ملابس مستعملة، خضر وغلال وتوابل بشتى أنواعها، تعرض من قبل الباعة المتجولين الذين إستحوذوا على ممرات المترجلين والأرصفة وعلى قارعة الطريق الوطنية رقم 5 الرابطة بين ولايتي الكاف وتونس مرورا بمدينة الكريب، الشريان الوحيد للمعتمدية، حيث يعبره يوميا المئات من المواطنين من الولايات المجاورة ومن الأشقاء الجزائريين.
الساعة الكبيرة التي تتوسط شارع الحبيب بورقيبة بمدينة الكريب تشير الى الثامنة صباحا، إختتاق مروري، وحدات أمنية متمركزة وسط الطريق لتسهيل حركة المرور وسيارات تمر بصعوبة في الإتجاهين سواء في اتجاه تونس العاصمة أو ولاية الكاف أو غيرها من الولايات المجاورة أو حتى إلى الحدود التونسية الجزائرية، وباعة يمدحون بضائعهم بأحلى العبارات لعلهم يظفرون ببعض الدنانير من قبل عابري الطريق.
ظاهرة الإنتصاب الفوضوي، ولئن كانت مصدر رزق شباب وكهول، إلا أنها إشكالية تؤرق أصحاب المحلات التجارية والمتساكنين، ظاهرة تخنق المارة وتعرقل الحركية، خاصة في أوقات الذروة، وتؤثر على جمالية شوارع المدينة
قطع من القماش البالية تغطى منضدات بشارع الحبيب بورقيبة بمدينة الكريب (على مستوى الطريق الوطنية رقم 5)، وبقايا خضر وغلال ملقاة هنا وهناك .. مظاهر تحدث نشازا في فضاء حضري جميل للشارع الرئيسي للمدينة المزينة بمزهريات ملونة والمعروفة بسحرها للناظر.
عدد هام من متساكني أحياء “عبد ربه” و”حي النصر” و”حي الإستقلال” وغيرها من الأحياء الأخرى عبروا عن إستيائهم من تواصل هذه الظاهرة منذ سنة 2011 دون إيجاد حلول عملية تتماشى مع مصلحة الجميع بما في ذلك المواطنين والباعة والسلط المحلية
محمد الطاهر الهمامي (بائع)، كهل إمتهن الإنتصاب في شارع الحبيب بورقيبة منذ سنوات قال لموفدة “وات” وبدت عليه مظاهر الإرتباك والخوف ليلتفت على اليمين والشمال، أن الإنتصاب يعد مورد رزقهم الوحيد في ظل عدم توفر مواطن الشغل وإرتفاع نسبة البطالة، لافتا إلى أن المكان الذي خصصته مصالح البلدية لفائدتهم بعيد عن الأنظار ولا يتماشى مع ظروفهم الاجتماعية
وإقترح الهمامي، تسطير شارع الحبيب بورقيبة وإعداد واجهات “تيندا” موحدة لجميع الباعة للحفاظ على جمالية ورونق المدينة من قبل مصالح بلدية الكريب، مؤكدا إلتزامهم بخلاص المعاليم وإلتزامهم بنظافة المكان، في حال تجاوب السلط المعنية مع مقترحهم.
بدوره ثمن مكرم البوبكري، شاب في مقتبل العمر، إقتراح زميله وطالب بلدية الكريب بايجاد حلول عاجلة تحافظ في الآن ذاته على جمالية مدينة الكريب، شرط عدم إبعادهم من مكان الإنتصاب وقطع مورد رزقهم، مؤكدا انهم ليسوا دعاة فوضى بل ان الظروف الاقتصادية والإجتماعية أجبرتهم على الإنتصاب، خاصة وأنهم ينفقون على عائلاتهم ومطالبون بتوفير مستلزماتهم الحياتية
إستحواذ الباعة المتجولين، شمل كذلك مداخل المحلات التجارية والمغازات التي يشتكي اصحابها الأثار السلبية لهذه المظاهر على عملهم اليومي، حيث تحدث لزهر، وهو صاحب محل لبيع الفواكه الجافة، عن معاناته اليومية أمام عزوف المواطنين عن إقتناء حاجياتهم من المحلات بسبب الانتصاب الفوضوي، وإنتقد هذه الظاهرة التى دفعت بالحرفاء الى الإبتعاد عن المسالك المنظمة التي تلتزم بواجبها الجبائي، وهو ماإنعكس سلبا على دخلهم اليومي
من جانبه، إعتبر رئيس لجنة الصحة والنظافة والعناية بالبيئة ببلدية الكريب مختار الميساوي، أن الإنتصاب الفوضوي إشكال “قديم حديث”، وبين ان المجلس البلدي لبلدية الكريب عمل منذ سنة 2018 على إزالة الانتصاب الفوضوي وإعادة الحالة الطبيعية للمدينة، وتم إكتراء مخزن تابع لديوان الحبوب وتخصيصه كسوق بلدي مقابل ألف دينار للشهر الواحد وتقسيمه على التجار
واكد بهذا الخصوص أن التجربة نجحت وتحول عدد هام منهم للمكان المخصص لانتصابهم، وباتت مداخيلهم”طيبة” بما في ذلك فترة جائحة “كورونا” رغم الظروف الإقتصادية الصعبة، إلا أن عددا من الباعة قاموا خلال شهر جوان الفارط بإخراج بضاعتهم والانتصاب من جديد في شارع الحبيب بورقيبة لبيع الغلال الصيفية ليلتحق بهم البقية، وإتهم الميساوي الشرطة البلدية بعدم تعاونها وأداء واجبها عبر تحرير محاضر عدلية ضدهم وتطبيق قرار الانتصاب الفوضوي.
وقال إن أصحاب الدكاكين والمقاهي قدموا شكايات للبلدية للقطع مع هذه الظاهرة في ظل تكاثر الحوادث وطالب السلط الجهوية والمركزية بإزالة الانتصاب الفوضوي، ووصف مقترح توحيد الواجهات وتسطير شارع الحبيب بورقيبة، ب”التطبيع مع الفوضى” قائلا “نحن سلطة محلية ليست مسؤولة عن الوضعية الإقتصادية، تمارس مهامها في إطار القانون”
بين مطرقة جمالية المدينة وعمل المحلات التجارية وسندان عدم توفر مورد رزق أخر للباعة المتجولين، يبقى إيجاد الحلول مطلبا ملحا على أن يراعي الظروف الإجتماعية للباعة.