رغم مساحة ولاية قبلي الجغرافية الشاسعة كثاني أكبر ولاية بالبلاد بـ22 ألفا و454 كلم2، أي ما يعادل 25 بالمائة من مساحة اقليم الجنوب و14 بالمائة من مساحة الجمهورية التونسية، ورغم ما تحتويه من ثروات باطنية هامة تجمع بين المياه الجوفية والمواد الانشائية، إلا أنها لا تزال تتذيل الترتيب الوطني للولايات في عديد المجالات وأهمّها جاذبية الاستثمار، وهو ما يضع النواب المرتقبين في البرلمان القادم امام عديد التحديات بالدوائر الانتخابية الثلاثة للولاية والتي تشمل دائرة قبلي سوق الاحد، ودائرة دوز، ودائرة الفوار رجيم معتوق.
ولئن تعدّدت تطلعات متساكني هذه الدوائر الثلاث، إلا أنها تتشابه في ما بينها نظرا للتقارب الكبير بين مختلف التجمعات السكانية للولاية من حيث البنية التحتية والانشطة الاقتصادية التي تتمحور اساسا حول منظومة انتاج التمور، اذ يؤكد اغلب الاهالي على ضرورة الاسراع بتفعيل قرار إحداث ديوان وطني للتمور يساعد في حمايتهم من الضغوطات التي يتعرضون لها سنويا من قبل المجمعين والمصدرين، ويؤمّن لهم عملية ترويج صابتهم من دقلة النور باسعار تراعي غلاء تكلفة الانتاج.
كما ركز الاهالي على ضرورة مراجعة تسعيرة الكهرباء المستغل من قبل المجامع الفلاحية لضخّ مياه الري بالواحات، مع الحرص على الاسراع بتسوية الوضعية العقارية للتوسعات الخاصة مما يمكنها من الانتفاع بامتيازات الدولة خاصة في مجال الاقتصاد في مياه الري.
كما تتوفر الجهة على أراض صالحة لممارسة النشاط الفلاحي تمتد على 621 الف هكتارا منها أكثر من 40 الف هكتار من الواحات، وحوالي 567 الف هكتار من المراعي الطبيعية، فضلا عن الثروة المائية لهذه الربوع والمقدرة بما يزيد عن 269 مليون متر مكعب دون اعتبار المياه المتاحة في عمق الصحراء، ومع ذلك فإنّ القطاع الفلاحي بهذه الربوع لا يزال يعاني العديد من المشاكل القديمة والمستجدة والتي يجب العمل على تجاوزها، وفق رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بقبلي الشمالية حكيم مرابط
ويبرز مرابط أنّ أهمّ هذه الإشكاليات تتمثّل في تراجع منسوب المائدة المائية، وتملّح التربة، فضلا عن تباعد الدورة المائية بالواحات القديمة وتأثير ذلك على جودة الانتاج، علاوة على تنامي الاصابة بالآفات خلال السنوات الاخيرة وخاصة منها عنكبوت الغبار، مما فاقم من مصاريف اقتناء الأدوية من أجل تأمين عملية مداواة الصابة والمحافظة على جودة التمور.
ودعا، في هذا الإطار، إلى ضرورة تضافر الجهود من أجل الدفاع عن حقوق فلاحي الجهة، والى مطالبة الدولة بالتدخّل لمساعدتهم في التصدي لهذه الافات التي طالت أيضا قطاع الزراعات الجيوحرارية الذي فقد اكثر من نصف مشاريعه بسبب تملح الآبار الجوفية الحارّة بكل من جمنة وقبلي ودوز.
وأشار إلى انه ورغم إنتاج الجهة لقرابة 80 بالمائة من المنتوج الوطني من دقلة النور الموجّهة للتصدير، والموفّرة لعائدات هامة من العملة الصعبة، الا ان القيمة المضافة لهذا المنتوج ومردوديته على هذه الربوع لا تزال دون المأمول في ظلّ محدودية عدد الشركات المختصة في تثمين هذا المنتوج وترويجه وتصديره بالجهة، حيث لا يتعدى عدد وحدات تكييف التمور المنتصبة بقبلي 28 وحدة، كما يعدّ المصدرون المباشرون للتمور من ولاية قبلي على اصابع اليد، وفق تعبيره.
وتمتد مشاكل القطاع الفلاحي، وفق ذات المصدر،لتشمل غلاء اليد العاملة وندرتها، علاوة على ارتفاع تكلفة الاسمدة والمواد الفلاحية والادوية، وتراجع دور الارشاد الفلاحي، علاوة على تضرر المربين من تتالي سنوات الجفاف وغلاء الاعلاف، والنقص الحاد في الكمية الموجهة للجهة من مادة السداري التي لا تتجاوز 16 الف طن سنويا. واعتبر أن القطاع الفلاحي يمثل العمود الفقري للتنمية بهذه الربوع، وهو ما يجب العمل على دعمه بمختلف السبل والتشريعات التي تضمن حماية المنتسبين لهذا القطاع وتعزّز دورهم في التنمية الجهوية والوطنية، وفق تصوّره.
من ناحيتهم، يرى أهالي الدائرة الانتخابية الفوار-رجيم معتوق أنه رغم تشابه الاشكاليات التي تعاني منها هاتان المعتمديتان اللّتان تستأثران بأكثر من 40 بالمائة من مساحة الولاية والأبعد جغرافيا على مركزها، مع الاشكاليات التي تعانيها بقية التجمعات السكانية بالدوائر الاخرى، الا انها تشكو من مشاكل أخرى أعمق نسبيا، حيث تعاني المنطقتان من معضلة زحف الرمال على الواحات وعلى التجمعات السكانية والطرقات، فقرى غيدمة والصابرية من معتمدية الفوار، والطريق الرابطة بين هذه المعتمدية ومعتمدية رجيم معتوق، تشهد تكدّسا متكرّرا للرمال أثناء هبوب الرياح القوية في فصل الربيع مما يتسبب في عزلتها احيانا، فضلا عن النقص الكبير في مرافق الترفيه والمؤسسات الشبابية والرياضية التي من شأنها استقطاب الشباب.
الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل، علي بوبكر، يؤكد بدوره أن الواقع التنموي بولاية قبلي يعتبر كارثيا، وهو ما تعكسه عديد المؤشرات وأهمها تذيّل الجهة لترتيب الولايات في جاذبية الاستثمار، حسب تقارير المعهد العربي لرؤساء المؤسسات لسنة 2018، فضلا عن احتلالها المرتبة 14 وطنيا في مؤشر التنمية الجهوية، والمرتبة الخامسة في النسبة العامة للبطالة، والثانية وطنيا في بطالة اصحاب الشهائد العليا، مع تذيّلها ترتيب ولايات الجنوب من حيث انتصاب الاستثمار الاجنبي بعد 2011 بصفر مستثمر الى حد الان.
وأضاف علي بوبكر أن مختلف مناطق الجهة تتشابه في الشكاليات التي تشمل كافة القطاعات تقريبا انطلاقا من معاناة الفلاحين من تفاقم تكلفة الانتاج، مرورا بتدهور البنية التحتية للكثير من المؤسسات التربوية، والنقص في مؤسسات التعليم العالي، وصولا الى تقادم اسطول وكالات النقل، وتدني الخدمات الطبية بسبب نقص طب الاختصاص، علاوة على اشكاليات البنية الأساسيّة لبعض الطرقات والتجمعات السكانية، وتأخر إنجاز بعض المشاريع العمومية الهامّة على غرار انجاز محطات انتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية والرياح، وتهيئة المناطق الصناعية المبرمجة، علاوة على ربط الجهة بالغاز الطبيعي.
وأشار الى أن أوكد المشاغل التي باتت تمثل أولوية لهذه الربوع تشمل بالاساس العمل على تسوية وضعية التوسعات الخاصة في القطاع الفلاحي، وتفعيل قرار إحداث ديوان وطني للتمور، مع إحداث معبر حدودي بمنطقة المطروحة من معتمدية رجيم معتوق لتعزيز التبادل التجاري مع الجزائر في اطار الخطة الوطنية لتنمية المناطق الحدودية، مع العمل على احداث منطقة للتبادل الحر على مستوى معتمدية رجيم معتوق وولاية الوادي الجزائرية.
ودعا الى ضرورة انجاز وصلة سريعة للطريق السيارة تربط بين ولايتي قبلي وقابس، مع العمل على تجاوز الاشكاليات التي تعيق انجاز بعض المشاريع ذات الاولوية، على غرار مشروع ربط الجهة بالغاز الطبيعي، وانجاز محطات انتاج الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية خاصة بجبل الطباقة، الى جانب احداث تمثيليات جهوية لبعض الادارات على غرار مندوبية جهوية للوكالة العقارية السياحية، مع تعزيز البنية التحتية للمؤسسات الجامعية من خلال بعث مؤسسة مختصة في الفلاحة الصحراوية.
وتتوسط ولاية قبلي إقليم الجنوب حيث تحدها شمالا ولايتا قفصة وتوزر وجنوبا ولاية تطاوين في حين تحدها من الشرق ولايتا قابس ومدنين ومن الغرب الجزائر، وتنقسم وفق المرسوم 55 من مجلة الانتخابات المؤرخ في 15 سبتمبر 2022، إلى 3 دوائر انتخابية هي دائرة قبلي سوق الاحد، ودائرة دوز، ودائرة الفوار رجيم معتوق، يتنافس المترشحون فيها للانتخابات التشريعية القادمة على مقعد واحدعن كل دائرة.