صباح السبت 10 فيفري 2024، أعلنت المؤسّسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية في بلاغ “جميع الناشرين والموزعين والكتبيين التونسيين والجمهور عن تعذر تنظيم الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب بقصر المعارض بالكرم”. وأشارت في بلاغ مقتضب إلى أنه “سيتم الإعلان عن الموعد والمكان الجديدين للمعرض لاحقا”.
وجاء هذا البلاغ بعد ضجة تابعها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من مساء السبت، على إثر تناقل عدد من الناشرين خبر تأجيل الدورة، الذي نشره أيضا رئيس اتحاد الناشرين التونسيين رياض بن عبد الرزاق بعد رسالة وصلت لعديد الناشرين من قبل مدير الدورة محمد صالح القادري.
تأجيل تظاهرات وإلغاء أخرى
وأعرب الكثير من القراء والمؤلفين والمهتمين بقطاع الكتاب والنشر وقطاع الثقافة عموما، من بينهم عديد الناشرين في تصريحات لـ”وات”، عن استيائهم لهذا القرار الذي يأتي لينضاف إلى عديد القرارات المماثلة التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الثقافية في الفترة السابقة والتي منها إلغاء الدورة 34 لأيام قرطاج السينمائية قبل بضعة أيام من انطلاقها. فبعد أن تم الإعلان أن الدورة 34 لأيام قرطاج السينمائية المبرمجة من 28 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 2023 ستقام دون أجواء احتفالية ولا حفل افتتاح، وأنه سيقع المرور مباشرة لعرض الأفلام، أعلنت الوزارة بشكل مفاجئ أنه “تضامنا مع شعبنا الفلسطيني الشقيق، واعتبارا للأوضاع الإنسانية الحرجة التي يشهدها قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة جرّاء العدوان الصهيوني الغاشم، قرّرت وزارة الشؤون الثقافية إلغاء تنظيم الدورة 34 من أيام قرطاج السينمائية”. وجاء هذا القرار وسط ذهول لجنة التنظيم نفسها، وقوبل باستنكار شديد من السينمائيين وصناع الأفلام والمولعين بالفن السابع بشكل عام.
وتم في شهر ديسمبر الماضي أيضا الإعلان عن تأجيل الدورة التاسعة لأيام قرطاج الموسيقية، لتقام من 4 إلى 11 ماي 2024 بعد أن كانت مقررة لتنتظم من 20 إلى 27 جانفي 2024 وذلك بسبب “تواتر الأحداث الأليمة في فلسطين” وفق ما جاء في بلاغ للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية.
ولم ينجُ من التأجيل سوى مهرجان أيام قرطاج المسرحية، وبصعوبة كبيرة، وقد أقيمت دورته الرابعة والعشرون من 2 إلى 10 ديسمبر الماضي، فيما يتواصل غياب أيام قرطاج الشعرية التي يبدو أن قرار إبطالها اتُخذ دون كشفه للرأي العام، إذ تم الإعلان عن تأجيل الدورة التي كانت مبرمجة من 21 إلى 28 مارس 2022 إلى موعد لاحق “وذلك على إثر المستجدات الصحية الطارئة ذات الصلة بجائحة كوفيد 19.” وفق بلاغ المؤسسة التي لم تنشر أي بلاغ بخصوص هذا المهرجان منذ نحو سنتين.
تأجيل أم إلغاء ؟
وأعرب عدد كبير من الناشرين عن استنكارهم الشديد للقرار الصادر أمس المتعلق ب”تعذر تنظيم” معرض تونس الدولي للكتاب، خاصة وأنه يأتي في سنة لم يقع خلالها إلى الآن الإعلان عن موعد آخر كان مخصصا للكتاب التونسي هوالمعرض الوطني للكتاب التونسي الذي دأبت على احتضانه سنويا، منذ خمسة أعوام، مدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة. واعتبر الناشرون والموزعون التونسيون أن عدم تنظيم المعرض الدولي للكتاب يعد مشكلة كبيرة بل يراها البعض “ضربة قاصمة”، سيما وأنه الموعد الوحيد هذا العام المخصص للكتاب التونسي والدولي. وللعلم فإن تأجيل موعد إقامة هذا المعرض سواء إلى شهر سبتمبر أو أكتوبر القادمين، يجعلها مسألة صعبة خاصة وأنه سيتزامن مع مواعيد معارض كتب أخرى وأن رزنامة الناشرين العرب والتونسيين كذلك مزدحمة إلى غاية موفى السنة، فمواعيد جل المعارض قارة والمشاركات محددة بشكل قبلي ومنتظم في جلّ البلدان الأخرى التي تسهر على حسن تنظيم تظاهراتها وإنجاحها.
ولئن لم تعلن المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية عن سبب “تعذر تنظيم” الدورة الحالية، وتركت مجال التأويل مفتوحا بين من يربط السبب بعدم جهوزية فضاء قصر المعارض للكرم لاحتضان هذه التظاهرة الكبرى، وبين من يؤكد أن قرار عدم إقامة معرض الكتاب سببه تزامنه مع تنظيم معرض العروسة بالكرم (من 19 إلى 28 أفريل 2024) نظرا لعدم تطابق طبيعة النشاطين، فإن المتابعين للشأن الثقافي وخاصة لقطاع الكتاب والنشر يتساءلون هل سيتم تحديد موعد لاحق في قصر الكرم أم موعد آخر للكتاب خارج تونس العاصمة (وهو ما من شأنه أن يعزز اللامركزية ويساهم في الحركية الاقتصادية والسياحية في مدينة أخرى لا سيما في ظل حضور مشاركين عرب وأجانب فضلا عن بقية الزوار).
متى اتخذ قرار التأجيل ؟
ولكن الملاحظ أن اتحاد الناشرين العرب نشر على صفحته الرسمية على فايسبوك أمس أيضا المراسلة التي وصلته من رئيس لجنة الإعلام والعلاقات العامة بالاتحاد، محمد صالح المعالج، (في نفس التوقيت تقريبا الذي سرى فيه الخبر في تونس)، والتي جاءت على ضوء المراسلة التي تلقاها من مدير معرض تونس الدولي للكتاب محمد صالح القادري، يعلمه فيها إبلاغ الناشرين العرب بأنه “قد تقرر تأجيل دورة 2024 من المعرض إلى أجل سنوافيكم به لاحقا”، لكن هذه المراسلة كانت موثقة بتاريخ يوم 24 جانفي 2024 وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات بخصوص توقيت اتخاذ قرار تأجيل الدورة”.
” قطاع الكتاب…الحلقة الأضعف ”
وسواء تم حل الإشكال المتعلق بمكان انعقاد الدورة وموعد تنظيمها، أم لا في الأيام القليلة القادمة، سيما وأن جل الناشرين والموزعين، بدؤوا الاستعداد لموعد أفريل، فإن ما يرافق تنظيم معرض الكتاب من تذبذب وسوء إدارة منذ سنوات، يعكس ما يعيشه قطاع الكتاب والنشر من صعوبات ومشاكل، جعلته الحلقة الأضعف ضمن بقية قطاعات الثقافة ولعل أبرز دليل على ذلك هو ضعف الميزانية المخصصة لهذا القطاع. فقد بلغت ميزانية وزارة الشؤون الثقافية 0.69% من إجمالي الاعتمادات المرصودة لمختلف الوزارات لسنة 2024، ووفق هذه الميزانية التي تمت المصادقة عليها في نوفمبر الماضي، فتبلغ نفقات برنامج التراث (78151 ألف دينار)، ونفقات برامج الفنون (55607 ألف دينار) ونفقات برنامج العمل الثقافي (70704 ألف دينار) وبرنامج القيادة والمساندة (177328 ألف دينار) فيما لا تتجاوز نفقات برنامج الكتاب والمطالعة (32510 ألف دينار)، وهو مؤشر على قيمة هذا القطاع في بلادنا.