أظهرت دراسة قام بها باحثون من معهد المناطق القاحلة بتونس أن حجم المياه المستخدمة يتجاوز الكميات التي تحتاجها الواحات و التي لا تتجاوز 0.66 كيلوغرام لكل متر مكعب من المياه.
وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرتها منظمة المجتمع العربي، أن الإستغلال المفرط للموارد المائية بسبب أنظمة الري التقليدية القديمة، يرتبط بتملح التربة، مما يؤثر على إنتاجية نخيل التمر وإستدامة المياه.
وخصصت الدراسة لتقييم إنتاجية المياه المستخدمة في واحات الجنوب التونسي بناءً على مراجعة دقيقة للأوراق العلمية المنشورة سابقًا والتقارير المتعلقة بالدراسات المختلفة التي أجريت في هذه المناطق.
وتعتبر ندرة المياه المشكلة الأكثر خطورة بالنسبة إلى استدامة الإنتاج الزراعي في جميع أنحاء العالم وفق الدراسة التي أشارت إلى أن حدة هذه المشكلة تزداد في معظم المناطق المزروعة، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، بسبب زيادة السكان، والتأثير السلبي لتغير المناخ.
ويتزايد إستغلال الموارد المائية المخصصة للري في هذه المناطق لضمان انتاج زراعي كاف لسد حاجيات السكان وتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
ولضمان إدارة ناجعة للموارد المائية في الأنظمة الزراعية المنتشرة في المناطق الجافة مثل الواحات، يجري تقييم فعالية الاستراتيجيات والممارسات المعتمدة في الري باستخدام عدد من المعايير والمؤشرات خاصة منها تلك المتعلقة بإنتاجية المياه، والتي تتطلب قياس كميات المياه المستخدمة لإنتاج كمية محددة من الغذاء.
وتلعب أنظمة الواحات جنوب تونس دورًا رئيسيًا في إستيطان السكان المحليين، وقد شهدت العقود الماضية توسعا كبيرا في مساحتها التي فاقت 58 ألف هكتار عام 2021 بعد أن كانت لا تتجاوز 16 ألف هكتار عام 1974.
وتتميز الواحات بالظروف المناخية القاحلة، وعدم انتظام التساقطات، وتواتر الأحداث المتطرفة، ولا سيما فترات الجفاف الطويلة، وهي عوامل تمثل تحديات كبيرة من أجل إنتاج فلاحي مستقر.
وتشغل الواحات التقليدية مساحة إجمالية تبلغ حوالي 16138 هكتارا ما يمثل 28 بالمائة من إجمالي مساحة الواحات التونسية. وتتسم بكثافة عالية لأشجار النخيل (أكثر من 200 نبتة/هكتار)، وغلبة الأصناف الشائعة، وكثافة عالية لأشجار الفاكهة وتنوع كبير في الأنواع، ونظام ري تقليدي.
وخلصت الدراسة الى أن إستدامة هذه الأنظمة مهددة بسبب العديد من المشاكل مثل تراجع التنوع البيولوجي، وندرة الموارد المائية.
كما تواجه هذه الواحات مشاكل فنية تتعلق بشبكات الإمداد بالمياه وتوزيعها، إلى جانب تلك المتعلقة بأنظمة الري بالغمر أو الأحواض التي تتميز بمعدل تبخر كبير. وتؤدي كل هذه المشاكل إلى انخفاض الإنتاجية وفقدان تدريجي لخصوبة التربة.
فيما تشغل الواحات الحديثة مساحة قدرها 41917 هكتارا وتعتمد على نظامين إنتاجيين مختلفين: النوع الأول هو المناطق السقوية (التي تمثل 33 بالمائة من المساحة) وتتميز بنظم زراعية أحادية في زراعة نخيل التمر، خاصة تلك التي تنتج التمر من نوع “دقلة النور” مع تنامي مساحات مروية ذات مستويين وثلاثة مستويات مختلفة تتضمن أشجارا مثمرة وخضروات.
وتواجه تنمية هذه الواحات تحديات تتعلق بشكل أساسي بتوزيع المياه من قبل مجموعات التنمية الزراعية.
أما النوع الثاني فيتمثل في تلك المعدة خصيصا لزراعة نوع واحد من النخيل المنتج للتمور من نوع “دقلة النور” وتشغل 67 بالمائة من المساحة الجملية للواحات الحديثة وتساهم بنسبة هامة في إنتاج التمور المعدة للتصدير.
وتتميز هذه الأراضي الزراعية بالاستغلال التعسفي للموارد المائية، والذي يسهله استخدام الطاقة الشمسية (شبه المجاني) في ضخ المياه.
وقد أدى التطوير غير المنضبط لهذه الأراضي الزراعية إلى بروز قضايا بيئية تهدد استدامة النظم الزراعية في هذه الواحات.
وكشفت الدراسة أن نظام الري المستخدم في هذه النظم المختلفة من الواحات، كان من بين أكثر العوامل تأثيرا على إنتاجية نخيل التمر.
كما أظهرت أن إمدادات المياه المبلغ عنها لري نخيل التمر تتراوح من 20 ألف إلى 30 ألف متر من المياه لكل هكتار سنويا. في حين تقدر الدراسات العلمية احتياجات المحصول من المياه لإنتاج نخيل التمر العادي بين 10 آلاف و18 ألف متر مكعب لكل هكتار.
وأكد مؤلفو الدراسة أن كميات المياه المستخدمة في ري نخيل التمر في الجنوب التونسي تعادل في المتوسط مرة ونصف الاحتياجات الحقيقية للنخيل ويمكن أن يصل محليا إلى 4 أو 5 أضعاف الحدود المرغوبة.
وقدروا متوسط إنتاجية هذه المياه بحوالي 0.66 كيلوغرام من الثمار لكل متر مكعب من المياه، وتتدنى هذه الإنتاجية إلى 0.23 كيلوغرام فقط في بعض المناطق.
وأكدت دراسات سابقة إلى أن جودة مياه الري تعتبر عاملاً محددًا لكميات المحاصيل وجودتها ، مشيرة إلى أن ملوحة مياه الري تجاوزت 9 غرامات في اللتر الواحد في بعض الواحات، مما يزيد من مخاطر التملح والقلوية (وهي قوة الماء لتحييد الأحماض ) وبالتالي التدهور السريع للموارد الطبيعية والغطاء النباتي.