صدر عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” كتاب بعنوان “رحلة اليوسي” (1101 – 1102 هـ / 1690 – 1691م). لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي المتوفى سنة 1131هـ / 1719م. وتولّى تحقيق هذا الكتاب أحمد الباهي، وهو أستاذ محاضر في التاريخ والآثار الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القيروان.
ويمثّل هذا الكتاب مرجعا أساسيّا في مجال أدب الرحلة بوصفه إبداعا يتخطى سرد السيرة الذاتيّة مدوّنا الوقائع التاريخيّة بأبعادها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ففي هذا السياق تؤكّد مضامين المؤلّف تعدّد الرحلات الحجيّة البريّة بسبب صراع العثمانيين والإسبانيين في السواحل المغربيّة من أجل الهيمنة على مضيق صقليّة. وعليه تكون رحلة اليوسي مدوّنة معرفيّة وتاريخيّة للباحثين، من مؤرّخين وأنتروبولوجيين وسياسيين…
ولأنّها وثيقة مفعمة بحقائق تجمع بين الجغرافيا في شكل دليل سياحي، والتاريخ بما تضمّنت من توثيق للأحداث، لذلك اعتبرها المحقّق أحمد الباهي أحد أهم الفنون الأدبيّة التي ميّزت بلاد المغرب منذ المرحلة الوسيطة، قائلا في هذا الصدد “يمثّل هذا الكتاب حلقة مهمّة في سلسلة الرحلات الحجيّة والحجازيّة التي دوّنها المغاربة بمناسبة قيامهم بفريضة الحجّ أو طلب العلم”.
يقول أحمد الباهي في مقدمة التحقيق إن هذا الكتاب يمثّل حلقة مهمة في سلسلة الرحلات الحجية والحجازية التي دونها المغاربة بمناسبة قيامهم بفريضة الحج أو طلبهم للعلم، وهي تجسد أحد أهم الفنون الأدبية التي طبعت بلاد المغرب منذ العصر الوسيط واستمرت خلال العصر الحديث. فقد تكاثرت رحلات الحج البرية انطلاقاً من القرن 10 هـ / 16م، بسبب الاضطرابات التي عاشتها السواحل المغربية نتيجة الصراع العثماني الإسباني للسيطرة على مضيق صقلية وبدايات القرصنة، فتخلى ركب الحج المغربي عن الطريق الساحلية، وأخذ في اتباع مسالك صحراوية، وتولى بعض الأدباء والفقهاء تخليد حجيتهم بتدوينها. أثارت الوفرة النسبية لكتب الرحلات إعجاب الباحثين منذ فترة، فتناولوها بالإحصاء والتحقيق والدراسة، وبُدئ بنشرها طباعة على الحجر منذ نهاية القرن 19، ثم أصبحت هذه النصوص تنشر محققة مع تباين واضح في جودة التحقيق.
وبحسب هذا الكتاب، تواصلت رحلة اليوسي سنة قمرية كاملة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، إذ انطلق الركب من مدينة فاس المغربية يوم السبت 14 جمادى الثانية 1101 هـ / 24 مارس 1690 م (83) ، وكان الرجوع إلى تمززيت يوم الأحد 25 شوال 1102 هـ / 21 جويلية 1691م.
ومن المدن التونسية التي مرّ بها الرحالة وأتى على ذكرها هي توزر وقابس. يقول الرحالة: “وبلغنا قابس يوم الاثنين السابع من رمضان. وفي قابس مقبور سيدنا أبو لبابة الصحابي – رضي الله عنه -، وقد كنا عزمنا على زيارته فوجدنا الطاعون في هذه الأرض أيضاً فلم يتمكن لنا بلوغه”.
ويضيف أيضا: “وغدا نزلنا حَامَّة قابس ظهرًا، ثم النَّبش ولا ماء فيه للشرب، ثم قصر الزمان ظهراً، ماؤه كثير ، ثم زاوية الرمل ظهراً أيضاً، ثم قطعنا السبخة غدًا فلم نر فيها إلا الخير التام، ونزلنا بسيدي بوهلال أيضاً. وغدا نزلنا ضحى بتوزر وذلك يوم الأحد الثالث عشر من المعظم رمضان ، وأقمنا فيها يوماً آخر، ووجدنا فيها كثرة الثمر والزرع ونعم البلاد، كثيرة الأشجار والمياه، وأدركنا في هذه الأيام الحر الشديد. وغدا رحلنا للشبيكة، ثم بتنا بلا ماء”.