افريقيا قارة الألوان، التنوع والثقافات استمدّت اسمها من الاسم القديم لتونس منذ الفترة الرومانية وهو “افريقية”. وفي عرض أطلق عليه عنوان “made in africa” (صُنع في افريقيا)، اختار عازف الكمان التونسي زياد الزواري الاحتفاء بتنوع الثقافة التونسية الضاربة في العمق الافريقي، وقدّم هذا العرض، الليلة الماضية (11 جويلية) ضمن الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي (5 جويلية – 3 أوت 2024) بعد ثمرة أربع سنوات من الجهد والبحث والعمل.
معانقا كمانه بشغف وحماس، وقف زياد الزواري في الجهة الأمامية للركح ليقود مجموعة موسيقية متألفة من 12 عنصرا، وقد تسلّح كلّ منهم بآلته الموسيقية ليأخذ الجمهور في رحلة احتفالية بالموروث التونسي بطابعه الافريقي، فلم يكن “مايد ان افريكا” مجرد حفل موسيقي بقدر ما بدا إحياءً للتنوع الفني بكل تفاصيله .
ومع كلّ معزوفة موسيقية يتردّد صدى الألحان والإيقاعات التونسية ذات العمق الافريقي كإشادة نابضة بمظاهر الحياة والتنوع، ولكنها أيضا موسيقى تخترق كل الحدود والحواجز وترسم آفاقا واسعة للموسيقى التونسية ضمن موسيقات العالم اللامحدودة.
وقد أوجد زياد الزواري الخيط الناظم لهذه النوتات الموسيقية، فأدمج الأنماط التونسية كالمالوف والحضرة ونمط
الأفرو جاز، وبرع في أدائها عازفون على آلات إيقاعية كالبندير والطبل التونسي والطبل الافريقي والباتري، وآلات وترية هي الغيتار و”الباص” والكمنجة بمعازفها الحزينة والعاطفية، صاحبتها أصوات وآهات الكورال.
وابرز زياد الزواري انه عازف ماهر على كمانه كما ألفه الجمهور، ينزلق بقوس كمنجته على الأوتار مصدرا ألحانا سريعة، وبين الحين والآخر يتخلى عن قوسه وينقر الأوتار بأنامله في تناغم مستمرّ مع روح الموسيقى الافريقية وطابعها الاحتفالي.
وأغدق على جمهوره في “مايد ان أفريكا” موسيقى بلا حدود على مدى 90 دقيقة، عزفت خلالها مجموعته 13 مقطعا موسيقيا ظاهرها احتفاليّ وباطنها وجع ومعاناة، وكل معزوفة موسيقية منها تروي قصصا وأساطير على غرارمقطوعة “أوريون” وهي النجم الذي يستدلّ به سكان الصحراء طريق الشمال أو “بسكلتي” التي تهتمّ بالقضايا الايكولوجية و”أصبهان” نسبة إلى طبع الاصبهان وهو من المقامات التونسية ويحمل نفَسا افريقيا، بحسب زياد الزواري.
وصمّم الزواري لنفسه أسلوبا موسيقيا مبتكرا يتجاوز طابعه الاحتفالي، وليذكر به الجمهور بالقضايا الإنسانية السامية كحقوق الإنسان والعدالة والحرية، وهو يدعو إلى الوحدة والسلام ويدافع عن ثقافة التنوع والاختلاف والقبول بالآخر والتعايش الإنساني المشترك بعيدا عن الكراهية والعنف.
ويعتبر عرض “مايد ان أفريكا” ثمار مجهود ومسار طويلين من البحث والإبداع والكتابة، وهو يحاكي النهج الفني الذي رسمه زياد الزواري لنفسه عازفا للكمنجة ومختصا في المزج بين الأنماط الموسيقية المختلفة وهو ما يتجلى في عروضه التي تسعى دائما إلى التحليق بالموسيقى التونسية بعيدا عبر مزجها بموسيقات العالم.
وعُرف هذا الفنان أصيل مدينة صفاقس، باشتغاله منذ سنوات على تطوير لغة موسيقية معاصرة أساسها آلة الكمان، تجعل من الإيقاعات التونسية في خدمة تعدد النظم والإيقاعات الموسيقية وهو ما أثمر مشاريع نابعة من عمق الموسيقى التونسية الأصيلة مع إكسائها طابعا معاصرا ليستخلص منهما مدونة جديدة ترتكز على الموسيقى الإلكترونية مع حضور مستمر للأفرو جاز.
يقول زياد الزواري في الندوة الصحفية التي تلت العرض، إن “مايد ان أفريكا” هو عرض لموسيقى تونسية أصيلة بإيقاعاتها الافريقية، مبيّنا أن هذه الإيقاعات الافريقية يمكن الانتباه إليها في أنماط مختلفة كالحضرة مثلا.
كما أعلن بالمناسبة عن إطلاق ألبومه الأول “مايد ان أفريكا” على كافة المنصات الموسيقية العالمية، خلال شهر سبتمبر القادم، بهدف توسيع تجربة هذا العرض وإتاحته لعدد أكبر من الجمهور على الصعيد الدولي حتى يكتشف هذا الاندماج الموسيقي الفريد.