كانت سهرة أمس الأحد (28 جويلية) استثنائية ومميّزة بإيقاعاتها وألوانها، فقد أضاءت مجموعة “الويلرز” (The Wailers) سماء مسرح قرطاج الأثري باحتفالية موسيقية نابضة بالحياة، تحوّل معها المسرح إلى فضاء للاحتفال بالأصوات والأنغام التي تعكس روح “الريغي” وتجذب جمهورا نوعيا كان مزيجا من التونسيين والأجانب المقيمين بتونس أرض الحضارات وتلاقي الثقافات. كما سجّل هذا الحفل حضور سفير الولايات المتحدة الأمريكية المعتمد بتونس “جوي هود”.
وأقبلت مجموعة “الويلرز” من دولة جامايكا في القارة الأمريكية، للمشاركة في إحياء إحدى سهرات مهرجان قرطاج الدولي في دورته الثامنة والخمسين، فقدمت عرضا موسيقيا ساحرا أعادت من خلاله للحضور شغف “الريغي” وجعلت من كل أغنية تجربة فنية مدهشة تعكس براعة المجموعة في توظيف الإيقاعات والألحان.
قبل بداية الحفل، سادت أجواء من الترقب والإثارة بين الحضور الذي ناهز عدده 3 آلاف شخص، وبمجرد أن أطلّت الفرقة على المسرح، ارتفع التصفيق بشكل لامتناهٍ، وبدأت النغمات الافتتاحية لأغاني “الريغي” الشهيرة تصدح في أرجاء المسرح، مما أثار حماسة الجمهور وجعلهم يهتزون رقصا على الإيقاعات المتصاعدة من آلات الغيتار والباص والدرامز.
انطلق الحفل بأداء قوي ومؤثر لهذه المجموعة التي بدأت بعزف أغنيتها الشهيرة “is this love” مما أدى إلى تفاعل جماهيري منقطع النظير. وتميز الأداء بجودة موسيقية عالية، حيث أظهرت “الويلرز” تنوعا في الإيقاعات والألحان التي تمثل روح الريغي بشكل فريد.
واتسم أداء المجموعة بالحيوية والديناميكية، حيث قدمت مزيجا من الكلاسيكيات الخالدة مثل “No Woman No Cry”وGet up Stand up”و”One love” إلى جانب بعض الأغاني الجديدة التي أظهرت تطورها الموسيقي.
وتألق عناصر “الويلرز” في أداء متقن لمجموعة من أشهر أغانيها التي تركت بصمة في تاريخ الموسيقى العالمية وعشاق الريغي، على غرار “Three Little Birds” و”Stir it up””التي ساهمت في نقل الجمهور إلى أجواء مفعمة بالبهجة والإيقاع.
وأضفت العناصر السينوغرافية الموظفة في الحفل أجواءً سحرية على المسرح وجمالية بصرية خلقت تجربة حسية متكاملة فكان تغيّر الإنارة بين الألوان الدافئة والباردة يتماهى مع النغمات الموسيقية بشكل مذهل مما زاد من تأثير الأغاني وجعل الجمهور يشعر وكأنه في عالم موسيقي لامتناه في المكان والزمان.
وتميّز أفراد “الويلرز” بحضور ركحي قوي ومؤثر تعزز بمخاطبة الجمهور بحماس ودعوته للمشاركة في أداء الأغاني، مما خلق جواً من الألفة والتواصل المستمر طيلة الحفل الذي استمر على مدى 90 دقيقة، الأمر الذي جعل الجمهور يرفض مغادرة المسرح وظل يهتف باسم “الويلرز” التي لبّت طلبه وأرقصته على 5 أغاني أخرى منها ” Jamming” و”redemtion song” و”could you be loved”.
ودوّت موسيقى الريغي عاليا في أرجاء المسرح الروماني بقرطاج، فأوفت بخصوصياتها في التعبير عن قضايا الأفارقة والأقليات التي تعاني من الميز العنصري، وكذلك الشعوب المستعمرة، فهذا النمط الموسيقي الذي نشأ في جامايكا في ستينات القرن الماضي له جذور عميقة وهو مكون أساسي من مكونات التراث الثقافي الموسيقي الافريقي، وقد ارتبط بنضال الشعوب من أجل حقوقهم وحرياتهم.
ويعدّ هذا الحفل الضخم الذي قدمته مجموعة “الويلرز” على مسرح قرطاج فرصة للتأكيد على أن تونس أرض التلاقي والتعايش السلمي والانفتاح وقبول الآخر.
كما يأتي هذا العرض تعزيزا للروابط الثقافية بين تونس وجامايكا، وجسّدت المجموعة المكانة التي يحتلها هذا النمط الموسيقي في المشهد الثقافي العالمي، وهو ما يتماهى مع السياسة الثقافية لتونس في الاحتفاء بالتنوع الثقافي، فجاء هذا الحفل ليعكس أهمية الثقافة الموسيقية في بناء جسور التواصل بين الشعوب.
وتجدر الإشارة إلى أن عددا من أعضاء مجموعة “الويلرز” هم رفاق درب الأسطورة “بوب مارلي” (1945 – 1981)، حيث استمرت المجموعة في حمل مشعله بعد وفاته، فأحيت عديد الحفلات الموسيقية وأنتجت أغان ومؤلفات موسيقية جديدة. وهي تعتبر إلى اليوم مرجعا في مجال موسيقى الريغي. وظلت واحدة من أعمدة هذا النمط الموسيقي وكل الأنماط الموسيقية الأخرى التي تدور في فلك الريغي.