تحادث رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، صباح اليوم الأحد بقصر قرطاج، مع كل من أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وجورجيا ميلوني، رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية، ومارك روته، الوزير الأول الهولندي.
وقال رئيس الجمهورية، خلال هذا اللقاء، بخصوص المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، “إن الحلول لا يمكن أن تكون في شكل إملاءات وأن الحلول التقليدية لن تؤدي إلا إلى مزيد تأزيم الأوضاع الاجتماعية وستعود بالضرر على تونس وعلى المنطقة كلها”، مضيفا قوله “على صندوق النقد الدولي مراجعة وصفاته وبعدها يمكن التوصّل إلى حلّ”.
ودعا إلى العمل المشترك “من أجل قلب الساعة الرملية، فلا تُسقط علينا شروط أو إملاءات، بل يُصغي إلينا من سيمنحنا قرضا لن يجني منه التونسيون سوى مزيد الفقر”.
وأشار من جهة أخرى إلى وجود “جملة من القضايا التي لا يمكن حلّها، إلا بصفة مشتركة تضمن مصالح الجميع”، قائلا: “يجمعنا تاريخ مشترك وحاضر مشترك ومستقبل مشترك”. كما دعا إلى “العمل اليد في اليد والندّ للند،ّ حتى يكون مستقبلنا أفضل من تاريخنا وأشرق من حاضرنا”، وفق ما جاء في بلاغ لمؤسسة الرئاسة.
كما شدّد سعيّد على أنه “إذا كانت تونس تعيش أوضاعا مالية واقتصادية واجتماعية صعبة، فأغلبية التونسيات والتونسيين هم ضحايا سياسات سابقة، لا في الداخل فقط ولكن أيضا في الخارج”، ملاحظا أن “الشعب التونسي الذي ثار في أواخر 2010 ضد الاستبداد والفساد، لن يتخلى عن مطالبه المشروعة في الحرية وحقه المشروع في الشغل وفي الكرامة الوطنية”.
وبعد أن بيّن أن “الحرية ليست حرية شكلية يتخفى وراءها المفسدون وليست نصا في الدستور أو في عدد من النصوص القانونية الأخرى، بل هي ممارسة حقيقية مادية في أرض الواقع”، أوضح رئيس الدولة أن “الحرية التي كانت في الظاهر قائمة، كانت استبدادا وانحرافا بالثورة، استبدادا مقنّعا يلتحف جبّة الحرية الشكلية، وأن العدل المنشود لم يتحقق منه شيئا بل زادت الأوضاع تفاقما”.
وقال إن “مليارات المليارات تم تهريبها للخارج ولم تسترجع تونس أموالها المنهوبة، قبل 2011 أو إثرها، هذا إلى جانب عديد القروض التي تم تحويل وجهتها والاستيلاء عليها والعالم كله يعرف هذا الوضع”، داعيا إلى “تحويل القروض إلى استثمارات يستفيد منها الشعب التونسي والمستثمرون”.
وأكّد الرئيس من جديد على أنه “لا يمكن إيجاد حلول للوضع في تونس، إلا انطلاقا من إرادة الشعب وحده، فتونس ليست ملفا دوليا، بل هي قضية وطنية خالصة وأي حلّ يجب أن يكون على أساس هذه القاعدة مع الشركاء”.
وبخصوص ملف “الهجرة غير الإنسانية”، حسب ما جاء في البلاغ ذاته، دعا رئيس الجمهورية إلى “مقاربة هذه الظاهرة، مقاربة واقعية وجماعية”، ملاحظا أن القرائن التي تدلّ على أنها ظاهرة غير طبيعية، كثيرة”. وتساءل في هذا الصدد عن كيفية وصول “هؤلاء البؤساء” إلى تونس، “بعد أن قطعوا آلاف الكيلومترات على الأقدام”.
وأوضح أن “قيمنا تقتضي أن نعامل المهاجرين غير النظاميين، معاملة إنسانية وهو ما يحصل في كل مكان، حيث توجد تجمعات هؤلاء المهاجرين”، معتبرا أن تونس “لم تعد نقطة عبور، بل تحوّلت إلى مكان للإقامة”. وقال “يجب أن تكون هذه الإقامة قانونية وأن يحترم الجميع تونس وتشريعها”.
وأشار إلى أن “الحلّ الذي يدعو إليه البعض، في الخفاء، إلى توطين هؤلاء المهاجرين مقابل مبالغ مالية، حل لا هو إنساني ولا هو مقبول، فضلا عن أن الحلول الأمنية أثبتت قصورها، بل زادت من معاناة ضحايا الفقر والحروب”، موضّحا بقوله: “لو تم توفير الحدّ الأدنى من مقومات العيش الكريم لهؤلاء الضحايا، الذين تتقاذف أجسامهم أمواج البحر ورمال الصحراء، لما كانوا لقمة سائغة للشبكات الإجرامية التي تتاجر بالأجساد والأعضاء، سواء في جنوب المتوسط أو شماله”.
كما تطرق رئيس الدولة خلال هذا اللقاء الذي حضره عدد من أعضاء الحكومة، إلى ملف الاستثمارات الأوروبية في تونس، إذ اعتبر أن “الطريق إلى تحقيقها واضح وهي الاستقرار السياسي والعدل الاجتماعي والقضاء على الفساد، لأن خلق الثروة والتنافس النزيه، يقتضي القضاء على شبكات الفساد وعلى اللوبيات التي تريد أن تستأثر بكل شيء”، ملاحظا أن أي مستثمر لن يقدم على الاستثمار، إن لم يكن آمنا على مشروعه وإن لم يحقق ما يود إنجازه في وقت قصير وإذا لجأ إلى القضاء فيعلم أنه سينصفه بسرعة”.
وبعد أ، ذكّر بأن “العالم كلّه دخل مرحلة جديدة في التاريخ”، قال الرئيس قيس سعيّد: “الجذب إلى الوراء أو إسناد قرض، لا يتجاوز مبلغ تحصل عليه أحد اللاعبين المحترفين إلا بقليل، لن يبني مستقبلا يقوم على العدل والحرية وهو مستقبل تتطلع إليه الإنسانية جمعاء”.