ما هو شعور السيدات والسادة واضعي مسودات القوانين التي تتعلق بأخلاق المجتمع؟ كيف كان إحساس المشرعين وهم يوافقون على قوانين يذهب الظن لديهم أنها ستكون كفيلة بحماية المجتمع مما يعتقدون أنها أخلاق فاسدة؟…
لا دخل للمشرّع في أخلاق المجتمع |
ما هو شعور السيدات والسادة واضعي مسودات القوانين التي تتعلق بأخلاق المجتمع؟ كيف كان إحساس المشرعين وهم يوافقون على قوانين يذهب الظن لديهم أنها ستكون كفيلة بحماية المجتمع مما يعتقدون أنها أخلاق فاسدة؟
لا أحد يعلم شيئا عن أخلاق واضعي تلك القوانين. فربما أخلاقهم لا تقل وضاعة عما هم يدعون لفظه أو درءه. ولكن لا شك أنه لا أحد منحهم صلاحية تحديد أخلاق المجتمع وتسطير مجال قيمه ومبادئه.
القوانين التونسية هي قوانين وضعية، أي يسنها آدميين يفوضهم السكان لتنظيم نسق حياتهم. ولا تستمد قوانيننا من مصادر لاهوتية أو غيبية. وهؤلاء الأدميين يحتمل موقفهم الخطأ كما يمكن أن يكون صائبا.
ومن هذا المنطلق، فإن من فوّضهم من الناس الأهلية من أجل وضع التشريعات الملائمة لضمان سلامة حياة وأمن وممتلكات الناس، لم يدر في خلدهم أنهم سيمكنونهم من صلاحية التصرف في نمط حياتهم أو التدخل في شكل عيشهم.
فعندما نتحدث عن أخلاق مجتمع معين فإننا نتساءل عن ماهية تلك الأخلاق. يُقال إنها عادة هي عدد من التصرفات والسلوكيات والأقوال التي درج على استعمالها مجموعة أفراد، وتلك الأخرى يدعون إلى تفاديها ومعاقبة مرتكبيها. ويطرح السؤال هنا: من هي تلك الجهة التي ستتكفل بصياغة منظومة القيم الواجب إتباعها؟
في السابق، كانت المرجعيات اللاهوتية من مختلف الديانات السماوية أو الأرضية هي التي تحتكر هذه الوظيفة. لكن، مع انتشار الفكر العقلاني، انحسر دور هؤلاء في وظائف محددة تختلف حسب هوية تلك الأديان، وأيضا حسب مكانة الدين في مجتمع معين. وليس هنا المجال للتعمق فيها.
اليوم بعد تراجع مكانة رجال اللاهوت على حساب هياكل استنبطها البشر على ضوء حاجاتهم المتسارعة، عُهد لمؤسسات مدنية مهمة ضبط مربع الأخلاق وفق تأويلات أيضا تنبع من وعي المجموعة البشرية.
وتدريجيا، أصبحت المؤسسة التشريعية هي التي تحتكر عملية تشريع النظم الأخلاقية، ووضع سلم العقوبات التي تنزل على كل من يتجاوزها. ويبقى المشرّع في غالب الأحيان متأثرا بالمناخ الاجتماعي، وخاضعا لأهواء التيارات الفكرية السائدة فيه، عدى بعض الحالات الاستثنائية التي يتقدم فيها المشرع على مستوى وعي الناس فيفرض عليهم سلوكيات أخلاقية مغايرة لما هو رائج ومعتاد عليه.
ولكن في جميع الحالات، يظل واضعو القوانين مجرد بشر قد لا تحتمل القوانين والتشريعات التي يضعونها صوابا يصب في مصلحة المجتمع. فالقانون الذي تتكفل سلطة معينة بضمان تطبيقه هو في الأصل يهدف إلى حماية مصالح المجتمع وأمنه وممتلكات أعضائه. ولا دخل للقانون في تحديد نمط حياة أفراد المجتمع ولا في سلوكهم ولا في معتقداتهم ولا في أفكارهم. فالفرد هو حر في أخلاقه ما لم يعمل على محاولة فرضها بالقوة على الغير.
وإذا سُحب من مشرع مهمة تسطير أخلاق المجتمع وشكل سلوكه، وعهد إلى ذلك إلى الوعي الذاتي للفرد فإن أحد بروز الاستبداد وقع قطعها من دبرها. فأصل الطغيان ينبع من أهواء أصحاب السلطة في التحكم في نسق حياة المحكومين.
والتدخل في أخلاق المجتمع لتشكيلها يُعد غاية كل مستبد قصد المحافظة على مصالح وإدامة حكمه. والأخلاق "الجيدة" من منظوره هي تلك التي لا تتضارب مع طموحه في مزيد الحفاظ على مكانته.
والمجتمع الحر والمفتوح الذي يتحول فيه المشرّع إلى وظيفة مقيدة للسهر على حماية كل فرد في صلب المجتمع لا مناص أن يقتلع من ذهنه "الدور الأخلاقوي" الذي يصطنع القيام به، بما يكفل للتونسيين العيش فعلا بكل حرية وأمان.
|
سفيان الشورابي (صحافي) |