قد تحفل الذاكرة الرياضية التونسية باسماء عديد اللاعبين الذين تركوا بصمة واضحة خلال مشاركاتهم مع المنتخب في نهائيات كاس الامم الافريقية لكرة القدم على امتداد اكثر من ستة عقود لكن من المؤكد ان الامتياز يبقى دون ادنى شك من حيث الاستمرارية والظهور المتتالي في النهائيات القارية لمتوسط الميدان يوسف المساكني الذي يتأهب مع بداية مشواره منتخب “نسور قرطاج” في نسخة كوت ديفوار 2023+1 لتدوين اسمه باحرف من ذهب في سجل هذه المسابقة بمشاركة ثامنة على التوالي بعد سنوات 2010 و2012 و2013 و2015 و2017 و2019 و2021 ليعادل بذلك الرقم القياسي لكل من المصري احمد حسن والكاميروني ريغوبرت سونغ.
وطوال مختلف المحطات السابقة، نحت يوسف المساكني (33 عاما) في ملاعب القارة الافريقية مسيرة رائعة باهدافه الحاسمة ولمساته الفنية السحرية والتي صنع من خلالها لنفسه صورة اللاعب الاستثنائي القادر بمفرده على صنع الفارق وتغيير مجرى المباريات.
ويتعين العودة الى بداية سنوات 2000 لسبر قصة هذا اللاعب الفذ حينما قاده والده لاعب المنتخب التونسي سابقا منذر المساكني الى مركب باردو بعد ان استشعر ان ابنه يمتلك الموهبة والامكانيات التي تخول له النجاح والتالق في عالم الجلد المدور، احساس كان في محله وتاكد مع بداية مشوار يوسف مع الساحرة المستديرة في الاصناف الشابة للملعب التونسي وهو ما اهله لتعزيز صفوف المنتخب التونسي للاصاغر الذي شارك معه في نهائيات كأس العالم لاقل من 17 سنة بكوريا الجنوبية سنة 2007. وشكلت تلك المشاركة نقطة تحول في مسيرة اللاعب الشاب الذي لفت الانظار ليساهم بشكل فعال في وصول ابناء المدرب ماهر الكنزاري انذاك الى الدور ثمن النهائي.
وبفضل ادائه المتميز في هذا المونديال، ابدت عديد الاندية اهتمامها بضم يوسف المساكني وكان فريق أهلي دبي الإماراتي الاسرع الى انتدابه في صفقة لم تدم اكثر من بضعة أشهر ليعود اللاعب إلى تونس في 2008 من بوابة الترجي الرياضي بعقد لمدة 5 سنوات. ولم يكن ذلك الفتى الذي ترعرع في احياء باردو وملاعبها يعي بان انتقاله الى شيخ الاندية التونسية سيكون محطة فارقة في علاقته بعالم المستطيل الاخضر حيث تمكن مع فريق “الاحمر والاصفر” من تفجير طاقاته الكروية والحصول على العديد من التتويجات على غرار البطولة التونسية التي احرز لقبها سنوات 2009 و2010 و2011 و2012.
وتعتبر سنة 2011 علامة مميزة في مسيرة يوسف اذ حقق ثلاثية تاريخية بعد الفوز بالثنائي المحلي (البطولة والكأس) ورابطة أبطال أفريقيا الى جانب احرازه لقب هداف البطولة التونسية في نهاية موسم 2012 برصيد 17 هدفا ليتوج مسيرة حافلة مع الترجي الرياضي ب155 مباراة سجل خلالها 49 هدفا وهو ما ساهم في صعود اسهمه على الساحة الدولية وجعل عدة فرق بارزة تتهافت على جلبه لكن العرض الخيالي الذي قدمه نادي الدحيل سنة 2013 بقيمة 23 مليون دينار مهد الطريق نحو العودة الى الخليج حيث خاض مع الفريق القطري 282 مباراة مسجلا 97 هدفا.
وبعد ستة اعوام قضاها بقميص نادي الدحيل، انتقل يوسف المساكني سنة 2019 نحو رحلة احترافية اخرى قادته هذه المرة الى القارة العجوز مع نادي كاس أوبن البلجيكي قبل ان يعود مجددا الى دوري نجوم قطر من بوابة نادي العربي بداية من 2021 الذي يدافع عن الوانه الى الان لعب اثناءها 57 مباراة وسجل 34 هدفا.
اما مع المنتخب وبعد التدرج بجميع الاصناف السنية الصغرى ومشواره المتالق مع منتخب اقل من 17 سنة في مونديال 2007، تمت دعوته لتعزيز صفوف المنتخب الاول سنة 2010 لتنطلق رحلة ابداع “النمس” كما يحلو للجماهير الرياضية التونسية تسميته في لقب تجتمع فيه معاني الدهاء والفطنة والنجاعة امام المرمى.
ومع تتالي المواسم، اضحى من ابرز اعمدة المنتخب محققا 22 هدفا كافضل ثالث هداف في تاريخ منتخب “نسور قرطاج” خلف كل من عصام جمعة (36 هدفا) ووهبي الخزري (25 هدفا).
وانطلقت مسيرة المساكني مع نهائيات كاس الامم الافريقية في سن التاسعة عشرة في نسخة 2010 بانغولا لكن انطلاقته الحقيقية كانت في دورة الغابون 2012 التي تزامنت مع باكورة اهدافه في نهائيات المسابقة القارية بهدفين ضد المغرب والنيجر لتتبعها بعد ذلك نجاحات اخرى.
وعاد المساكني الى معانقته الشباك في نسخة 2013 بجنوب افريقيا بهدف رائع في شباك المنتخب الجزائري اختير الافضل في تلك النهائيات بعدما اطلق كرة من مسافة حوالي 25 مترًا سكنت الزاوية العليا لمرمى الحارس رايس وهاب المبولحي في الدقيقة الأخيرة للمباراة (1-صفر).
وبلغت حصيلة لاعب نادي العربي القطري في نهائيات كاس امم افريقيا 7 اهداف كان اخرها الهدف الحاسم امام المنتخب النيجيري في ثمن نهائي “كان” الكاميرون والذي مكن كتيبة المدرب جلال القادري من التاهل الى دور الثمانية ليصبح اول لاعب عربي يسجل في 5 دورات مختلفة من كاس الامم الافريقية بعد دورات 2012 و2013 و2017 و2019 و2021.
ولم تتوقف قصة المساكني الذي تم اختياره افضل لاعب في تونس سنتي 2012 و2017 في الاستفتاء السنوي لوكالة تونس افريقيا للانباء مع الارقام الاستثنائية عند هذا الحد بل حطم الرقم القياسي التونسي في عدد المباريات خلال النهائيات الافريقية ب25 مباراة متفوقا على المدافع راضي الجعايدي (22 مباراة).
ويظل غيابه عن نهائيات كاس العالم 2018 في روسيا بسبب اصابة في الاربطة المتقاطعة اسوأ ذكرى في مسيرته الرياضية لكنه تمكن من تحقيق حلمه في المشاركة في المونديال عندما خاض مع المنتخب نهائيات 2022 بقطر. كما كان المساكني احد اللاعبين الفاعلين في حملة التتويج بلقب بطولة افريقيا للاعبين المحليين بالسودان عام 2011 تحت قيادة المدرب سامي الطرابلسي.
وسيحمل يوسف المساكني شارة قيادة المنتخب التونسي في كاس الامم الافريقية الحالية بكوت ديفوار ويبقى رغم تقدمه في السن ووجود بعض الاسماء التي تنشط في اندية اوروبية حجر زاوية الهجوم التونسي واحد ابرز اسلحته في رفع التحدي نحو تجديد العهد مع اللقب القاري الغائب عن خزينة كرة القدم التونسية منذ سنة 2004.