عم الفرح كامل ارجاء جزيرة جربة، مساء امس الاثنين، بعد تلقى خبر ادراجها ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو في اعتراف دولي باهميتها الانسانية والثقافية، وقيمتها المتميزة والاستثنائية، لتنطلق الفرحة من مقر جمعية “صيانة جزيرة جربة”، التي طالما احتوت هذا الملف، وجعلته اولويتها لتتسع اجواء الفرح وسط مدينة حومة السوق في هبة تلقائية جاءت وليدة اللحظة خرج فيها شباب رقصوا وغنوا من تراث جربة الموسيقي .
تجمع اعضاء جمعية “صيانة جزيرة جربة”، يترقبون بانتباه اطوار جلسة مناقشة ملف الجزيرة بعاصمة المملكة العربية السعودية الرياض، خلال الدورة 45 لاجتماع لجنة التراث العالمي، وخيم الصمت في مقر الجمعية، لتقطعه صيحات الانتصار والنجاح باعلان القرار، وتحولت معه قاعة اجتماعات الجمعية، الى فضاء لتبادل التهاني وللهتافات بعد جهد طويل وكبير لمسار دام سنوات من البحث والاعداد.
قالت رئيسة جمعية “صيانة جزيرة جربة” خولة القاضي، ان الاجتماع بمقر الجمعية لانتظار القرار كان امرا بديهيا، فهو حدث لطالما انتظر الجميع موعده بشغف، فقد تابعوا تقديمه ومناقشته الى حين قبوله والاعتراف بجربة ضمن قائمة التراث العالمي.
واضافت القاضي، التى لم تستطع اخفاء دموع الفرح “كان حملا ثقيلا انزاح ومسؤولية كبيرة تمت بنجاح، واليوم وبعد تحقق الادراج بنجاح، المطلوب العمل لاقناع من منحنا الثقة بضرورة المحافظة على تفرد هذه الجزيرة واختلافها عن غيرها من مناطق العالم وعلى تراث مهم تركه الاسلاف”، واكدت ضرورة “تثمين هذا التراث والمحافظة عليه وتطويره لمجابهة المخاطر التي طرحتها التغيرات المناخية خاصة امام ثراء هذا الارث بعدة اليات وطرق اثبتت نجاعة وقدرة السكان على مجابهة المخاطر”.
وبينت ان العمل شارك فيه الجميع (مواطنون وهياكل دولة) وسيواصلون العمل على جميع الاصعدة، ليكونوا على حجم مستوى هذه اللحظة التي شرفت تونس واعادت تواجدها ضمن التراث العالمي بعد اكثر من 20 سنة لم يسجل بها اي موقع.
جاء تسجيل جزيرة جربة نهائيا على قائمة التراث العالمي، تتويجا لعمل سنوات تعاقب فيها مسؤولون، تفاوتت معهم درجة الاهتمام بالملف، الذي كان مطلبا ملحا تبنته جمعية “صيانة جزيرة جربة” منذ سنة 1994، مع ثلة من المؤسسين والمثقفين، ودافعت عليه لعقود الى ان ادرج ضمن القائمة التوجيهية لليونسكو سنة 2012 ، وفق الممثل عن جمعية الصيانة مهدي الواتي .
واضاف الواتي ان ملف جزيرة جربة تميز بتمسك المجتمع المدني به على امتداد فترة تعاقب فيها 7 وزراء ثقافة، ووضع متغير للبلاد، لياخذ الملف نسقا اكثر فعالية وجهدا سنة 2017 مع بداية التشاور حول محاور الادراج ورقنه ثم ايداعه في مرة اولى سنة 2020 ثم في نسخته الثانية سنة 2022، بعد اجراء تعديلات طلبتها لجنة خبراء اليونسكو.
واعتبر مهدي ان فترة اعداد ملف الادراج والعمل عليه كان بمثابة “مغامرة وتجربة ممتعة” بكل ما احتوته واعترضتها من ردهات، لياتي هذا الاعتراف دافعا للجزيرة سيعرف بها اكثر، ويدعم صورتها في الخارج، ويقود نحو توظيف افضل للتراث، مضيفا ان المسؤولية مشتركة في المحافظة على ما تركته الاجيال السابقة، حتى يكون الجميع في مستوى تاريخ الجزيرة وفي حجم هذا الحدث المهم عالميا.
من جهته، ابرز احد اعضاء لجنة القيادة الفنية لملف الادراج انور بن معيز، ان جزيرة جربة فريدة في استغلالها للمجال وتوظيفه في تصالح وانسجام كرسته الهندسة والتخطيط العمراني الجزيري، في مجال تميز بندرة الموارد المائية وبعدم الاستقرار الامني، لتستنبط المجتمعات المختلفة الثقافات والديانات التي تواجدت وتعايشت بسلام داخل الجزيرة، طريقة متفردة في استغلال المجال واعماره .
وذكر ان ملف ادراج جزيرة جربة الذي اخذ عنوان “جربة شاهد على نمط اعمار في مجال ترابي جزيري”، يصنف ضمن الممتلكات المتسلسلة، يتكون من وحدات سكنية ترتكز على منظومة “الحومة” والمنزل ومن عدة مواقع من تملال الى خزرون وصدغيان ومجماج، منها موقعين حضريين هما حومة السوق والرياض وعديد المعالم من مساجد وكنيسة ارثودكسية ومعبد الغريبة اليهودي .
وشدد على اهمية استغلال المجال في الجزيرة وتفرده من خلال توزيع “الحومة” والعلاقة بين “الحومة” والشاطئ و”الحومة” والغابة وعلاقة متساكني الجزيرة بجزيرتهم وكيفية الدفاع عنها عبر المعالم الشاطئية والمنازل وطريقة الري والصيد والمحافظة على الطبيعة، واكد ان تسجيل كل هذه المواقع والمعالم حماية لها، والمحافظة عليها حفاظ على الذاكرة الجماعية وضمان تناقلها عبر الاجيال .
وشدد بدوره فرحات بن تنفوس (ممثل عن الجمعية)، ان ادراج الجزيرة يعتبر “مكسبا سينمي الجزيرة” مع المحافظة على تراثها وتاريخها، لتبقى للاجيال المقبلة، كما سيمكن من الاستغلال الامثل للتراث، واعتبر ان الاعتراف بالقيمة المتفردة للجزيرة سيساهم في تنويع المنتوج السياحي وتغيير صورة هذه الوجهة السياحة واستقطاب نوعية اخرى من السياح، تبحث على ان تعيش التاريخ، واشار ايضا الى الفائدة الاقتصادية لهذا التسجيل سواء لسياحة نوعية ثقافية او لصناعات ثقافية جديدة بالاستثمار في هذا الموروث الثقافي الثري والخصب.
تحقق حلم ابناء جزيرة جربة بادراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو قناعة من ان لهذه الجزيرة ما يميزها ولها من الخصوصيات ما يفردها وتبقى الطموحات كبيرة بان يحسن استثمار هذا الممتلك الثقافي ذو القيمة الاستثنائية وتثمينه بما يخدم مسار التنمية بالجزيرة ويدعم مقومات حياة افضل تحترم البيئة وتحافظ على ما تركه الاجداد.
وينتظر ان تنتظم عدة مبادرات احتفالا بالتسجيل في انتظار عودة الفريق الذي توجه الى العاصمة الرياض لتقديم الملف ومناقشته .