قال المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، إن “وزارة العدل تستحوذ بالكامل على صلاحيات مجلس القضاء العدلي وتتجاوز كل الخطوط الحمراء في السيطرة على القضاء”.
و أضاف في بيان له أنه “تم رصد تعمد وزارة العدل الاستحواذ بالكامل على الصلاحيات المخولة لمجلس القضاء العدلي المؤقت الذي أحدثه رئيس الجمهورية بموجب المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 كبديل لمجلس القضاء العدلي الشرعي والمنتخب وإقدامها، خارج كل اختصاص يخول لها ذلك وفي مخالفة واضحة وصريحة للنصوص القانونية المنطبقة، على نشر جداول الكفاءة لترقية القضاة وإصدارها في الأسابيع الأخيرة لعدد كبير من مذكرات العمل بشكل متواتر وشبه يومي فيما يشبه الحركة القضائية الواسعة شملت عديد القضاة من الرتبة الأولى والرتبة الثانية والرتبة الثالثة ومن قضاة النيابة العمومية ومن القضاة الذين تعهدوا مؤخرا بملفات تتعلق بجرائم ذات طابع انتخابي تهم مرشحين للانتخابات الرئاسية كما شملت عددا من المسؤولين عن المحاكم ممن عرفوا لدى عموم القضاة والمحامين والمتقاضين بالكفاءة والاستقلالية والحياد والنزاهة بتجريدهم من المسؤولية ونقلتهم تعسفيا بعيدا عن مقرات إقامتهم دون أي مبرر أو تقييم موضوعي من ذلك نقلة رئيسة المحكمة الابتدائية بمنوبة إلى محكمة الاستئناف بالكاف ونقلة رئيس المحكمة الابتدائية تونس 2 إلى محكمة الاستئناف بباجة دون أي مراعاة لظروفهما العائلية والصحية أو اعتبار لمسيرتهما القضائية الطويلة التي فاقت الثلاثين سنة والتي تبوئ كلا منهما لتقلد أعلى المناصب القضائية بكامل الاستحقاق والموضوعية لا التجريد”.
وأدان بشدّة ما اعتبره “النهج التسلطي المتواصل الذي تفرضه السلطة التنفيذية عبر وزارة العدل على القضاة والتوسع غير المحدود وغير المسبوق لنفوذ وزيرة العدل داخل القضاء واستغلالها وضعية الشلل والجمود التي عليها المجلس المؤقت للقضاء العدلي نتيجة عدم تسديد الشغور الحاصل في تركيبته منذ نحو عام من طرف رئيس الجمهورية لبسط نفوذها وسيطرتها عليه بالكامل وبشكل تجاوز كل المحاذير وكل الخطوط الحمراء”.
وكذّر بأن “تجميد أعمال المجلس المؤقت للقضاء العدلي كان بافتعال من السلطة التنفيذية من خلال نقلة اثنين من أعضائه في الحركة القضائية 2023/2024 وإحالة اثنين آخرين على التقاعد دون تسمية أعضاء آخرين منذ قرابة السنة مما حال دون انعقاده وأدى إلى شلله بالكامل وفتح المجال أمام وزارة العدل لاستخدام آلية مذكرات العمل بشكل تعسفي ومكثف خارج كل إطار قانوني يخول لها ذلك”، ملاحظا أن “حالة الفراغ المؤسسي التي يشهدها القضاء العدلي كان من تداعياتها الخطيرة غياب كامل الضمانات المرتبطة بإدارة المسارات المهنية للقضاة وما تقتضيه من تحديد للمعايير المعتمدة في إعداد الحركة القضائية ونشر لقائمة الشغورات بالمحاكم وفتح لباب التناظر حولها بين القضاة وقبول لطلباتهم في شأنها وسماع للمسؤولين عن المحاكم وتلقي ملحوظاتهم وتقييماتهم وطلباتهم وفتح المجال للمعنيين بها للاطلاع والاعتراض عليها انتهاء بنشر الحركة القضائية للعموم بوصفها حدثا وطنيا وضبط آجال وإجراءات الاعتراض عليها والطعن فيها طبق ما توجبه قواعد العمل النزيه والشفاف ومقتضيات المفاضلة الموضوعية وتكافؤ الفرص ومبادئ الحوكمة الرشيدة في إدارة المؤسسات”.
وشدّد على أن “تلك الحالة من الفراغ المؤسسي المفتعل لا تخول لوزارة العدل والسلطة التنفيذية الاستئثار بالمسارات المهنية للقضاة وإعمال النقل التعسفية والتسمية في المناصب القضائية والتجريد منها بواسطة آلية مذكرات العمل لتعارض تلك الآلية الواضح والصريح مع أحكام الدستور وأحكام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 وما بقي نافذا من أحكام القانون الأساسي للقضاة عدد 29 لسنة 1967 ومع المعايير الدولية لاستقلال القضاء”. كما أكد أن “ما تأتيه السلطة التنفيذية ووزارة العدل منذ حل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي والضامن لاستقلال القضاء في شهر فيفري 2022 ومنذ مذبحة إعفاء 57 قاضيا في 01 جوان 2022 وما تلاهما من عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية والاستحواذ على الحركة القضائية 2023/2024 وإقرار القضاء الوظيفة بدستور 2022 بديلا عن القضاء السلطة بدستور 2014 وإعمال مذكرات العمل بشكل مكثف وشبه يومي لإدخال التغييرات المتتابعة على تركيبة المحاكم والهيئات الحاكمة وتسليط العقوبات المشددة والنقل التعسفية خلال السنة القضائية وبعدها، يشكل سياسة واضحة وممنهجة من السلطة السياسية لترهيب القضاة والمسؤولين القضائيين بغاية تطويعهم وفرض إملاءاتها وتعليماتها وبرامجها وأهدافها عليهم بالقوة دون أن يكون لذلك أي علاقة بما ترفعه من شعارات الإصلاح والتطوير والنهوض بأوضاع المحاكم وتحسين أداء مرفق العدالة”، مطالبا “بكل شدة السلطة السياسية بمراجعة خياراتها الكارثية في التعامل مع السلطة القضائية التي ثبت فشلها وتسببت في اضطراب العمل بالمحاكم واحتقان الأوضاع داخلها وزادت في استفحال الأزمة في مرفق العدالة بشكل لم يعرفه القضاء التونسي في أحلك المراحل التي مر بها ويحذر من التداعيات الخطيرة للاستمرار في ذلك النهج المتعسف والتمادي فيه”.
وحذّر المكتب التنفيذي كذلك من “تداعيات الأزمة القضائية والترهيب المسلط على القضاة وإشاعة أجواء الخوف والرعب وانعدام الأمان بينهم من قبل وزارة العدل على وضع الحقوق والحريات وحقوق المتقاضين والمواطنين وتراجع الحماية القضائية لها خاصة في خضم أجواء استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة”، مجدّدا “الدعوة لكافة مكونات المجتمع التونسي إلى اليقظة والتنبه إلى خطورة ما آل إليه الوضع القضائي في تونس والعمل بكل ما يتوفر له من إمكانيات على حماية القضاة التونسيين مما يطالهم يوميا من إجراءات تعسفية غير مسبوقة تهدد دورهم في حماية الحريات وضمان حق الدفاع وإيصال الحقوق إلى أصحابها في كنف الاستقلالية والحياد والنزاهة والموضوعية والعمل على إيجاد الآليات اللازمة للحد من تغول السلطة التنفيذية وتمددها داخل القضاء”.
كما دعا “كافة القضاة العدليين بمختلف رتبهم الذين طالهم تعسف السلطة إلى الطعن في مذكرات العمل الجائرة وغير القانونية التي شملتهم أمام القضاء الإداري والاعلان عن إحداث لجنة قانونية داخل جمعية القضاة التونسيين للتعهد بوضعياتهم وملفاتهم وتقديم الإرشادات اللازمة والإحاطة الضرورية لهم”.