بعد أكثر من 18 شهرا عن اندلاع الثورة في تونس ضدّ الفساد والإقصاء والتهميش وما رافقها من مخاض عسير عرفت خلاله البلاد العديد من المنعرجات والهزات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يرى ملاحظون أن هذه التحوّلات كانت أساسية بعد كل ثورة حتى يتسنى لكل القوى الحية بالبلاد أن تفهم بعضها البعض وتتوافق على جملة من المبادئ والمسارات
لمصلحة من إغراق تونس في الأزمات؟ |
بعد أكثر من 18 شهرا عن اندلاع الثورة في تونس ضدّ الفساد والإقصاء والتهميش وما رافقها من مخاض عسير عرفت خلاله البلاد العديد من المنعرجات والهزات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يرى ملاحظون أن هذه التحوّلات كانت أساسية بعد كل ثورة حتى يتسنى لكل القوى الحية بالبلاد أن تفهم بعضها البعض وتتوافق على جملة من المبادئ والمسارات.
وقد تُوّجت المرحلة الأولى من الانتقال الديمقراطي بنجاح باهر بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي . وساد الاعتقاد أن المجلس "الموقّر" سيساهم من موقعه في التأسيس لواقع جديد للبلاد قوامه التوافق وبناء مؤسسات الدولة بطرق أكثر ديمقراطية وجدية، غير أن العكس بعدما تحوّل المجلس إلى حلبة صراع بين مختلف الكتل والأحزاب .
وبعد الانتخابات الماضية، زادت حدّة التوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتدهورت المقدرة الشرائية للطبقتين الضعيفة والمتوسطة لتغرق البلاد في طور جديد من الأزمات و المطالب الاجتماعية وعودة الاحتجاجات في العديد من جهات البلاد بما جعل العديد من المحللين السياسيين يرون أن البلاد تعود بالوراء بحصول انتكاسة وشرخ كبير بين الحكومة والمجلس التأسيسي والشعب التونسي الذي ملّ الوعود إلى درجة إحساسه بالاستغراب في وطنه وفقدان الثقة في الساسة الذين يلقون من حين لآخر "بقنبلة موقوتة" من خلال تصريحاتهم أو اعتزامهم تنفيذ أمر جديد يثير جدلا سياسيا واسع لنطاق يوغل البلاد في مسائل هي في غنى عنها .
آخر هذه التوترات انتفاضة بعض الجهات التي لا تزال تعاني من مظاهر الإقصاء والتهميش وغياب المشاريع الاقتصادية الجدية ذات القدرة التشغيلية على غرار ولايات القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وما حصل في الأسابيع الأخيرة من حركات احتجاجية .
وتواصلت الأزمات بتعطل صرف أجور عمال الحضائر لأكثر من شهرين في ظرف حساس بالنسبة إليهم وعدن إعلامهم بتأخير صرف الأجور علاوة على أزمة النظافة التي تتخبط فيها البلاد وتدهور مؤشرات النظافة والعناية بالبيئة والمحيط ووصولا إل أزمة مستشفى الهادي شاكر بصفاقس وما ترتب عنها من صراع جديد وخفي بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل .
على المستوى الاقتصادي أكدت مختلف المؤسسات الدولية على ضرورة اتخاذ الحكومة الحالية لجملة من الإصلاحات الهيكلية العاجلة لتحسين الوضعية الاقتصادية الإجمالية للبلاد ودفع التشعيل واستحثاث نسق الاستثمار الخاص لا سيما في المناطق الداخلية والتقليص من الفوارق بين الجهات .
أما على المستوى السياسي والتشريعي تفاجئ الرأي العام الوطني في الأيام القليلة الماضية باعتزام لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي اعتبار المرأة عنصرا مُكمّلا للرجل عند صياغة الدستور الجديد للبلاد وهو ما أثار جدلا واسع النطاق لا سيما من الجمعيات النسوية والحقوقيين والمعارضة وشق كبير من المجتمع التونسي التي اعتبرت هذه المسألة تقليلا من شأن المرأة التونسية ورجوعا بها إلى منازل متدنية .
كان من المفروض أن تتقلص درجة الاحتقان الاجتماعي وعدم السقوط في أخطاء سياسية فادحة بعد مرور 18 شهرا على الثورة وأن تعكف كل مكونات البلاد على البناء والتأسيس لواقع جديد والانصراف إلى العمل وخدمة المصلحة العليا للبلاد، غير أن العكس هو الذي حصل لتسقط البلاد في موجة كبيرة من الأزمات السياسية والاجتماعية من شأنها أن تعطّل استكمال المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي بصياغة دستور توافقي وتنظيم انتخابات جديدة تشرف عليها لجنة محايدة ومستقلة ماليا واداريا، لكن للأسف هناك قوى مضادة للثورة تشدّ إلى الوراء ولا تريد المرور إلى المرحلة الانتقالية الثالثة إلاّ بعد تمرير أجندتها السياسية ! |
مهدي الزغلامي
|