تنتظم الانتخابات الرئاسية في تونس يوم 6 أكتوبر المقبل، وهي تخضع في مختلف مراحلها لتنظيم قانوني في مستويات مختلفة.
ويتوزع الإطار القانوني المتعلّق بالانتخابات الرئاسيّة إلى ثلاثة مستويات أساسية مكوّنة للتشريع الانتخابي.
ويمثل الدستور أول هذه المستويات، ثم يأتي القانون المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء لسنة 2014، وهو نص تشريعي صادر عن السلطة التشريعية وتمّ تنقيحه في أكثر من مناسبة. وفي مستوى ثالث توجد قرارات هيئة الانتخابات الصادرة في إطار سلطتها الترتيبية، وهي قرارات تصدر عن مجلسها لتفسير وتفصيل المقتضيات الواردة بالقانون الانتخابي.
ويعدّ الدستور القاعدة القانونية الأعلى في سلمّ القوانين ويستند إليه التشريع الانتخابي والقرارات المتعلّقة بتنظيم الانتخابات.
دستور 2022
مكّن الفصل 134 من الدستور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي تتمتّع بالسّلطة التّرتيبيّة في مجال اختصاصها، من تولى إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والإشراف عليها في جميع مراحلها، مع ضمان سلامة المسار الانتخابيّ ونزاهته وشفافيّته والتصريح بالنتائج.
وفيما يتصل بشروط الترشح، جاء الدستور بشروط جديدة لمنصب رئيس الجمهورية مقارنة بدستور 2014 تتمثل أساسا في الجنسية والسن والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، والتي لم يتم التنصيص عليها في القانون الانتخابي نظرا لعدم تنقيحه من قبل البرلمان لملاءمته مع المقتضيات الدستورية الجديدة واقتصر الوضع على تنزيلها صلب القرار عدد 544 لسنة 2024 الصادر عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ونصّ الفصل 89 من الدستور على أنّه يقع تقديم التّرشّح للهيئة العليا المستقلّة للانتخابات حسب الطّريقة والشّروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابيّ.
والتّرشّح لمنصب رئيس الجمهوريّة، وفق هذا الفصل، هو حقّ لكلّ تونسيّ أو تونسيّة غير حامل لجنسيّة أخرى مولود لأب وأمّ، وجدّ لأب، وجدّ لأمّ تونسيّين، وكلّهم تونسيّون دون انقطاع.
ويجب أن يكون المترشّح أو المترشّحة، يوم تقديم ترشّحه، بالغا من العمر أربعين سنة على الأقلّ ومتمتّعا بجميع حقوقه المدنيّة والسّياسيّة.
أمّا الفصل 90 فقد نصّ على أنّ انتخاب رئيس الجمهوريّة يكون لمدّة خمسة أعوام انتخابا عامّا حرّا مباشرا سرّيا خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدّة الرّئاسيّة وبالأغلبيّة المطلقة للأصوات المصرّح بها.
واشترط أن يُزكِّي المترشّحَ أو المترشّحَة عددٌ من أعضاء المجالس النّيابيّة المنتخبة أو من النّاخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابيّ.
كما نصّ على أنّه في صورة عدم حصول أيّ من المترشّحِين على الأغلبيّة المطلقة في الدّورة الأولى، تنظّم دورة ثانية خلال الأسبوعين التّاليين للإعلان عن النّتائج النّهائيّة للدّورة الأولى، ويتقدّم للدّورة الثّانية المترشّحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدّورة الأولى.
أمّا إذا توفّي أحد المترشّحِين في الدّورة الأولى أو أحد المترشّحَيْن في الدّورة الثّانية، يُعاد فتح باب التّرشّح وتُحدّد المواعيد الانتخابيّة من جديد في أجل لا يتجاوز خمسة وأربعين يوما. ولا يُعتدّ بالانسحاب لا في الدّورة الأولى ولا في الدّورة الثّانية.
وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإنّ المدّة الرّئاسيّة تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها.
ولا يجوز توليّ رئاسة الجمهوريّة لأكثر من دورتين كاملتين متّصلتين أو منفصلتين.
وفي حالة الاستقالة، تُعتبر المدّة الرّئاسيّة كاملة.
القانون الانتخابي
نصّ الدستور صراحة في فصله 89 على أن يقع تقديم الترشح للهيئة حسب الطريقة المنصوص عليها بالقانون الانتخابي مما يجعل مهمة تدقيق طريقة وشروط الترشّح موكولة صراحة إلى القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء بوصفه قانونا أساسيّا صادر عن مجلس نواب الشعب.
وتمّ تنقيح هذا القانون وإتمامه بجملة من النصوص اللاحقة، آخرها المرسوم عدد 8 لسنة 2023 وقبله المرسوم عدد 55 لسنة 2022 وكانت أبرز التنقيحات متعلقة بانتخابات مجلس نواب الشعب.
ولم تشمل التنقيحات التي طالت القانون الانتخابي شروط الترشح للانتخابات الرئاسية مما أدى إلى تعارض التشريع الانتخابي مع المقتضيات الدستورية الجديدة ودفع بهيئة الانتخابات إلى إصدار قرارها عدد 544 لسنة 2024 وفقا لمقتضيات الدستور بخصوص شروط السن والجنسية والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية.
ونصّ القانون الانتخابي على الشروط المتعلقة بالتزكية وعملية التمويل وطرقها وكيفية تقديم الترشحات وإجراءات الطعن في قرارات الهيئة .
كما نصّ على الفترة الانتخابية وعملية مراقبة الحملة الانتخابية والمبادئ المنظمة لها والدعاية .
ويشترط في المترشح لرئاسة الجمھورية التونسية أن يكون ناخبا مسجلا في سجل الناخبين وتونسيا حاملا للجنسية التونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب وأم تونسيين وجد للأب وجد للأم تونسيين وكلھم تونسيون دون انقطاع ودينه الإسلام وبالغا من العمر 40 سنة يوم تقديم ترشحه.
وتنص شروط الترشح، أيضا، على أن يكون المترشّح متمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية وألاّ يكون قد تولى منصب رئيس الجمهورية لدورتين كاملتين متتاليتين أو منفصلتين، وألاّ يكون مشمولا بأي صورة من صور الحرمان من الترشح على غرار فقدان صفة الناخب وفقدان الحق في الترشح المترتب عن الإدانة من أجل الجرائم المنصوص عليھا بالفصلين 161 جديد و163 جديد من القانون الانتخابي والفصل 30 من المجلة الجزائية.
وبالنسبة إلى التزكيات التي يجب على المترشحين جمعها يشترط تزكية المترشح للانتخابات الرئاسية من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من الناخبين المسجلين في السّجل الإنتخابي كالتالي :
10 نواب من مجلس نواب الشعب أو من المجلس الوطني للجھات والأقاليم أو من 40 من رؤساء الجماعات المحلية المنتخبة المباشرين لمھامھم في فترة قبول الترشحات وھم رؤساء المجالس المحلية أوالجھوية أو والإقليمية أو البلدية أو من عشرة آلاف ناخب موزعين على عشرة دوائر انتخابية على الأقل ويجب ألا يقل عددھم عن 500 ناخب من كل دائرة منھا.
كما يجب الإدلاء بتصريح على الشرف ممضى من المترشّح ينصّ على استيفاء كامل شروط الترشح والخلو من الموانع القانونية وصحة المعلومات المقدّمة في مطلب الترشح ويكون الإمضاء معرّفا به لدى السلط الإدارية المختصة في حالة عدم تقديم المطلب والتصريح على الشرف من المترشح شخصيا .
ويجب أن يتضمن مطلب الترشح مضمون ولادة للمترشح لم يمض على إصداره أكثر من ثلاثة أشهر ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو من جواز السفر للوكيل المالي للمترشح وممثله وكذلك بطاقة السوابق العدلية حديثة العهد ووصل ضمان قدره عشرة آلاف دينار لدى الخزينة العامة للبلاد التونسية.
ونّص القانون أيضا على أنّ الإدارات والهياكل العمومية المركزية والجهوية وخاصة البنك المركزي التونسي والوزارة مكلفة بالمالية تضع على ذمة الهيئة ما تطلبه من معطيات ووسائل وإمكانيات مادية وبشرية وجميع القواعد البيانية والمعلوماتية والإحصائيات ذات العلاقة بالعمليات الانتخابية والاستفتاء بما يساعد على حسن آداء مهامها.
ولا يمكن وفق ذات الفصل معارضة الهيئة أو محكمة المحاسبات بالسر البنكي أو السر المهني في إطار آدائها لمهامها، وتعمل مصالح رئاسة الحكومة بمناسبة الانتخابات أو الاستفتاءات على تيسير تعاون جميع الإدارات العمومية مع الهيئة.
قرارات هيئة الانتخابات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية 2024
تصدر قرارات هيئة الانتخابات عن مجلسها، في إطار سلطتها الترتيبية، لتفسير وتفصيل المقتضيات الواردة بالقانون الانتخابي.
ومن القرارات المنظمة للانتخابات الرئاسية لسنة 2024 يمكن الإشارة إلى القرار عدد 543 لسنة 2024 المتعلق برزنامة الانتخابات، الذي ضبط إجراءها يوم 6 أكتوبر القادم، والقرار عدد 544 لسنة 2024 المتعلّق بتنقيح وإتمام القرار عدد 18 لسنة 2018 المتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسية.
كما تستند الهيئة في إجرائها للانتخابات إلى القرار عدد 545 المتمّم والمنقّح للقرار عدد 8 الخاص بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء.
وبموجب هذا القرار، يتعيّن على وسائل الإعلام التقيد بمبدإ المساواة في التغطية وتخصيص نفس المدة الزمنية على مستوى البث أو التعبير لتغطية الحملة الانتخابية ونفاذ المترشحين لوسائل الإعلام السمعي والبصري.
كما نصّ على تولّي هيئة الانتخابات، التي أصبحت تتمتّع بالولاية الكاملة على الانتخابات، إشعار النيابة العمومية بكل شبهة ارتكاب جرائم لها علاقة بالانتخابات من قبل وسائل الإعلام بمختلف أصنافها طيلة الفترة الانتخابية طبقا للتشريع الجاري به العمل.
وتستند هيئة الانتخابات أيضا في إجرائها للانتخابات إلى القرار الترتيبي عدد 20 لسنة 2014 المتعلّق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية وإجراءاته وطرقه كما تمّ تنقيحه بالنصوص اللاحقة، آخرها القرار عدد 546 لسنة 2024.
ويشار إلى أنّ التشريع الانتخابي بمختلف أصنافه نصّ على أنّ الطعون المتعلّقة بالنزاع الانتخابي ترفع إلى المحكمة الإدارية للبتّ فيها على درجتين ابتدائيا واستئنافيا.