بيّنت منظّمة “آلارت” أنّ فقدان الخبز يفسر بعوامل ظرفية وهيكلية، ازدادت حدّتها بالأساس بسبب تراجع الدعم، وذلك إلى جانب ضعف العرض وعدم الترفيع في الأسعار كنتيجة منهج إرادي متبع، في هذا الإطار.
وأبرزت منظمة “آلارت” في مذكرة أصدرتها الجمعة 28 جويلية 2023، أنّ قيمة نفقات دعم المواد الأساسية انخفضت بنسبة 90 بالمائة خلال الثلاثي الأول بين سنتي 2022 و2023، حيث مرت من 400 مليون دينار، ما يعادل 30.7 بالمائة من النفقات الاجمالية للدعم، إلى 42.9 مليون دينار، أي 3.4 بالمائة فقط من اجمالي الدعم، وذلك بالتزامن مع عدم سداد مستحقات الدعم منذ 12 شهرا مما أثقل ديون ديوان الحبوب الذي أصبح عاجزا عن توفير حاجيات السوق.
وأوضحت المذكرة من جانب اخر، ان الاشكالات التي يعرفها قطاع صنع الخبز وترويجه على مستوى توزيع الحصص، ساهمت في ندرة المنتوج تبعا لاختلال توزيع القمح بين المطاحن بسبب هيمنة غرفة المطاحن التابعة لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، على ديوان الحبوب.
كما ساهمت، وفقا لتقدير “آلارت”، ممارسات المخابز “غير المصنّفة” في انخفاض العرض ممّا ولّد ضغطا جديدا على السوق وطوابير أطول أمام بعض المخابز وهو اجراء يخدم مصالح المخابز المنتفعة بالرّخص.
وتابعت المنظمة، التي تنشط في مجال مكافحة ممارسة اقتصاد الريع، مشيرة الى ان المشاكل الهيكلية في أزمة الخبز تكمن في مستويين اثنين، يتعلق الأوّل بالإنتاج المحلي للحبوب والثاني بتوزيع الحصص على المتدخلين. علما أنّه في أحسن الأوضاع المناخية لم يكن الإنتاج المحلّي قادرا على تغطية الحاجيات السنوية من الحبوب بسبب إهمال القطاع الفلاحي، خاصة الزراعات الكبرى، وبسبب تسعيرة الشراء المتدنية من المنتجين ففي أعلى المواسم من حيث الانتاج لم يتمكن القطاع من انتاج أكثر من 55 بالمائة من الحاجيات الوطنية من القمح الصلب و0.3 بالمائة من الحاجيات من القمح اللين.
وبيّنت الوثيقة ذاتها، وجود نفس هذا الاختلال في توزيع مادة “الفارينة” المدعمة على مختلف المخابز المصنّفة، إذ تهيمن أقلية من أصحاب المخابز على أهم الكميات الموزعة فتكون حصة أغلبية بقية المخابز في حدود 118 قنطارا شهريا، أي ما يعادل 4.5 أكياس يوميا، فتلتجأ تلك المخابز إلى استعمال مادة السميد و”الفارينة” لتغطية الطلب على الخبز.
وتعكّرت هذه الوضعية الهيكلية بأسباب ظرفية سرّعت في ارباك منظومة الخبز اذ شهد القطاع اضطرابات كبيرة على مستوى استيراد مادة القمح الصلب، التي انخفضت بنسبة 30 بالمائة خلال الاشهر الخمسة الأولى من سنة 2023 مقارنة بالسنة الفارطة، جرّاء شحّ السّيولة وعجز ديوان الحبوب على تمويل حاجيات السوق.
وأفادت مذكرة المنظمة، ان هذا النقص على مستوى القمح الصلب نتج عنه ضغط كبير على مادة السميد، التي ادت بدورها الى ارتفاع الطلب على مادة “الفارينة”، ما انجر عنه فقدان الخبز المدعم وذلك في ظل مساهمة الأوضاع المناخية التي شهدها موسم 2023 من جفاف وأمطار متأخرة، على كمية وجودة انتاج القمح الصلب الذي بلغ 2,3 مليون قنطار أي ما يعادل 19 بالمائة من حاجيات السوق. وقد شهد المنتجون صعوبات في عملية جمع الإنتاج أمام ترددهم خوفا على فقدانهم لبذور الموسم المقبل.
من جهة أخرى، ساهم الترفيع في سعر قنطار السميد من 38 دينارا إلى 59 دينارا في تسجيل صعوبة لدى أغلبية المخابز المصنّفة وغير المصنّفة في توفير خبزة “الباقات” بسعر 190 مليما، ما افضى بدوره إلى فقدانها، حسب “آلارت” .
يذكر أنّ وزير الدّاخلية، كمال الفقـي، ووزيرة التّجارة وتنمية الصّادرات، كلثوم بن رجب القزاح، كانا قد اشرفا السبت 29 جويلية الجاري على جلسة عمل خصصت لإعداد خطة عمل مُشتركة بين الوزارتين وذلك لمراقبة المخابز والمطاحن ومسالك التوزيع.
وتدارست الجلسة مختلف أسباب الاضطراب الحاصل في مادّة الخبز وبعض الموادّ الغذائيّة، كما تمّ الاتفاق على إحداث فرق عمل مُشتركة ميدانيّة تقومُ بحملات مُراقبة فُجئيّة على جميع المُتداخلين في هذا الملفّ على المُستوى المركزي والجهوي وإحداث قاعة عمليّات مُشتركة للمُتابعة الحينيّة، حسب بلاغ صدر للغرض
وقد أكّد الوزيران ضرورة مزيد التنسيق خلال هذه الفترة وتوفير جميع الإمكانيّات المادية والبشريّة ومُساندة الأعوان في القيام بمهامّهم مُشدّدين على التصدّي لكلّ ما من شأنه المساس بالأمن الغذائي للبلاد.