شهدت جلّ القطاعات في تونس بعد الثورة العديد من التطورات والتغيرات في التصورات والمفاهيم وبالخصوص نقلة ملحوظة في التعاطي مع العديد من الملفات في اتجاه القطع مع ممارسات العهد البائد والتخلص من العادات البالية التي طبعت المسيرين وأصحاب القرار على عدة مستويات…
الثورة لم تشمل الإدارة التونسية وتدني كبير في الأداء |
شهدت جلّ القطاعات في تونس بعد الثورة العديد من التطورات والتغيرات في التصورات والمفاهيم وبالخصوص نقلة ملحوظة في التعاطي مع العديد من الملفات في اتجاه القطع مع ممارسات العهد البائد والتخلص من العادات البالية التي طبعت المسيرين وأصحاب القرار على عدة مستويات.
ولئن تمّ تسجيل تطور إيجابي في أغلب المجالات والميادين، فإنّ قطاعا استراتيجيا وعلى غاية من الأهمية المحورية لم تشمله الثورة وظلّ قابعا في ممارسات العهد البائد ولم يساير التغيرات الجذرية لتي يشهدها المجتمع التونسي ونعني به الإدارة التونسية التي لم تواكب المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس.
لقد أجمع أغلب المواطنين والأطراف الاقتصادية على أن الإدارة التونسية لم تبلغها الثورة وحافظت على نفس الممارسات والتقاليد السلبية في التعاطي مع مشاغل المواطنين و حل الإشكاليات البسيطة التي لا تتطلب اجتهادا كبيرا لحلها وتصريف شؤون المواطنين.
التعامل اليومي مع الإدارة التونسية في هذا الظرف الانتقالي يكاد يكون عبارة عن "جحيم" على عديد الأوجه والأصعدة انطلاقا من سلوك بعض الموظفين في الاستخفاف بنفاذ صبر المواطنين ورواد المصالح الإدارية العمومية بعدم احترام التوقيت الإداري وتعمّد دخولهم إلى مصالحهم بتأخير ملحوظ ومرورا بعدم المبالاة في الحرص على قضاء شؤون المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين بالنجاعة والسرعة المطلوبتين في مثل هذا الظرف ووصولا خاصة إلى "التعنّت" في التقليص من الوثائق الإدارية وتشبب المصالح العمومية.
إجمالا المصالحة بين التونسي وإدارته بعد الثورة لم تتم وظلت القطيعة والتباعد في وجهات النظر وأن الانطباع نفسه أن شيئا لم يتغيّر إلى حدّ الآن، فهل من المعقول أن يتطلّب استخراج بطاقة عدد 3 وبطاقة تعريف وطنية أكثر من 20 يوما واستخراج جواز سفر أكثر من شهر؟؟؟
الأمثلة عن تواصل التعطيل الإداري والتباطؤ الحاصل في قضاء شؤون المواطنين عديدة ويصعب حصرها وتعدادها على مستوى استخراج وثائق الحالة المدنية والوثائق الإدارية المتصلة بتسجيل العقود بمختلف أشكالها بالإضافة إلى إشكاليات الحصول على القروض البنكية…
ومن المفارقات الغريبة أن الحكومة المؤقتة أقرّت برنامجا لدعم النشاط الاقتصادي من سنّ ترسانة من الإجراءات المُحفّزة على استعادة نسق الاستثمار الخاصّ ودفع التشغيل وتطوير مناخ الأعمال وتم تنظيم العديد من الندوات واللقاءات الدورية للتعريف بهذا البرنامج على أوسع نطاق، غير أنّ المتأمل في هذا البرنامج أنه لم يأخذ في الاعتبار الإصلاح الإداري الذي يظل في اعتقادنا أحد ركائز برنامج الإصلاح الاقتصادي.
إنّ تطوير مناخ الأعمال في تونس الجديدة يمرّ حتما عبر تركيز إدارة تواكب التحولات وتقطع جذريا مع الماضي والدخول في مرحلة قوامها المصالحة مع المواطن ورجال الأعمال واعتماد عقلية وسلوك جديدين من منطلق أن التحلّي بالوطنية الصادقة في مثل هذا الظرف، يقتضي من الموظفين المبادرة بالاقتراب كثر من المواطنين والالتصاق بمشاغلهم والعمل على تذليل الصعوبات.
في الوقت الذي فتحت فيه الحكومة المؤقتة العديد من الملفات و"الحظائر" في كل الاتجاهات، لم يقع إلى حدّ الآن الإعلان عن برنامج جديد للإصلاح الإداري في تونس!!!
الثابت أن التوقيت الإداري الجديد من خلال إقرار أسبوع عمل بخمسة أيام بدأ يكشف عن جملة من النقائص والمحدودية سرعان ما تفطنت إليه الحكومة من خلال صدور البلاغات بإقرار حصص استمرار في بعض المصالح الإدارية ذات العلاقة المباشرة بمصالح المواطن وآخرها بلاغ وزارة المالية بإقرار حصص تناوب في مصالح القباضات المالية يوم السبت لنصف يوم سعيا منها إلى تيسير قضاء شؤون المواطنين ومن قبلها اعتمدت مصالح البريد التونسي حصص استمرار يوم السبت لتفادي الإشكاليات التي فد تحصل من غلق مصالح البريد كامل يوم السبت والأحد.
للتذكير بعض الدول وخاصة دول جنوب شرق آسيا قامت بتجارب ناجحة جدا في التعامل الإداري من خلال إقرار حصص استمرار في العمل يوم العطلة الأسبوعية أي يوم الأحد علاوة على اعتماد توقيت مرن في التوقيت الإداري عبر الإبقاء على بعض المصالح الإدارية تعمل في الليل لتيسير قضاء مصالح المواطنين مع تمتيع الموظفين بحوافز مالية هامة فضلا عن أن دخولهم إلى الإدارة يكون متأخرا نسبيا حتى يتسنى لهم العمل في الليل!!!
|
مهدي الزغلامي |