قدم المخرج فاضل الجزيري عمله المسرحي الجديد كاليغولا 2 بقاعة الفن الرابع بالعاصمةموفى الأسبوع الماضي. وهذه المسرحية من إنتاج المسرح الوطني التونسي وشركة الفيلم الجديد.
وتقمص أدوارها الفنان القدير محمد كوكة الذي عاد لاعتلاء الركح بعد غياب ناهز خمس سنوات، إلى جانب مجموعة من الممثلين من خريجي مدرسة الممثلوهم محمد بركاتي وطلال أيوب ونهى نفاتي ورحيم بحريني وإيمان مناعي وإشراق مطر وسليم الذيب.
وتدور أحداث هذا العمل حول ست شخصيات سابعهم شيخ ظلوا محاصرين في الحمام، بسبب غزارة الأمطلر الطوفانية في الخارج، فتندلع بينهم خصومة تتطور شيئا فشيئا إلى صراع ثم تنتهي بالقتل.
يحيل ديكور مسرحية كاليغولا 2 للمخرج فاضل الجزيري إلى العبق الصوفي والروحي الذي سيكتسيه العرض، وهو بذلك يعكس منزع المتصوفة الذي ينجذب إليه الجزيري والذي لا يعد حكرا على العرض الموسيقي الصوفي الفرجوي الحضرة.
يبدو اهتمام فاضل الجزيري بالجانب الفني للمسرحية جليا بقوة، فالفضاء مكسوّ كله باللون الأبيض للدلالة على الجانب الروحي للعمل. وأما المكان الحمام فله أيضا دلالاته ورمزيته بما هو فضاء للاغتسال والطهارة. وقد جرّد الجزيري شخصيات المسرحية من ملابسهم واكتفو بارتداء مناشف الاستحمام، وكأنه يجرّدهم من وحشيتهم ومن ماضيهم المدنس بالعنف والدماء ليحولهم إلى كائنات إنسانية تبحث عن معنى حقيقي في عالم الطهارة والخلود.
وحافظ المخرج على الأسماء الحقيقية نفسها لشخصيات المسرحية، وهو اختيار مقصود لإضفاء واقعية أكبر على العمل. وجعل الجزيري شخصيات كاليغولا 2 عينة من الشخصيات الموجودة في الحياة الواقعية كالصديق والعدو والحبيبة… وهي أيضا خليط من الصفات التي يتميز بها كل شخص مثل الصدق والكذب والحب والكراهية والسلام والعنف،وكأنه يسائل هذه الشخصيات ويغوص وراء المعنى الكامن في هذه الصفات باحثا عن ماهية
الإنسان الحقيقية.
وفي الجوانب الفنية الأخرى التي ميّزت هذا العمل المسرحي، اختار الجزيري البناء الكلاسيكي للعرض المسرحي، وهو البداية ثم تتطور الأحداث رويدا رويدا حتى تبلغ ذروتها.
وتنتهي بمشهد تراجيدي، وهذا البناء ارتكزت عليه مسرحية كاليغولا 2 التي بدا نسقها تصاعديا وصولا إلى الكارثة وهي القتل. وهذا الإيقاع التصاعدي للأحداث شد اهتمام الجمهور للعرض وجنّبه السقوط في الرتابة.
وبنى فاضل الجزيري كاليغولا 2 على مجموعة جملة من المفارقات، أهمها المفارقة في المكان، فهذا الحمام بما هو فضاء للطهارة يصبح مكانا مدنسا بالصراع والقتل والدماء، وكأن الجزيري أراد أن إبراز عبثية الحياة وأن رحلة الإنسان الوجودية التي يتخلص فيها من عذاب اللامعنى واللاقيمة واللاجدوى لهذه الحياة التي يعيشها هي رحلة تراجيدية نهايتها العدم.
ولذلك هو ينبّه في كاليغولا 2 التي اختار أن تكون لغتها اللهجة التونسية الدارجة، من مزيد تنامي ظواهر العنف والقتل ويحذر أيضا من الاستفراد بالسلطة ومن ظهور كاليغولا جديد شبيه بكاليغولا الإمبراطور الروماني الذي اعتبره المؤرخون أشهر طاغية على مر التاريخ.