شاءت الأقدار أن تتزامن سهرة افتتاح الدورة 56 لمهرجان الحمامات الدولي، ليلة أمس الأربعاء، مع اكتمال القمر الذي أصبح بدرا، فسطع بنوره على ركح مهرجان الحمامات الدولي وزاده سحرا وبهاءً وأضفى عليه بُعدا احتفاليا بعودة هذا المهرجان العريق إلى الانتظام بعد أن أفل بريقه لسنتيْن متتاليتيْن بسبب جائحة كورونا.
وشهد حفل افتتاح هذه النسخة السادسة والخمسين للمهرجان حضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي وعدد كبير من جمهور المسرح ومن الوجوه الإعلامية والثقافية.
وككل سنة، دأب مهرجان الحمامات الدولي على استهلال دوراته بعرض من الفن الرابع. وقد كان الموعد خلال الدورة الحالية مع العرض المسرحي “على هواك” لتوفيق الجبالي الذي اشترك في كتابة نصه مع عياض الشواشي، وأنتجه مسرح التياترو، وهو إهداء لروح الفقيدة زينب فرحات رفيقة درب الجبالي وشريكته في منجزه الفني منذ ثمانينات القرن الماضي.
ودام عرض “على هواك” 100 دقيقة، والعنوان اقتبسه صاحبه من القاموس الموسيقي، “إذ يمكن للمؤدي أن يكرر حسب الرغبة مقطعا من العمل، بطريقة حرة وليست مقيدة بالأصل ولا تلتزم سوى بالعشق والهوى”، وفق ما ذكر توفيق الجبالي.
وأدى الأدوار في هذا العمل الممثلون نوفل عزارة وعصام العياري ومحمد صابر الوسلاتي وياسمين الديماسي ووليد العيادي وآمال العويني وسيرين بن يحيى وإشراق مطر وأحمد عليوين ومهدي الميداني ومحمود السعيدي ومحمد أمين الحرباوي وبدري ميمونة ووسيم الطرابلسي وفاطمة صفر وبديع بوسعايدي، إلى جانب مشاركة خاصة لعادل بوعلاق.
“على هواك” ليست مسرحية، ولا كوميديا موسيقية، ولا عرضا فرجويا، بل هي “مسرحية آلاتية”، والتوصيف لتوفيق الجبالي، إذ كانت الآلات الموسيقية جزءا من العرض وجوهر اللعبة الدرامية على غرار لعب الممثل والنص والسينوغرافيا، وبذلك كسر المخرج مع الوظيفة الكلاسيكية للموسيقى كفعل متمم للعمل المسرحي.
وتوفرت في العرض مقومات البناء الدرامي في المسرح بداية من الخرافة مرورا بالإيقاع وبقية الأساليب الفنية كالسخرية السوداء والتراجيديا والرقص المسرحي والغناء والموسيقى وخيال الظل، ما جعل من العرض ممتعا ومؤنسا شدّ إليه انتباه الجمهور الذي ظل شديد التركيز على مختلف تفاصيل العمل الفنية والمضمونية. ولئن كانت الموسيقى واجهة القضايا المطروحة في العمل الفني “على هواك”، فإن الجبالي لم يغفل عن الإشارة إلى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والدينية والحقوقية.
ويتمحور العمل حول الموسيقى باعتبارها لغة إنسانية كونية وحُبلى بمعاني الحب والجمال والسلام. وعوض الاهتمام بالموسيقى لتكون سفيرة تونس والوطن العربي للقيم الكونية السامية، يتم تهميش رمزيتها وقيمتها الثقافية إما بتحريمها باسم الدين أو بسلعنتها وإدخالها في المسالك التجارية طبقا لمعايير العرض والطلب، فينعدم الذوق وتنتشر الرداءة، أو يتم اختزالها في حفلات الأعراس وتصبح نشازا وضوضاء، فتفرغ من معانيها السامية التي هي في الأصل انتصار للذات الإنسانية في مقاصدها الحقوقية كالعدالة والحرية والمساواة.
ويدافع توفيق الجبالي في هذا العمل عن فكرة أن كل مقطوعة موسيقية تحكي قصة وتعبر عن مأساة حتى وإن كانت إيقاعاتها احتفالية، وهي أرقى من أن يتم منعها أو اختزالها في البعد التجاري.