لم يكن مقترح حركة النهضة حول الفصل 28 من الدستور الجديد الخطوة النهضوية الوحيدة التى اثارت جدلا واسعا في تونس منذ توليها الحكم في البلاد فقد سبقتها خطوات سلبية اججت مشاعر التونسيين وساهمت في بث الفتنة وتفرقة المجتمع التونسي
حركة النهضة تسعى إلى إجهاض المسار الديمقراطي؟ |
لم يكن مقترح حركة النهضة حول الفصل 28 من الدستور الجديد، الذي يعتبر المرأة مكمّلة للرجل، الخطوة الوحيدة التي أثارت جدلا واسعا في تونس منذ توليها الحكم في البلاد، فقد سبقتها خطوات سلبية أجّجت مشاعر التونسيين وساهمت في بثّ الفتنة وتفرقة المجتمع التونسي.
فحركة النهضة التي اعتمدت في أجندتها السياسية على ازدواجية الخطاب (المعلن والخفي) سعت منذ حصولها على التأشيرة بعد الثورة إلى إثارة مواضيع حساسة بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة.
وكانت البداية مع الحملة التي شنّت ضدّ العلمانية عبر تشويه هذا المفهوم الذي يعد الركيزة الأساسية في الأنظمة الديمقراطية في العالم. وقد وصف مناصرو الحركة في مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ العلمانية إلحاد وهاجمت المنافسين الحداثيين حتى بلغ الأمر إلى تكفيرهم والدعوة إلى هدر دمهم فكانت انطلاقة شرارة الفتنة التي شوّهت المشهد السياسي، مما أثر سلبا على المسار الديمقراطي وعلى الفترة الانتقالية الثانية.
ورغم التزامها باحترام مدنية الدولة التونسية في القانون الخاص بالأحزاب فإن قيادات حركة النهضة وعلى رأسها رئيسها راشد الغنوشي مارسوا خطابا ازدواجيا لم يخف نوايا حقيقية بإرساء نظام يقترن فيه الدين بالدولة.
فقد حاولت الحركة تمرير مقترح في الفصل الأول من الدستور ينصّ على تطبيق الشريعة الإسلامية في تونس دون تحديد دقيق لمعاني الشريعة ولأصولها في ظلّ تعدّد المدارس الفقهية وفوضى الفتاوى التي تشهدها المنطقة العربية.
وقد أثارت هذه الخطوة جدلا واسعا في تونس وأثارت تخوفات من إرساء دكتاتورية جديدة تأخذ من الإسلام مطية، قبل أن تتراجع النهضة عن قرارها بعد ضغوطات من قبل حزبي التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية شريكاها في الائتلاف الحاكم.
كما مارست حركة النهضة دائما باستخدام مناصرين لها سرعان ما تتبرأ منهم ضغوطات كبيرة على الإعلام سيما العمومي منه وتجاهلت النقابة الوطنية للصحفيين الممثل النقابي الوحيد للصحفيين علاوة على رواج أخبار عن وقوف الحركة وراء اعتصام التلفزة التونسية الشهير.
وقد خلّف موقف النهضة من الإعلام مخاوف لدى أهل المهنة وعدد كبير من المواطنين من نواياها لتدجين الإعلام لخدمة مصالحها أسوة بالنظام السابق، سيما بعد تعيين مديرين بالمؤسسات العمومية الكبرى وعدم تفعيلها للمرسومين 115 و116 وتنقيح مجلة الصحافة باعتبارها صاحبة الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي.
كما تسعى كتلة النهضة في المجلس التأسيسي إلى كتابة دستور جديد يهدف إلى الحدّ من حرية الإعلام والتعبير بتعلة الأخلاق الحميدة والمسّ من النظام العام لتفتح المجال إلى تسلط الحاكم على الصحفيين والمبدعين باستخدام الدستور الذي يعد أعلى سلطة قانونية في البلاد.
أما القضاء السلطة التي يطالب المتدخلين فيها بإرساء استقلاليتها على أرض الواقع فقد حاولت حركة النهضة في المجلس التأسيسي حذف عبارة "مستقلة" من مشروع القانون المتعلق بإحداث هيئة وقتية للقضاء، مما أثار جدلا في التأسيسي إذ وجه نواب من المعارضة ومن الترويكا انتقادات حادة للحركة بخصوص نواياها من وضعية القضاء التونسي.
ويعدّ القضاء المستقل ركيزة أساسية في الديمقراطيات في العالم فهو يضطلع بدور هام جدا في الحفاظ على المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة بالإضافة إلى حماية حقوق الإنسان والحريات في المعتقد والتعبير والاستقلال التام عن السلطة التنفيذية (الحكومة).
أمّا الهيئة المستقلة للانتخابات فلم يحسم أمرها بعد، إذ تسعى الحركة من خلال تمثيليتها في المجلس التأسيسي إلى السيطرة على مختلف المحاور المتعلقة بهذه الهيئة سواء من ناحية اختيار أعضاءها أو التسيير الإداري والمالي.
وكان مقترح وزارة العدل بخصوص هذه الهيئة منحازا إلى المحاصصة الحزبية الضيقة، مما أثار استياء في صفوف عدد من أساتذة القانون الدستوري والحقوقيين وفي صفوف المعارضة التي عبرت عن رفضها لمشروع القانون الحكومي الذي يعد ثاني مقترح بعد مشروع الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الانسان.
أما بالنسبة لمقترح الحركة بخصوص الفصل 28 من الدستور الجديد والذي يعتبر أن المراة التونسية هي مكملة للرجل فقد ووجه بحملة استنكار واسعة في صفحات التواصل الاجتماعي تضامنت مع المرأة التونسية علاوة على تنظيم مسيرة ليلية حاشدة، مساء الإثنين 13 أوت 2012، بالعاصمة لمطالبة حركة النهضة بسحب مقترحها. |
مريم التايب
|