أحدثت برامج التشغيل النشيطة بهدف تحسين تشغيلية طالبي الشغل وإدماجهم في النسيج الاقتصادي، إلا أن تقييم هذه البرامج يؤكد زيغها على الهدف الأصلي الذي أحدثت من أجله، حيث أن المؤسسات تقبل على هذه البرامج المدعومة من قبل الدولة للتخفيض من كلفة العمل…
تونس- برامج التوظيف تساهم في هشاشة تشغيل الشباب |
أحدثت برامج التشغيل النشيطة بهدف تحسين تشغيلية طالبي الشغل وإدماجهم في النسيج الاقتصادي، إلا أن تقييم هذه البرامج يؤكد زيغها على الهدف الأصلي الذي أحدثت من أجله، حيث أن المؤسسات تقبل على هذه البرامج المدعومة من قبل الدولة للتخفيض من كلفة العمل.
ويضاف إلى ذلك أن هذه الآليات لا تساهم في قابلية التشغيل بل على العكس من ذلك تماما إذ أنها تساهم بالنتيجة النهائية في تهشيش تشغيل الشباب وإفقار مواطن الشغل المعروضة عليهم من محتواها المعرفي.
ومن محدودية النتائج المباشرة أيضا لهذه البرامج أنها لم تساعد على إحداث مواطن شغل نوعية تستجيب لحاملي الشهادات العليا وهو ما كرس رغبة الشاب في العمل في القطاع العمومي.
فهذه البرامج في نهاية المطاف لم تحدّ من بطالة الشباب التي ما انفكت تتراكم طيلة السنوات الأخيرة ولم تساعد على تحسين التشغيلية. فهى في نهاية الأمر تخدم المؤسسة أكثر مما تخدم المتربص.
وبخصوص التكوين التكميلي ضمن هذه البرامج فإنه لم يحقق النتائج المرجوة منه حيث لم يستفد منه من مجموع المنتفعين بهذه البرامج، إلا 2.8 بالمائة سنة 2009، و4 بالمائة سنة 2010، و1.4 بالمائة سنة 2011.
إن البرامج الموجهة إلى حاملي الشهادات العليا رغم محدودية مردوديتها الاجتماعية والاقتصادية للحدّ من بطالة الشباب الجامعي لا يمكن الاستفادة منها إلا في المناطق ذات النسيج الاقتصادي المتنوع وبالتالي ليست لها أية صبغة وظيفية في المناطق الداخلية، وهو ما يعمق التفاوت الجهوي على مستوى التشغيل.
ولم يؤد برنامج عقد التشغيل والتضامن الذي يهدف إلى الحدّ من الفوارق الجهوية وظيفته، ذلك أن هذه الفوارق على مستوى التشغيل والبطالة مازالت قائمة.
وإضافة إلى ذلك تفاقمت بطالة النساء من حاملي الشهادات العليا التي بلغت 42.2 بالمائة في نوفمبر 2011 مقابل 22.6 بالمائة للرجال من حاملي الشهادات العليا. وهذا الفارق ب20ـ نقطة يعود إلى صعوبة تنقل النساء إلى ولايات أخرى لأسباب عائلية وثقافية.
ويضاف إلى ذلك عامل أخر يتمثل في ضعف نسبة نشاط المرأة في المناطق الداخلية، ذلك أن ارتفاع البطالة في هذه الولايات وغياب آفاق التشغيل يؤدي بالمرأة إلى الانسحاب من سوق الشغل.
برامج دعم الإدماج المهني التي تكتسي مبدئيا صبغة تكميلية واستثنائية على مستوى معالجة الطلبات الخصوصية أصبحت تكتسى صبغة هيكلية بحيث تسند بصورة آلية لمختلف طالبي الشغل بصرف النظر عن درجة القيمة التسويقية للمؤهلات العلمية وبالتالي أعاقت السير الطبيعي لسوق الشغل لمفردات التشغيل المباشر دون المرور حتما بالبرامج.
كما أنّ تدخل السلط الجهوية في إعطاء أولوية الانتفاع بالبرامج لبعض الفئات دون أخرى حال دون ترشيد وتصويب هذه البرامج نحو مستحقيها.
وعطّل إقبال المؤسسات الخاصة على الانتفاع ببرامج دعم الإدماج المهني والتشغيل المباشر على غرار برنامج تكفل الدولة بنسبة من الأجور وبالمساهمات الاجتماعية المحمولة على كاهل المؤجر بعنوان الانتدابات الجديدة لحاملي شهادات التعليم العالي، كشرط أساسي لانتداب الشبان مهما كان اختصاصهم، التفاعل الآلي بين العرض والطلب في سوق الشغل.
ويشار من جهة أخرى إلى وجود نقص ملحوظ في متابعة المتربصين بالمؤسسات الاقتصادية وذلك لعدة أسباب تنظيمية ولوجستية (وسيلة نقل_موارد بشرية_سائقين).
كما دفع ضعف النسيج الاقتصادي ببعض الجهات الداخلية وضغط الطلبات بمصالح التشغيل إلى تفعيل برامج الإدماج المهني والتشغيل المباشر بصرف النظر عن طبيعة الأنشطة الاقتصادية للمؤسسات وجدوى البرامج وقدرة هذه المؤسسات على الإدماج.
وأدى عدم تحيين مصنفات المهن والأنشطة الاقتصادية للمؤسسات المعمول بها لدى الوكالة يتماشى وتطور المهن والأنشطة بالنسيج الاقتصادي إلى تدهور جودة البيانات المتعلقة بالمقارية بين العرض والطلب وبالتالي معالجة العروض بالجودة والآجال المرجوة.
أما بالنسبة لأصحاب المؤسسات يعتبر أرباب العمل فإن افتقار طالبي الشغل لأول مرة إلى الخبرة المهنية من المعوقات الأساسية للانتداب. وحيال هذا الأمر لا يمثل التربص بسنة واحدة في شكله الحالي حلا لهذه الإشكالية.
كما يعتبر أن المؤهلات العلمية التي تسندها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لا تمكنهم من معرفة المهارات والقدرات المكتسبة لحامليها، وهو ما يحدث أزمة ثقة منذ البداية بين الشاب والمؤسسة.
وحتى بالنسبة لحاملي الشهادات عند تقدمهم إلى سوق الشغل يجدون صعوبة في تسويق مؤهلاتهم حيث يقتصرون على تقديم محتويات الدروس فقط دون القدرة على التعبير عن المهارات المكتسبة.
|
مريم التايب |