انتقدت المنظمة الدولية “هيومن رايتس ووتش”، في تقريرها السنوي 2023 الذي نشرته اليوم الخميس ويغطي أحداث سنة 2022 في مائة دولة، إجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيد، محذرة مما وصفته بـ”التراجع الكبير في الحريات وتواصل الانتهاكات الحقوقية الجسيمة”.
وأبرزت “هيومن رايتس ووتش”، في تقريرها حول الحريات وحقوق الانسان في العالم، أن الانتهاكات في تونس شملت القيود على حرية التعبير والعنف ضد النساء والقيود التعسفية بموجب قانون حالة الطوارئ التونسي، معتبرة أن ما وصفته بـ”استحواذ” الرئيس قيس سعيّد على السلطة في جويلية 2021 أضعف المؤسسات الحكومية المصمَّمة لتشكل ضوابط على السلطات الرئاسية وأعاق التحول الديمقراطي في البلاد.
ويدافع الرئيس قيس سعيد عن الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها منذ 25 جويلية 2021، حيث ما فتئ يؤكد أن الهدف منها “حماية الديمقراطية في تونس عبر إصلاحات دستورية وقانونية ضرورية”، ويعبر عن “الحرص على ضمان حرية التعبير والصحافة وحق التظاهر”.
وقالت المنظمة إن “سعيّد استخدم الاجراءات لتوطيد حكمه في 2022 من خلال إدخال سلسلة من الإصلاحات الرجعية وتقويض استقلال القضاء”.
وأوضحت المنظمة أن السلطات اتخذت مجموعة من “الإجراءات القمعية” ضد المعارضين والمنتقدين والشخصيات السياسية، بما يشمل إجبارهم على عدم تغيير إقامتهم، وإخضاعهم لمنع السفر ومحاكمتهم أحيانا في محاكم عسكرية، لانتقادهم العلني للرئيس أو القوات الأمنية أو مسؤولين آخرين.
وأضافت، في تقريرها، أن خارطة الطريق السياسية التي أعلن سعيد عنها تواصلت سنة 2022 بإجراء استفتاء دستوري وانتخابات تشريعية مبكرة، “إلا أن عملية الإصلاح الدستوري كانت غير شفافة وقاطعها جزء كبير من المعارضة والمجتمع المدني، ومنح الدستور الجديد، الذي نال الموافقة، الرئيس سلطات شبه مطلقة دون حماية قوية لحقوق الإنسان”.
كما اعتبرت المنظمة أن حل سعيد “المجلس الأعلى للقضاء”، في فيفرى 2022 وإصدار مرسوم في 1 جوان 2022 ، منحه سلطة عزل القضاة بإجراءات موجزة وأقال بموجبه 57 قاضيا بتهمة الفساد وعرقلة التحقيقات قوض استقلالية السلطة القضائية، لافتة الى أن المحكمة الإدارية علقت قرار العزل إلا أن السلطات لم تنفذه .
كما بينت أن رئيس الجمهورية فكك عددا من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك هيئة الانتخابات المستقلة (“الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”) التي أعاد هيكلتها ثلاثة أشهر فقط قبل الاستفتاء، مشيرة الى أن سعيّد أصدر مرسوما في أفريل غيّر بموجبه تركيبة الهيئة ومنح لنفسه صلاحية التدخل في تسمية كل أعضائها.
وأضافت أنه قبل الانتخابات التشريعية بثلاثة أشهر، عدّل سعيّد القانون الانتخابي دون أية مشاورات أو نقاشات عامة، وقلّص “المرسوم عدد 55-2022″، الصادر في 15 سبتمبر، عدد أعضاء البرلمان من 217 إلى 161، وسمح للمقترعين بالتصويت على المترشحين الأفراد بدلا من القوائم الحزبية، وهو تغيير يهدف إلى تقليص تأثير الأحزاب السياسية، بحسب مراقبين. كما ألغى القانون الجديد أيضا مبدأ التناصف الجندري لضمان مشاركة متساوية للمرأة.
كما أشارت الى التراجع الكبير عن الحريات خاصة حرية التعبير والصحافة، حيث عمدت السلطات إلى مضايقة واعتقال ومحاكمة النشطاء والمعارضين السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهم تتعلق بالتعبير، بما في ذلك انتقاد الرئيس سعيّد وقوات الأمن والجيش، محذرة من خطورة المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال على تقييد حريّة التعبير والصحافة والحق في الخصوصية.
ونبهت المنظمة الى منع قوات الأمن بشكل متكرر للمظاهرات من خلال منع الوصول إلى أماكن معيّنة، واستخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، الى جانب فرض العشرات من قرارات حظر السفر التعسفي دون إشراف قضائي، مما قيّد حرية تنقل الناس.
كما تطرقت المنظمة الى حقوق المرأة، واعتبرت أن الرئيس سعيّد لم يفعل شيئا يُذكر للنهوض بحقوق المرأة، رغم أنّ تعيينه لنجلاء بودن كرئيسة حكومة في 2021 يُعتبر سابقة في شمال أفريقيا، “إلا أنه لم يمنحها أية استقلالية سياسية تُذكر”، وفق تقديرها.
وقالت إن حلّ البرلمان تسبب في عدم مناقشة أو اعتماد أي تشريع من شأنه تعزيز حقوق المرأة، مشيرة إلى وجود قصور في تطبيق قانون مكافحة العنف ضدّ المرأة الصادر سنة 2017، لا سيما في الطريقة التي تعالج بها الشرطة والسلطة القضائية شكاوى العنف الأسري علاوة على نقص التمويل الحكومي لإنفاذ القانون.
وأبرزت أن الفصل الخامس من الدستور، الذي ينص على “تونس جزء من الأمة الإسلامية” وأنّ الدولة مسؤولة على تحقيق مقاصد الإسلام”، قد يُستخدم لتبرير فرض قيود على الحقوق، وخاصة حقوق المرأة، بناءً على تأويلات الشريعة، كما فعلت دول أخرى في المنطقة.