عقدت لجنة التشريع العام، أمس الخميس، جلسة خُصّصت للنظر في مقترحي قانونين يتعلقان بتنقيح أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية وبعض أحكامها، واستمعت في الغرض إلى ممثلي النواب المبادرين بالمقترحين، وفق بلاغ للبرلمان نشره اليوم الجمعة.
وكانت عديد التتبعات الجزائية طالت موظفين عموميين وفق أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية “على خلفية اتخاذهم لقرارات في إطار تسيير المرافق العمومية التي يشرفون عليها، مما أدى إلى امتناع الموظفين عن اتخاذ القرارات أو المبادرات خشية تعرضهم للتتبعات .. وهو ما أعاق التصرف العادي للإدارة”، وفق ما وقع تداوله في الجلسة.
وينص الفصل 96 من المجلة الجزائية الحالية، أساسا، على عقوبة سجنية مدتها عشرة أعوام وخطايا مالية ضد الموظفين العموميين الذين يستغلون مناصبهم لمخالفة التراتيب بهدف تحقيق منافع لأنفسهم أو لغيرهم.
وأوضح النواب المبادرون بمقترح القانون (عدد 28-2023) المتعلق بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية (تنقيح الفصلين 96 و98 وإلغاء الفصل 97)، أنه يندرج في إطار الإصلاحات التشريعية الرامية إلى ضمان تحقيق المعادلة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد الإداري والمالي من جهة، وعدم عرقلة وتعطيل العمل الإداري والمرفق العام وتحقيق نجاعته من جهة أخرى.
وأكّدوا أهمية هذه المبادرة التشريعية من الناحية الاقتصادية بالنظر الى آثارها المباشرة على مستوى المعاملات المالية وحلحلة المشاريع المعطلة، نظرا لما يتضمّنه التشريع الحالي من تكبيل لروح المبادرة والاجتهاد لدى الموظفين العموميين، بالإضافة إلى مكافحة سوء استخدام السلطة أو الوظيفة للحصول على منفعة غير مشروعة.
وذكروا أن التنقيحات تضمنت أساسا تضييقا لمجال الجريمة، مقارنة بما تضمنه الفصل 96 من توسع في التجريم، وذلك باشتراط توفر سوء النية كركن قصدي على أساسه يتمّ التمييز بين الخطأ عند الاجتهاد في التصرف والفعل الاجرامي الذي ينطوي على انصراف نية الموظف العمومي أو شبهه الى ارتكاب ذلك الفعل قصد تحقيق المنفعة أو إلحاق الضرر بالإدارة.
وجرى توضيح الحالات التي تخرج عن نطاق سوء النية، مع الإبقاء على العقوبة السجنية ومضاعفة العقوبة المالية المستوجبة، إضافة الى اشتراط ألا تتمّ التتبعات إلا إذا قضت محكمة المحاسبات بذلك، وهو ما من شأنه تلافي التتبعات والشكايات غير الجدية.
كما تضمّن إلغاء للفصل 97 تفاديا لازدواجية تجريم وعقاب نفس الأفعال باعتبار أن الفصل 96 (جديد) قد استوعب ما تضمنه الفصل 97 من المجلة الجزائية.
ووقع التنصيص ضمن الفصل 98 جديد على امكانية تسليط المحكمة لعقوبة تكميلية واحدة من بين العقوبات المقررة بالفصل 5 من المجلة الجزائية خلافا لما تضمنه الفصل 98 من امكانية الحكم بكل أو بعض العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل المذكور.
من جهتهم، بيّن النواب المبادرون بمقترح القانون عدد 15-2023 لتنقيح الفصل 96، أن هذا الفصل في صيغته الحالية يعدّ معرقلا للاستثمار ومكبّلا للإدارة، إذ أصبح هاجسا أمام كل من يضطلع بمسؤولية من الموظفين العموميين أو شبههم خشية من التتبعات الجزائية، مما ترتب عنه التردد و الإحجام عن أخذ القرار من قبل العديد من المسؤولين الإداريين خوفا من التتبعات الجزائية وهو ما من شأنه أن يعيق التصرف العادي للادارة.
وأوضحوا أن هذه المبادرة التشريعية تتنزّل في هذا الاطار حيث بات من الضروري تنقيح الفصل 96 حتى لا ينعدم لدى مسؤولي الدولة وإطاراتها وأعوانها الاجتهاد والمبادرة وذلك بصياغة الجريمة بطريقة تزجر بوضوح سوء التصرف والفساد المالي وتجنب المنزلقات الخطيرة التي قد يجد المسؤول نفسه مورّطا فيها رغم أنه لم يحصل على أية فائدة لنفسه أو للغير.
وأضافوا أن التنقيح المعروض تضمّن التنصيص على توفّر شرط سوء النية كركن معنوي في الجرائم موضوع الفصل 96 المذكور، مع التقليص في العقوبة المستوجبة وترك السلطة التقديرية للقاضي عند تسليط العقوبة بشكل يتناسب مع الفعل الإجرامي المقترف.
وأكّد النواب المبادرون بمقترحي القانونين، كل من جهته، انفتاحهم على كل المقترحات والتعديلات بهدف تقديم نصّ موحّد يستجيب لأهداف المبادرتين.
وثمّن أعضاء اللجنة مقترحي القانونين المعروضين على أنظارهم واعتبروا أن مثل هذه المبادرات التشريعية تعدّ “ثورة” تشريعية من شأنها تحسين الخدمات الإدارية ودفع عجلة النمو.
وبيّنوا أنها تهدف إلى إدخال بعض المرونة على أحكام المجلة الجزائية وخاصة الفصل 96 منها وتوضيح بعض جوانبه الغامضة والقابلة للتأويل على اعتبار أن صياغته كبلت أصحاب القرار في الإدارة التونسية وجعلتهم يترددون في اتخاذ القرارات أو المصادقة على صفقات أو مشاريع بسبب خوفهم من التتبّعات تحت طائلة الفصل 96.
وتمحور النقاش أساسا حول العقوبات المستوجبة في اتجاه الترفيع أو الحط منها. واتفق أعضاء اللجنة على مواصلة النقاش والتداول بعد عقد جلسات استماع خلال الأسبوع المقبل.
وجرى اقتراح تنظيم يوم دراسي حول الفصل 96 من المجلة الجزائية لتعميق النظر والتطرق إلى الموضوع من كافة جوانبه.
وفي سياق آخر، تطّرقت اللجنة الى مشروع القانون المتعلق بتنقيح المجلة التجارية المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد ومدى التقدّم في إعداده من قبل وزارة العدل.
وقررت طلب عقد جلسة استماع الى وزيرة العدل في أقرب الأوقات للنظر في مدى تقدّم إعداد مشروع هذا القانون.