شهدت الجلسات العامة للمجلس الوطني التأسيسي الخاصة بمناقشة مسودة توطئة الدستور نقاشات حادة بين أعضاء المجلس بسبب الاختلافات حول عدد من النقاط الواردة في هذه التوطئة على غرار التنصيص الواضح على مناهضة التطبيع مع إسرائيل وتطابق التوطئة مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان وإدراج مدنية الدولة ضمن هذه التوطئة…
تونس: قراءة في مسودة توطئة الدستور والخلافات حولها |
شهدت الجلسات العامة للمجلس الوطني التأسيسي الخاصة بمناقشة مسودة توطئة الدستور نقاشات حادة بين أعضاء المجلس بسبب الاختلافات حول عدد من النقاط الواردة في هذه التوطئة على غرار التنصيص الواضح على مناهضة التطبيع مع إسرائيل وتطابق التوطئة مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان وإدراج مدنية الدولة ضمن هذه التوطئة.
ولعل النقاشات حول التوطئة تعود بنا إلى الأذهان الجدل الذي شهده المجلس التأسيسي بخصوص مسالة التنصيص على تطبيق الشريعة في الفصل الأول من الدستور والتنصيص على الحريات دون تقييد.
الجدل عاد بقوة وبدا أنّ لدى النواب عدة تحفظات على الصيغ المقترحة في مسودة الدستور، حول الألفاظ التي وصفها البعض بالفضفاضة أو المغرقة في التعميم وكأنّ أعمال اللجان التي يفترض أن تفضي إلى توافق حول مختلف فصول الدستور صارت بلا جدوى بما أنّ وقتا طويلا سيستغرقه النقاش في هذه المسائل في الجلسات العامة، وما يتبعه ذلك من تحويرات وتعديلات منتظرة من جانب الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة.
وقال النائب في المجلس التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية سمير الطيب إنّ حركة "النهضة" هي السبب في عودة هذا الجدل، وهي التي بدأت بالحديث عن الشريعة حيث أضاع المجلس أسابيع طويلة والساحة السياسية منشغلة بهذا الموضوع قبل أن تحسمه الحركة ذاتها، واعتبر الطيب أن "النهضة" تعمل بهذا "التكتيك" لربح الوقت وفرض مواقفها وتصوراتها على المجلس.
وقال النائب هشام حسني إنّ "بعض المفاهيم الواردة في توطئة الدستور تحيل مباشرة على الشريعة الإسلامية" واعتبر أن "مسودة الدستور تؤسس لدولة دينية" وأن "الحكومة بدأت تؤسس لها من خلال المدارس الدينية والبنوك الإسلامية"، حسب تعبيره.
من جهته أكد النائب في المجلس التأسيسي عن حركة "النهضة" الصادق شورو أنّ "الدولة المدنية كما نفهمها في حركة النهضة هي الدولة القائمة على مبادئ فكرية إسلامية وقائمة على أساس بناء الدولة على مؤسسات سياسية لها جملة من الخصائص منها الشورى والعدل و الحرية وكرامة الناس وهذه مبادئ كونية".
أما الخبراء في القانون الدستوري فكان لهم آراء في توطئة الدستور فقد اعتبر الأستاذ في القانون الدستوري الصادق بلعيد أن التوطئة لم تراع مسألتي كيفية الموافقة على الدستور وكيفية مراجعته وبأنه لا يعكس توازنا في بعض النقاط المتعلقة أساسا بالقيم الكبرى للديمقراطية والمتمثلة في مبادئ الحريات الشخصية والمساواة.
كما انتقد أستاذ القانون الدستوري عدم تشريك الأقليات العرقية في نص التوطئة إلى جانب تجاهله للمسائل المتعلقة بتنظيم السلط. و اعتبر أن الدستور مكلف بوضع حريات وحقوق يقع على أساسها تنظيم السلط. وأكد على أن التوطئة لم تراع مسألتين مهمتين وهما كيفية الموافقة على الدستور وكيفيّة مراجعته.
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد أن بعض الإشارات التي تستحق التوضيح والمتعلقة بالكشف الحضاري الإنساني العام والمكاسب الوطنية. وتساءل عن المقصود بهذا الكشف وبهذه المكاسب.
وقال انه وان كانت التوطئة لا تحتوي على قواعد قانونية، إلا انه يجب أن تبين المقاصد بوضوح ويمكن للقضاء بمختلف أصنافه في المستقبل أن يعتمدها لتوصيل جملة من الحلول.
وأضاف بان نص التوطئة يعتبر طويلا نسبيا فقد كان يمكن الاكتفاء بجملة من القيم الواضحة التي تمثل القاسم المشترك بين الجميع على غرار الحرية و العدل إلى جانب التأكيد على المبادئ الأساسية التي يجب أن يقوم وهما سيادة الشعب و التوازن بين السلط.
غازي الغرايري الأمين العام للأكاديمية الدولية للقانون فقد انتقد تغييب لفترة الاستقلال في توطئة الدستور وقال على صفحته الرسمية في الفايسبوك : قفز على نصف قرن من تاريخ البلاد من حيث تأسيس دولة وطنية حديثة وما حققته من بناء مؤسسات الدولة، نشر التعليم الصحة وحقوق المرأة.
وأضاف بان هذا يدل على رغبة في تحريف تاريخ البلاد التونسية والحقد العميق الذي تكنه حركة النهضة لمؤسس دولة الإستقلال الزعيم الحبيب بورڨيبة الذي لم تذكره بشيء في توطئة الدستور.
من جهته، عبر الأستاذ في القانون الدستوري امين محفوظ عن أسفه في أن الدستور عمل بشري غايته ضمان الحقوق والحريات وحسن تنظيم السلط بطريقة تمنع الاستبداد، مشيرا إلى أن حشر المرجعية الدينية يفقد الدستور مدلوله ويمهد حتما إلى الاستبداد.
واعتبر أن معركة الشريعة سوف تطفو على السطح من جديد. إنها ورقة من ورقات التأخير الناجعة.
|
مريم التايب |