ينتظر حوالي 31 ألف طفل من فاقدي السند والمعرضين للخطر دورهم للالتحاق باحدى قرى الاطفال “أس أو أس” رقم مفزع على قائمة الانتظار جعل الجمعية التونسية لقرى الأطفال تدق ناقوس الخطر وتدعو مكونات المجتمع المدني والدولة إلى معاضدة جهودها وتعزيز مواردها وإنقاذ الطفولة المهددة في تونس.
مواصلة نشاط القرى يتطلب دعما ماديا وتدخلا عاجلا لإعادة بناء قرية سليانة الآيلة للسقوط
وخلال قافلة إعلامية نظمتها الجمعية لفائدة عدد من الصحافيين، وجابت 4 قرى بكل من قمرت بالضاحية الشمالية لتونس مرورا بقريتي سليانة وأكودة (سوسة) وصولا إلى قرية محرس بولاية صفاقس، شدد رئيس الجمعية محمد مقديش، أن قرى الاطفال أس أو أس، تطلب دعما ماديا عاجلا بقيمة 6 مليون دينار حتى لا تُغلق أبوابها وتبقى في خدمة الأطفال.
وبين ان هذه الموارد ضرورية حتى تكون الجمعية قادرة على تنفيذ مشاريعها وخاصة مشروع إعادة بناء قرية سليانة مشيرا الى ان قرى “أس أو أس” تضطلع بمهام نبيلة وطنية وإنسانية وتحاول إيواء والتكفل بأكثر عدد ممكن من الأطفال بميزانية قدرت ب13 مليون دينار بالنسبة لسنة 2023.
وتتطلب قرية سليانة حسب ما عاينه الصحفيين ضمن القافلة الإعلامية، صيانة عاجلة وإعادة بناء، حيث كانت أغلب جدران المنازل متشققة وغير مؤهلة للسكن والاحتماء من برودة طقس الجهة في فصل الشتاء. وتعتبر وضعية هذه القرية، التي تأسست منذ قرابة 50 سنة، كارثية على مستوى البنية التحتية مقارنة بقرى قمرت وأكودة ومحرس.
ودعا مقديش إلى ضرورة “دعم الجمعية ومعاضدة جهودها لإنقاذ أطفالنا من التشرد والضياع”، مبرزا أن الدولة ستتكفل بدعم الجمعية بقرابة 2.5 مليون دينار سنويا خلال السنوات الثلاث القادمة (7.5 مليون دينار).
اما بقية الموارد فسيتم تامينها من دعم رجال الأعمال وحملات التبرع المتواصلة من المجتمع المدني، حسب مقديش الذي اكد أن الجمعية تطمح إلى التعويل على نفسها من خلال خلق مشاريع خاصة بها داخل القرى على غرار إنشاء ملاعب معشبة وأندية رياضية وثقافية بهدف إدماج أطفال القرى بهذه الطريقة مع أقرانهم من جهة وضمان موارد مالية من جهة أخرى.
واعتبر ان إعلاء مصلحة الطفل الفضلى هي مسؤولية مشتركة تتحملها الأسرة والدولة بدرجة أولى والمجتمع المدني بدرجة ثانية ويكفلها القانون والمعاهدات الدولية حيث ينص الدستور التونسي النص الأعلى في منظومة النصوص القانونية في الفصل الثاني والخمسين على أن “حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة، والرعاية، والتربية، والتعليم. وعلى الدولة أيضا توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز وفق المصالح الفضلى للطفل.”
منازل مستقلة في قرى “أس أو أس” تحاول بناء أسرة وأجواء عائلية لكل طفل فاقد للسند
تستقبل هذه القرى بمختلف فروعها الأربعة، أطفال أقل من 6 سنوات وتتكفل بهم (رعاية وإحاطة) إلى غاية سن 14 وتواصل رعايتهم إثر تجاوزهم هذه السن بتوفير مبيتات خاصة لهم سواء كان ذلك داخل القرية بالنسبة للإناث أو خارجها بالنسبة للذكور تحت إشراف مربين ومربيات إلى حد بلوغ سن 18 ثم تمكينهم من منحة شهرية بقيمة 400 دينار وكراء منازل خاصة لهم إلى غاية تمكينهم من استقلالهم المادي.
وتضم كل قرية مجموعة من المنازل المستقلة تشرف عليها “أم” وهي مهنة موجهة للنساء اللاتي يتم اختيارهن ضمن عرض عمل وتتمثل مهمتها في التفرغ الكلي لرعاية قرابة 6 أو 5 أطفال في كل منزل إلى غاية سن التقاعد ولديها إجازة بأسبوع كل شهر وتُعوضها “خالة بديلة” وتتردد الخالة بين منازل القرية وتساعد الام في أداء واجباتها، وذلك بهدف توفير “أسرة” للطفل فاقد السند بالرغم من اقتصار هذه الأسرة على “إخوة” و”أم” وغياب “الأب”.
في القرية الأطفال كلهم إخوة وأخوات يتربون على قيم المحبة والتآزر والتعاون لا يتهاونون في تقديم يد المساعدة لبعضهم البعض في أوقات الشدة حسب ما عبر عنه مدير قرية “أس أو أس” قمرت، خليل خليل.
بدت الأجواء في هذه القرية كغيرها من القرى الأخرى حميمية وعائلية تعكس مجهودات المسؤولين والمربين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في خلق فضاء متوازن للأطفال وضمان حقوقهم.
برنامج الدعم الأسري، سياسة استراتيجية تطمح إلى دعم استقلالية العائلات المعوزة ووقاية الأطفال من التخلي والتشرد
وبالإضافة إلى تكفلها بالأطفال داخل القرى، تدعم جمعية قرى “أس أو أس” ، العائلات المعوزة التي ُتهدد بإهمال أطفالها لعدم قدرتها على كفالتهم، وذلك من خلال برنامج الدعم الأسري في محاولة لضمان استقرار الأسر التونسية ونشأة الطفل داخل أسرته البيولوجية.
وكان التقرير السنوي حول “حماية الطفولة المهددة والطفولة في خلاف مع القانون” لسنتي 2020-2021 قد أبرز أن أهم مصدر للتهديد بالنسبة للاطفال هو المنزل والوسط العائلي حيث يفوق العدد ألف إشعار سنة 2021 وأكثر من 9 آلاف إشعار سنة 2020 لتبلغ النسبة من مجموع الإشعارات حوالي 60 بالمائة أما مكان التهديد الثاني هو الشارع بنسبة 19 بالمائة سنة 2020 و 20 بالمائة عام 2021.
أوضح المنسق الوطني بالمكتب الوطني للجمعية رشاد الخبور، أن برنامج الدعم الأسري، انطلق منذ سنة 2006 بهدف تقديم دعم مادي للعائلات الهشة على امتداد 4 سنوات والعمل على خلق مشاريع على المدى القريب والمتوسط لهذه العائلات وتمكينها من الاستقلال المادي.
ويبلغ العدد الجملي للأطفال المتعهّد بهم بقرى “أس أو أس” بنظام الإقامة الكاملة قرابة 276 طفلا في حين تسدي الجمعية خدمات تعهّد وإعاشة لأكثر من ألفي طفل ضمن الوسط الطبيعي وداخل أسرهم في إطار برنامج دعم الأسر.
كما تسعى قرى “أس أو أس” إلى إعادة الطفل إلى أسرته البيولوجية إذا ما توفرت فيها الشروط اللازمة وذلك بعد إحاطته نفسيا والتنسيق مع مندوب حماية الطفولة وقاضي الأسرة وفي حال عدم نجاح الطفل في اندماجه مع أسرته البيولوجية يعود إلى القرية المكان الذي ترعرع فيه ويبقى دائما تحت مسؤولية الجمعية إلى أن يتمتع بالاستقلالية المادية.
والملاحظ ان منظمة قرى الاطفال الدولية أس أو أس قد تأسست عام 1949، وهي منظمة اجتماعية مستقلة غير ربحية وغير حكومية. وتعمل في تونس منذ عام 1984 في مجال التنمية الاجتماعية للأطفال فاقدي السند العائلي والمحرومين، حيث ترعاهم رعاية تامة وشاملة وإتباع المنهج العائلي الطويل الأمد.
وتستقبل الجمعية التونسية لقرى الأطفال “أس أو أس”، الأطفال المهددين من بينهم الذين لم يجدوا سندا عائليا أو ولدوا خارج إطار الزواج.