توافد الليلة الماضية على المسرح الروماني بقرطاج جمهور غفير عاشق للمالوف وللتراث الموسيقي التونسي، بعد أن استوفى جميع التذاكر المخصّصة لحفل الفنان زياد غرسة، وهو أحد أبرز الفنانين الموسيقيين الذين يعتبرون الذاكرة الحيّة لمساهمتهم في حفظ الموسيقى التونسية وإثرائها وتطويرها بعناية وبراعة.
ولم يخيّب زياد غرسة آمال الحاضرين عندما اختار لحفله، المدرج ضمن الدورة 56 لمهرجان قرطاج الدولي، عنوان “فرحة” رغبة منه في إسعاد الجمهور ونشر البهجة في أرجاء المسرح، فتسلطن وأرقص جمهوره على إيقاعات الموسيقى التونسية الأصيلة إلى حدّ الانتشاء.
وأطلّ زياد غرسة على الركح بلباسه التقليدي التونسي المعتاد، مرفقا بمجموعة موسيقية يقودها المايسترو كمال العباسي. وتميّزت هذه السهرة بتقديم زياد غرسة أغنيتيْن جديدتيْن هما “حبيت نغنيلك غناية” وهي من ألحانه وكلمات الشاعر علي الورتاني يقول مطلعها “حبيت نغنيلك غناية وخانتني الأوتار ونحكيلك في الحب حكاية ما لقيتش الأوتار”. أما الأغنية الثانية، فحملت عنوان “أنا حبيت” وهي من كلمات البشير اللقاني وألحان منى شطورو وتوزيع محسن الماطري.
وكان استهلال الجزء الأول من العرض بأداء بشرف سماعي الكبير مع وصلة مالوف ثم وصلة غنائية من العتيق، فأدى “ما كنت أدري” و”الكون إلى جمالكم مشتاق” و”لا نمثلك بالشمس لا بالقمرة” وكذلك “بحذا حبيبتي تحلا السهرية”، قبل أن يمر إلى تقديم باقة منوعة من الأغاني القديمة لعدد من الفنانين التونسيين، ملهبا بذلك حماسة الجمهور الذي تفاعل معها إما بالرقص أو بالتصفيق والزغاريد.
ولم ينس زياد غرسة تكريم بلبل الخضراء علي الرياحي الذي غنّى له من روائعه “يلي ظالمني” و”أنا كالطير”. وغنّى لمحمد الجموسي “كي جيتينا” وللهادي الجويني “إلي تعدى وفات”.
ومن أغانيه الخاصة، أنشد زياد غرسة “علاش تحيّر فيا” و”حبك كم عيارو”. ثمّ أخذ إيقاع الحفل منحى جديدا مع تأدية “ترهويجة” و”عزيز قلبك” و”روح مالسوق عمار” واختتم حفله بالتغني برسول الله إذ أدّى الأغنية التونسية الشهيرة “انزاد النبي”، تلتها “تلمت الأحباب”.وشارك زياد غرسة مجموعته الموسيقية بالعزف على آلة “الاورغ”، بمصاحبة موسيقية على آلات الكمنجة والتشيلو
وكذلك الدف والدربوكة، قبل أن يقحم آلات موسيقية أخرى كالغيتارة والباتري. وأوفى الفنان زياد غرسة، كما عهده الجمهور التونسي، للموروث الموسيقي الأصيل، فأطرب أسماع الحاضرين وشدّ اهتمامهم بموسيقى المالوف والألحان التونسية الخالدة. واستطاع أن يبقي جمهوره بحالة حماس طيلة العرض الذي استمر لأكثر من ساعتين، مزج فيه بين موشحات المالوف وقدم وصلات غنائية مشبعة بمعاني الحب والعاطفة والحماس.