ترجم العرض الافريقي للثنائي “يامي آلادي” و”تيكن جاه فاكولي” انفتاح تونس على الثقافات الأخرى والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع التونسي والمجتمع الافريقي، فتونس التي أعطت اسمها القديم (افريقية) لهذه القارة هي دولة تجمع ولا تفرق وتظل بحاضرها ومستقبلها وفية لمميزاتها الحضارية كأرض لتلاقح الحضارات والتسامح بين الشعوب، وما هذا الحفل الافريقي الحامل لرسائل الحرية والسلام إلا دليل على انفتاح تونس وقبولها للآخر المختلف دينا ولونا وعرقا وثقافة.
وكانت سهرة الفنانة النيجرية “يامي آلادي” والفنان الإيفواري “تيكن جاه فاكولي”، الليلة الماضية (15 أوت) ضمن برمجة الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي، افريقية خالصة ومميّزة بإيقاعات الريغي والجاز والأفروبوب. وجاد خلالها المغنيان على جمهور قرطاج بأغاني الحرية والحب والسلام، في سهرة سجّلت حضور وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي ووزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمّار، إلى جانب مئات الأفارقة المقيمين بتونس وعدد كبير من التونسيين عشاق هذه الأنماط الموسيقية الافريقية.
وبدت إطلالة “يامي آلادي” على جمهور قرطاج مثيرة وحماسية وهي بزيّها الأزرق، بما يحمله هذا اللون من دلالات عديدة المعاني منها الروحانية والصفاء والتناغم والهدوء، ولكنها في المقابل حوّلت المسرح إلى اهتزازت على إيقاعات موسيقاها المستمدة من العمق الافريقي للقارة مثل “Tumbum” و “Africa” و”Mama” وهي أغانٍ تبرز تعلّق المجتمعات الافريقية الشديد بهويتها وإيمانها بالحرية.
كما تصوّر مقاطع الموسيقى جانبا من العادات والتقاليد لدى شعوب القارة كحفلات الأعراس والمناسبات الدينية وغيرها، وهو ما يتجلّى في طابعها الاحتفالي في ظاهرها، أما في مقاصدها فهناك دلالات عديدة منها الحب والسلام والحرية والتعلّق بالأرض.
و”يامي ألادي” هي مغنية ومؤلفة أغاني نيجيرية أطلق عليها معجبوها لقب “ماما أفريكا” لحبها لوطنها الأم نيجيريا. وقد جادت على جمهورها بالعديد من الأغاني الإيقاعية والاحتفالية. وتميّز أداؤها بحضور ركحي متفرّد وأنيق على خشبة المسرح، فلم تهدأ ولم يفتر حماسها طيلة العرض، بل ظلّت مشدودة إلى حماس الجمهور الراقص على إيقاعات موسيقاها التي نالت من خلالها لقب نجمة الأفروبوب الأولى على الصعيد الافريقي.
وعبّرت “آلادي” في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء عن فخرها واعتزازها الكبيريْن بالغناء على مسرح قرطاج العريق وإعجابها الشديد بالطاقة الإيجابية التي بدا عليها الجمهور التونسي والافريقي وهو ما زادها حماسا على الركح. وأكدت أن رسالتها الموسيقية الموجهة للعالم تتضمّن دعوات لإحلال السلام ونشر قيم الحب والعدالة والانتصار للذات الإنسانية.
ولم ينتظر الجمهور طويلا، حتى أطلّ الفنان الإيفواري “تيكن جاه فاكولي” بزيّه الافريقي حاملا عصا الحكمة والمعرفة، ترافقه مجموعة موسيقية يرتدي أفرادها أزياءً عسكرية وسلاحهم آلاتهم الموسيقية وهم عازمون على الالتزام بالدفاع عن شعوب القارة الافريقية وقضاياهم.
وهذا المغني الذي عُرف عنه شراسته واستماتته في الدفاع عن وحدة افريقيا وحق شعوبها في الخروج من الفقر والتحرر من السياسات التي تبقيها في تبعية للدول الغربية، عمّت موسيقاه أرجاء المسرح الروماني بقرطاج، لا سيّما موسيقى الريغي وإيقاعاتها الثائرة وفي معركته للدفاع عن الحرية والعدالة الإنسانية.
وتواصل الحفل إلى حدود الساعة الواحدة ليلا، ارتدى خلاله “تيكن” في موسيقاه سترة المحارب عن قضايا البيئة والمناخ، فحمّل أغانيه رسائل حول المناخ والجفاف والفيضانات والمجاعات والهجرة وهي من القضايا التي تهدد سكان القارة الافريقية.
وقال مخاطبا الجمهور على الركح بين فينة وأخرى إن افريقيا التي تناضل من أجل الحرية ستحقق ذلك يوما ما، مرددا بحماس أن “افريقيا هي المستقبل”.