الاستقلالية عن هيئات الدولة التي يُفترض توفّر شرط الاستقلالية فيها كالبرلمان والقضاء والجماعات المحلية والهيئات الدستورية مهمّشا دورها أو نافيا وجودها
منح الحريات والحقوق لكنه ضيق من ضمانات انفاذها واحترامها حتى بالنسبة للأساسية منها وترك المجال واسعا للقانون لتقييدها حسب مبدأ الملاءمة ( بدل التناسب) دون التزام بقيم ومبادئ مصلحة الدولة المدنية الديمقراطية
أضعف صلاحيات التمثيل النيابي في مجلس النواب وأهمها الدور الرقابي على عمل السلطات السلطة التنفيذية، فضلا عن السكوت المتعمّد عن طريقة انتخابه وموعده وتركيبته ومدّته النيابية
أوجد مجلسا يمثّل الجهات والأقاليم ومهد لطريقة التصعيد سبيلا للتمثيل فيه بما يؤسّس لما يسمّى بالبناء القاعدي واشركه من حيث الدور والصلاحيات والقوّة التشريعية بمجلس النوّاب ممّا قد يخلق تنازعا ويعيد انتاج الأزمات والتعطيل ولم يحدّد أجل بعثه وهو المرهون ببعث المجالس الجهوية والمجالس الإقليمية
الأمين العام نورالدين الطبوبي