بين نسب بطالة ومؤشرات تنموية وتباينات محليّة حادة بين شرق وغرب ولاية منوبة، ووضعية غير مرشحة للتغير في بعض المعتمديات والعمادات وفق منوال واضح ومضبوط الآجال، لا يسع متساكني الجهة في كل محطة انتخابية الا التطلع لتجاوز هذه الوضعية، والأمل في أن تكون المحطة التي قد تخفّف الوضع وتشفي الخيبات التي طالما أصابتهم عقب كل محطة انتخابية، وتحقّق مطالبهم ومشاغلهم.
وأمام مطالب قديمة لم تتغير وجديدة فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تساير المستجدات الإقليمية والعالمية، تضاعف حجم انتظارات المواطنين مع مرحلة الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها يوم 24 ديسمبر القادم، والتي ستشهدها 49 دائرة انتخابية بولاية منوبة موزعة على 47 عمادة، وسيتنافس فيها 165 مترشحا عبر الانتخاب المباشر فضلا 19 مترشحا من ذوي الإعاقة عبر آلية القرعة.
ورغم أن ولاية منوبة من بين الولايات العشر الأوائل في مؤشر التنمية الجهوية لسنة 2021 (يحيّن كل ثلاث سنوات)، محتلة المرتبة السابعة وطنيا بمعدل 0,495، ومتقدمة بمرتبة مقارنة بسنة 2018 ، إلّا أنّها تشهد تباينات محليّة حادة بين شرق وغرب الولاية خاصة في غياب تمييز حقيقي لفائدة المعتمديات الأقل حظّا والعمادات التي لم تحظ بنصيبها من التنمية.
وتحتل البطان، وفق مؤشر التنمية المذكور، آخر مرتبة جهويا، بمعدل 0,453 والمرتبة 152 وطنيا، وقبلها معتمدية الجديدة بمعدل 0,476، ودوار هيشر بمعدل0,479، ثم بطبربة بمعدل 0,482، فبرج العامري بمعدل 0,489، وهي مؤشرات انعكست بالضرورة على نسبة البطالة التي تفوق جهويا 17 بالمائة، لتصل إلى 21 بالمائة في صفوف حاملي الشهائد العليا، وأغلبهم ببرج العامري بنسبة 22,32 بالمائة، وطبربة بنسبة 20,13 بالمائة، والبطان 17,80 بالمائة، وفق تقرير لمندوبية التنمية صدر سنة 2022.
ومع إرساء تجربة المجالس المحلية المنتخبة لأول مرة، يرى المواطنون فيها بصيص أمل لتغيير حال المناطق المهمشة التي لا يصل صوتها الى السلطات الجهوية والمركزية، وتغيّب أولوياتها واحتياجاتها في المنوال التنموي ووضع المشاريع، ليحظى أعضاء المجالس المحلية المرتقبة بموجب ذلك بنوع من الثقة لدى الأهالي الذين يعتبرونهم صوتهم المسموع وجسرهم للتواصل مع السلط.
ويبلغ مجموع الأعضاء المزمع انتخابهم في الإنتخابات المحلّية بولاية منوبة، 49 عضوا موزعين على 08 مجالس محليّة، منهم 08 أعضاء من ذوي الإعاقة سيتم اختيارهم عبر آلية القرعة دون المرور بالانتخابات او القيام بحملة انتخابية.
واختلفت تصريحات المتحدثين لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بين فهم وعدم فهم للصلاحيات التي اقرها القانون للمجالس المحلية، المتعلقة بالنظر في كل مسائل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وتراوحت بين إبداء الرأي في البرامج والمشاريع، وتقديم مقترحات، وتنفيذ برامج البيئة والمساهمة في إعداد المخطط الجهوي للتنمية.
وأبدى بعض المواطنين مخاوفهم من أمر التناوب لعضوية المجلس الجهوي بين الأعضاء المنتخبين بالمجالس المحلية بالقرعة كل 3 أشهر، لما تتطلبه عملية متابعة وضعية جميع العمادات من مدة زمنية تفوق، وفق تقديرهم، 3 أشهر، فضلا عن إمكانية تغليب المصلحة الشخصية الضيقة في علاقة بعمادة العضو على بقية عمادات المنطقة.
وقال الشاب مهدي الدريدي، القاطن بعمادة شواط من معتمدية الجديدة، إن الأمل يحدوه كغيره من أبناء المناطق المهمشة في أن تصل أصواتهم الى الجهات المسؤولة، وتبليغ المشاغل في إبانها دون تملص من المسؤولية، مشيرا الى أن اختيار ابن المنطقة بالاجماع، وعامل قربه من الناس، سيحتم عليه نقل مطالبهم، والاستماع لهم.
من جهته، اعتبر الشاب ماهر الكلاعي، من دوار هيشر، ان حسن اختيار الأعضاء المسكونين بالعطاء وبروح المسؤولية ، فضلا عن مدى تمكينهم الفعلي من الصلاحيات المكفولة بالقانون، وهو الامر الذي سيحدث الفارق، خاصة في الملفات العالقة والتي راوحت مكانها منذ سنوات على غرار الملفات العقارية والبطالة والتنمية.
ففي هذه المعتمدية التي كشفت دراسة لمنظمة إنترناشيونال ألرت غير الحكومية في نهاية 2020 عن تصدر البطالة ترتيب المخاطر التي يتوجّس منها شباب المنطقة بنسبة 40 بالمائة، يتطلع المتساكنون الى مزيد من المشاريع التنموية والاستراتيجيات الفاعلة لتخفيض نسبة البطالة، ونسبة الفقر مع إيجاد رصيد عقاري كاف لتريكز مزيد المرافق والمشاريع.
نفس الهاجس لا يقتصر على شباب ومواطني دوار هيشر فقط، بل يراود مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية أهالي برج العامري والبطان وطبربة والجديدة خاصة امام اكتمال بعض المشاريع على غرار المنطقة الصناعية بطبربة التي تواجه إشكاليات في الإنجاز، وفق تأكيد عدد من المتساكنين لـ”وات”، ناهيك عن عدم استغلال الإمكانيات الاقتصادية والأثرية للجهة الاستغلال الأفضل من أجل دعم التنمية، وهو موضوع ما فتئ الأهالي ينادون به منذ سنوات ولم يجدوا لهم آذانا صاغية.
الواقع اليومي للأهالي في أغلب المعتمديات لا يخلو من إشكاليات في توفير بعض المواد الحياتية والأدوية، فضلا عن عدم توفر عديد المرافق، وما من جهة رسمية أمامهم سوى العمد الذين لا حول ولا قوة لهم ولا يملكون في السنوات الأخيرة، وفق عدد من المتحدثين، لا صلاحيات ولا حتى معلومات ضافية تشفي غليل السائلين.
تحدثت منية الدريدي من معتمدية الجديدة، في هذه المسألة لـ”وات” وتطرّقت إلى مرفق المستوصف المغلق منذ ثلاث سنوات بشواط، وإلى البنية المهترئة للطرقات والانهج، وشاركتها نساء اخريات من منطقة الشويقي بعض المشاغل، وعلى رأسها انقطاع الماء الصالح للشراب منذ اكثر من شهرين بسبب مشاكل مادية للجمعية المائية، فرغم رفع الأمر الى المصالح المحلية والجهوية لم يجدوا أي جواب أو تفاعل، وهو أمر يشمل أيضا منطقة الزويتينة بالبطان والتي يؤكد متساكنوها على غياب أي قنوات تواصل مباشر بين المواطن والمسؤول.
ويأمل الأهالي ان يحقق المجلس المحلي أبسط مشاغلهم و يمكّنهم من حقهم في الماء، وان يجد حلّا نهائي لهذه الإشكاليات المؤرقة فعلا، وخاصة في فصل الصيف، ناهيك عن نقص مياه الري في ظل محدودية التساقطات.
ولا تخلو هذه الانتظارات من مشاغل مشتركة بين جميع المعتمديات وخاصة في قطاع الصحة، حيث يتطلع الأهالي إلى تركيز مستشفى جهوي، وإلى تحويل صبغة المستشفى المحلي بطبربة الى جهوي، وتحسين خدمات الاستعجالي، وتوفير الادوية الكافية بمراكز الصحة الأساسية، فضلا عن المشاريع الأخرى على غرار المقاسم السكنية الخاصة بمحدودي الدخل بكافة المعتمديات، وحلّ ملف الأراضي الدولية والإشكاليات العقارية المتشعبة التي تنتظر منذ سنوات حلّا جذريا، إضافة إلى التشجيع على الفلاحة كقطاع حيوي بالجهة يعاني نقص وغلاء المواد الأساسية وارتفاع كلفة الإنتاج.
وتشمل تطلّعات المواطنين استغلال المشاريع المهملة على غرار منتزه ميانة، والفضاء الاقتصادي بطبربة، والقرية الحرفية ببرج العامري، والفضاءات الصناعية الشاغرة بالمناطق الصناعية على غرار قصر السعيد، فضلا عن تركيز مسلك سياحي بالجهة يستغل مكامنها الحضارية والتاريخية من قصور تتطلب الترميم بمعتمدية منوبة ومن مواقع أثرية بطبربة والبطان وبرج العامري والتي لاتزال تحت الأرض تنتظر الكشف عنها واستغلالها، إضافة إلى المشاريع الايكولوجية ودور الضيافة والضيعات الفلاحية، كرافد تنموي قادر على تحريك دواليب الاقتصاد.