السؤال المحوري الذي يتناوله كل المتابعين للشأن السياسي التونسي اليوم يتمحور حول تقييم تجربة الحركة الإسلامية في تونس منذ الانتخابات التي أوصلت حركة النهضة للحكم في أكتوبر 2011… ومما يزيد من إلحاح السؤال هو الكمّ الهائل من الأخطاء السياسية والتكتيكية وحتى الإستراتيجية التي تتخبط فيها المجموعة…
|
السؤال المحوري الذي يتناوله كل المتابعين للشأن السياسي التونسي اليوم يتمحور حول تقييم تجربة الحركة الإسلامية في تونس منذ الانتخابات التي أوصلت حركة النهضة للحكم في أكتوبر 2011… ومما يزيد من إلحاح السؤال هو الكمّ الهائل من الأخطاء السياسية والتكتيكية وحتى الإستراتيجية التي تتخبط فيها المجموعة الحاكمة في تونس بمكوناتها الثلاث أي بحزبي المؤتمر والتكتل علاوة على حركة النهضة؟ ويحاول كل المتابعين للشأن السياسي معرفة مدى تأثير الأداء الحكومي المتعثر والسلبي على نوايا التصويت غدا في انتخابات برلمانية لا شك قادمة في ربيع أو صيف 2013 ؟ ولا يطرح هذا السؤال من قبل المناوئين للثلاثي الحاكم أو المعارضين للإسلاميين فحسب ولكنه السؤال المؤرق أيضا لليالي الشيخ راشد الغنوشي وأتباعه ولحركة النهضة جميعا كما أنه السؤال الذي تطرحه كل وكالات المخابرات على عملائها في المنطقة وتتحرق الممثليات الدبلوماسية لمعرفة البعض من الجواب عليه.. وينقسم الشارع التونسي اليوم إلى أكثر من جزء حسب الموقف من النهضاويين الذين تحملوا أعباء الحكم دون سابق دراسة ولا معرفة حقيقية بالتونسي وخلفياته وهم يكتشفون كل يوم وجوها جديدة فيه منها ما خبروه ومنها ما جهلوه…وها نحن نرى خلال أسبوع واحد وانطلاقا من يوم الأحد في القيروان وما شهدناه من اعتداء على عبد الفتاح مورو عدة لقطات تلخص الوضعية الصعبة التي بلغها الثالوث الحاكم في أذهان التونسيين عموما… فبالرغم من اختفائهم التكتيكي منذ مدة لا يزال السلفيون وكيفية التعامل معهم التي اتسمت بالتواطؤ الصريح لغايات انتخابية صرفة تميز حكم جل المناوئين لحركة الغنوشي خاصة عندما تظهر "الاختلافات" حتى بين السلفيين والنهضاويين أنفسهم مثلما جرب ذلك مورو بعد دفاعه عنهم ومثلما جرب ذلك نهضويون آخرون اختلفوا مع السلفيين في غار الدماء حول طرق الصلاة فباتوا في المستشفى… وفي الأثناء وفي مقابل التسيّب الواضح مع السلفيين يلاحظ كل المتابعين التشدّد العنيف في التعامل مع النقابيين في صفاقس وخاصّة الاستعمال المفرط للقوة في سيدي بوزيد التي تكرس بغليانها اليومي ثورتها الكلية ضدّ حكم النهضة وجماعتها تحت أي شكل من الأشكال… وفي الوقت الذي بلغنا فيه الشهر الثامن من السنة لم تستطع الحكومة "الشرعية" إلى حد الساعة في البدء بتنفيذ برنامجها التكميلي الذي أخذت تفويضا به من التأسيسي وبالتالي فإن المعطلين عن العمل والجهات والفئات المحرومة وهم كانوا الوقود الحقيقي للثورة يوم 14 جانفي لم يتمكنوا من الحصول على ذرة أمل واحدة مثلهم في ذلك مثل أغلب شهداء وجرحى الثورة الذين نوفي بعضهم قبل أن تتمكن الإدارة من الوصول إليه… وإن أردنا المزيد من التشاؤم فإننا سنذكر الوضع الاقتصادي الصعب والتضخم المستفحل وعجز الميزانية المتفاقم وانزلاق الدينار وارتفاع الأسعار وتواصل عدم استتباب الأمن في بعض المناطق الصناعية وغير الصناعية، مما أدى بوزارة الصناعة مؤخرا إلى التنبيه إلى الوضعية السلبية للاستثمار في بعض الجهات… الملاحظون لكل هذا ينبرون للقول أن الشعب التونسي لن يصوت مرة أخرى للنهضة ولا يمكن أن "يلدغ التونسي من جحره مرتين" وحتى وإن استطاعت حركة النهضة الاحتفاظ بمركزها الأول في الساحة السياسية فإنها لن تتمكن من التغوّل غدا في المجلس البرلماني مثلما فعلت في التأسيسي… ومن جهة أخرى، يقرّ المراقبون أيضا بتوفر مخزون انتخابي مهم للحركة الإسلامية بالرغم عن سلبية تجربتها في الحكم ويعتبر البعض أن مناصري الإسلاميين كثر في تونس وليسوا بالضرورة من المناضلين الذين يبقى لعددهم الكبير ولالتزامهم الحزبي المنظم الدور الكبير في انتشار الحركة في كل أنحاء البلاد بكل السرعة والنجاعة المرجوة… ويرى المحللون السياسيون أن السواد الأعظم الذي يناصر الحركة الإسلامية ويقويها متأت من طبقات مختلطة ومحافظة كانت تشعر بالقهر الكامل في عهد بن علي ولم يكن أمامها إلا الاصطفاف مع التجمّع بكل خنوع وهي التي تستعيد ذواتها وإحساسها بالحرية بمناصرة النهضة "مهما كان الثمن"… ولربما قصد المفكر الفرنسي المختص في إسلاميي المغرب العربي جيل كيبال (Gilles Kepel ) هذه الطبقة التي قال عنها أنها يمكن أن تؤدي بالنهضة إلى التحول إلى تجمع جديد بمظهر إسلاموي وبفحوى لا تختلف كثيرا عن حزب بن علي القديم … ويرى أصحاب هذا الرأي أن توفر القاعدة الانتخابية المنضبطة وتوفر المخزون الانتخابي سهل الاستقطاب إضافة إلى تغلغل الحركة الإسلامية كل يوم أعمق في جسم الإدارة التونسية سوف يمكن النهضة من الفوز بالانتخابات "بحلالها وحرامها" كما يقول المثل التونسي … أي بالصندوق أو بالتزوير إن لزم الأمر… وهذا ما ستفصح عنه قادمات الأيام؟؟
|
علي العيدي بن منصور |