اقترح أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، توجيه تمويلات البنك المركزي التونسي الاستثنائية الى التنمية واطلاق جولة مفاوضات واسعة مع المانحين الثنائيين لضمان الموارد الخارجية المبرمجة في ميزانية الدولة لسنة 2024.
كما أوصى الشكندالي بتخفيض نسبة الفائدة المديرية لإعطاء دفع جديد للاستثمار الخاص لا سيما في قطاع البناء وتشجيع التونسيين خارج الوطن على فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك التونسية وغيرها من الاجراءات التي تمكن من إخراج الاقتصاد من بوتقة الانكماش الذي اظهره النمو الضعيف البالغ 4ر0 بالمائة خلال 2023.
ويعد هذه التوجه، أحد العناصر التي يقترحها الشكندالي، في اطار مقاربة للاقتصاد الوطني في ظل صدور بيانات النمو والبطالة لسنة 2023، وصدور بيانات أخرى من جهات إقليمية حول النمو في تونس الى جانب تغيرات طالت هرم البنك المركزي التونسي والذي ستقترض منه الحكومة مبلغ 7 مليارات دينار في اطار خطوة استثنائية.
وبرمجت الحكومة التونسية في ميزانية الدولة لهذا العام موارد مالية خارجية بقيمة 500 مليون دولار من السعودية و 300 مليون دولار من الجزائر و 500 مليون دولار من البنك الافريقي للاستيراد والتصدير وقروض أخرى لكنها خيرت السوق المحلية لتعبئة التمويلات سواء عبر القرض الرقاعي الوطني او الاقتراض من البنك المركزي استثنائيا.
وشدّد الشكندالي في حوار أجرته معه “وات” حول الواقع الاقتصادي في تونس على أهمية تنشيط قطاع الفسفاط ومنحه الأولوية المطلقة من حيث تجديد أسطول السكك الحديدية لكي يعود هذا القطاع الى سالف نشاطه ويمكّن الدولة من جني مبالغ مالية هامة بالعملة الصعبة لكن الخطوة تتطلب تأمين انتاج الفسفاط ونقله الى المجامع الكيميائية من طرف الجيش التونسي.
وتحتاج السوق المالية والبنكية الى تخفيض نسبة الفائدة المديرية ب100 نقطة أساس من أجل تنشيط الاستثمار الخاص ودفع قطاع البناء والتشييد.
ويمكن لتونس، تعزيز قدراتها للخروج من بوتقة الانكماش من خلال تشجيع التونسيين بالخارج على فتح حسابات بالعملة الصعبة وتمتيعهم بالفوائد المترتبة عن ذلك .
ويمكن، وفق الشكندالي، منح الاقتصاد جرعة تنشيط جديدة من خلال تخفيض الأداء على أرباح المؤسسات المصدرة كلي الى جانب العمل على إصدار عفو جبائي تام على الأموال المتداولة بالعملة الصعبة في الأسواق الموازية.
تونس تحتاج صياغة برنامج اصلاحات كبرى بمقاربة تونسية تونسية
وتحتاج تونس، كذلك، الى صياغة برنامج إصلاحات كبرى انطلاقا من الرسائل الاقتصادية المضمّنة في خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد من “تطهير الإدارة” و “حذف كراس الشروط” و “مقاومة اقتصاد الريع” و “مقاومة الفساد داخل المؤسسات العمومية”.
ويرى الشكندالي ان هذا البرنامج يجب ان يتناول ثلاثة ملفات أساسية لكن بمقاربة جديدة “تونسية تونسية” مختلفة تماما عن مقاربة صندوق النقد الدولي.
ويتعين، وفق استاذ الاقتصاد، أولا، إصلاح الوظيفة العمومية عبر التقليص من عدد الموظفين فيها وخاصة من الذين يمتلكون شهادات مزوّرة أو من أدمجوا في الوظيفة العمومية عبر الولاءات الحزبية خارج إطار المناظرات.
ويتوجب، ثانيا، إصلاح المؤسسات العمومية عوضا عن التفويت فيها وذلك عبر مزيد ترشيد التصرف في المال العام فيها والقضاء على الفساد
ويعد تحسين مناخ الأعمال، في الأخير، امر ضروريا، يجب العمل على تطويره من خلال التقليص في عدد الإجراءات الإدارية وطول آجالها حتى تكون الإدارة عاملا أساسيا لدفع الاستثمار.
الانكماش الاقتصادي يرجع الى تفضيل الحكومة تسديد الديون على النمو الاقتصادي
وعاد الشكندالي بالتحليل للارقام الاخيرة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء مبينا ان الانكماش الاقتصادي طال جل القطاعات الاقتصادية وخاصة الفلاحة والصيد البحري التي تراجعت بنسبة 11 بالمائة والمناجم بنسبة 10 بالمائة، ليقول انه: “لولا تحسن السياحة بنسبة 8ر12 بالمائة والصناعات الميكانيكية والكهربائية 8ر5 بالمائة لكانت الأمور أسوأ بذلك بكثير”.
ويرجع المتحدث الانكماش الاقتصادي الى “التمشي الذي ذهبت فيه الحكومة الحالية بتفضيل تسديد الديون على النمو الاقتصادي وخلق موارد الرزق، أي استعمال الموجودات من العملة الصعبة لتسديد الديون الخارجية على حساب توريد ما يلزم للاقتصاد التونسي من المواد الأساسية وخاصة المواد الأولية ونصف المصنعة”.
ويرى ان التمشي أفقد الدولة 1000 مليار دينار إضافية من الموارد الجبائية إضافة الى 1000 مليار دينار الأخرى التي خسرتها تونس عندما انحدر النمو الاقتصادي من 8ر1 بالمائة مقدّر في قانون المالية الأصلي لسنة 2023 الى 9ر0 بالمائة قانون المالية التعديلي لنفس السنة.
ويقول الشكندالي: “نحن لم نتحصل إلا على أقل من ربع ما قدّرناه في سنة 2023 وهو 4ر0 بالمائة عوضا عن 8ر1 بالمائة وهذا يعني أنه هناك خطر حقيقي يهدد الاقتصاد التونسي ويهدد سلامة المالية العمومية إذا واصلنا في نفس النهج الذي سلكناه في سنة 2023 “.
ويزداد هذا الخطر خاصة وأنّ ميزانية الدولة لسنة 2024 ، تتخلّلها فجوات مالية تتمثّل الأولى في 3ر10 مليار دينار والتي تنوي وزارة المالية سدّها بالمبلغ المشطّ للاقتراض المباشر من طرف البنك المركزي، لكن في هذه الحالة قد تكون التداعيات وخيمة إن لم يوجّه هذا الاقتراض المباشر لتمويل نفقات التنمية.
ويرى الشكندالي، ان “الفجوة الثانية التي لم نتأكد منها بعد تتمثل في ما برمجته الدولة من موارد اقتراض خارجية بقيمة 1401 مليون دولار أي حوالي 4400 مليون دينار”.
معدل البطالة العام يستدعي التفكير والمراجعة خلص الشكندالي الى ان الانكماش الاقتصادي البالغ مستوى 4ر0 بالمائة خلال سنة 2023 مقابل 8ر1 بالمائة مقدّرة في قانون المالية الأصلي لسنة 2023، اي أقل من الربع، افضى الى تفاقم معدلات البطالة بأكثر من نصف نقطة اي ب أي بـ0.6 نقطة ليقفز المعدل العام الى 16,4 بالمائة.
واردف ان بطالة الشباب ارتفعت باكثر من ذلك اي 8ر1 نقطة لتصل الى 9ر40 بالمائة في الثلاثي الرابع لسنة 2023 وهو ما يعني تقريبا ان من بين كل شابين تونسيين هناك شاب عاطل عن العمل وهو وفق توصيفه “رقم مخيف ويستدعي التفكير والمراجعة”.
في المقابل سجل استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية انخفاض نسبة بطالة اصحاب الشهادات العليا بصورة جيدة أي بـ4ر1 نقطة من 6ر24 بالمائة الى 2ر23 بالمائة معتبرا ذلك “مؤشرا جيدا اذا كان مصحابا بتحسن معدلات النمو الاقتصادي للقطاعات المنتجة وهو ما يعني لو حدث ذلك أن تونس نجحت في تغيير المنوال الاقتصادي نحو الاستثمار في القطاعات ذات المحتوى المعرفي المرتفع والقيمة المضافة العالية وهو المطلوب”.
واستدرك الشكندالي مبينا “ان هذا التحسن في معدلات البطالة لدى أصحاب الشهادات العليا صاحبه مع الأسف تراجع ملحوظ لمعدلات النمو في جل القطاعات المنتجة، وهو ما يعني أن هذا التحسن الملحوظ لمعدل بطالة أصحاب الشهادات العليا كان نتيجة لتراجع طلب الشغل لهذه الفئة من الشباب والتي فقدت الأمل في الحصول على شغل في بلدها فحولت وجهة طلبها الى خارج تونس إما عبر الهجرة المنظمة أو الهجرة غير المنظمة وهو ما تؤكّده الأرقام المفزعة لمعدلات الهجرة لأوروبا”.