وجهت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة رسالة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بعنوان “من أم زياد لراشد الغنوشي: دع وطني يتنفس”، ودعته فيها إلى أن يلتزم بموقعه كرئيس حزب والكف على رفض نفسه على الدولة…
نزيهة رجيبة لراشد الغنوشي: “دع وطني يتنفس” |
وجهت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة رسالة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بعنوان "من أم زياد لراشد الغنوشي: دع وطني يتنفس"، ودعته فيها إلى أن يلتزم بموقعه كرئيس حزب والكف على رفض نفسه على الدولة.
وفي ما يلي نص الرسالة:
أعرف من الرسائل المفتوحة الموجهة إليك واحدة بقيت عالقة في ذهني بينما نسيها أغلب الناس أو لم يطلعوا عليها. هذه الرسالة كان توجّه بها إليك المأسوف على شبابه شهيد الحرّية بحق زهير اليحياوي رائد المقاومة الالكترونية الذي لاحقه بن علي ولاحق عائلته ثم سجنه سجنا قاسيا عجّل بمماته. لقد توجّه إليك زهير برسالته باعتبارك كبير «النهضة» ومالك أمرها تأمر فتطاع أوامرك فدعاك إلى اتخاذ موقف شجاع والعودة إلى تونس أنت ومن معك لتقاوموا النظام من الداخل مع ما يقتضيه ذلك من استعداد للمتاعب والتضحيات. وقد رددت على رسالة زهير تلك ردّا في منتهى اللطف والحنو والتفهّم… وكذلك في منتهى المراوغة وعدم الاقناع.
اليوم وبعد أن عدت إلى تونس ـ بحمد الله ـ سالما غانما وبعد أن صار حزبك قانونيا يعقد المؤتمرات وينتخب قياداته ويشارك في الانتخابات الوطنية ويفوز فيها، لم تتغيّر الصورة ولم تتوزّع المسؤولية كما يقتضيه الوضع الديمقراطي بل ظللت كما كنت كبير النهضة ومالك أمرها وزدت على ذلك فصرت ـ في غفلة منّا جميعا ـ كبير تونس ومالك أمرها. لم يكن مستغربا، والحال هذه أن تتهاطل عليك الرسائل المفتوحة وعلى أهلك كما لو كنت ملكا لهذه البلاد وليس مجرّد رئيس حزب فيها.
بعض هذه الرسائل أخطأ العنوان، في تقديري، وتوجّه إلى ابنتك التي طغت وتجبّرت وكان أحرى أن يتوجّه إليك أنت باعتبارك الأصل بينما ابنتك الفرع وباعتبار طغيان وجبروت هذه الابنة المدللة إنما هو مستمدّ منك ومستوحى من طغيانك وجبروتك.
بعض الرسائل الأخرى توجهت إليك رأسا ولكن على نحو لم يرق لي شخصيا لأن فيه إقرارا بأنك شيخ قبيلة التوانسة والمتحكّم في مصيرهم ولأن فيه جنوحا إلى استعطافك والتوسّل إليك حتى تخفف خناقك عن تونس وحتى تدعها تتنفّس. رسالتي هذه قد تكون مختلفة بعض الشيء لأنها لا تتوجّه إليك باعتبارك حاكما لتونس مقبولا بحكمه معترفا بسيادته بل باعتبارك دخيلا على هذا الحكم والمسؤول الأول عن التعكرات التي طرأت على تونس منذ الانتخابات والمستمرّة إلى حدّ الآن بل المتفاقمة.
لماذا يعتبرك الناس الحاكم الفعلي لتونس؟ أنت تصرّح بأن في هذا الموقف ظلما لك واستهدافا لحزبك وتقول إنّ من يركزون انتقادهم عليك ويعتبرون أن النهضة هي الغنوشي إنما هم «خاطئون» و«صبيانيون» وأشرار يرمون إلى تدمير «النهضة» بتدمير رمزها.
كلام «حلو» ولكن الواقع يفنّده، والناس ليسوا عميانا يا أخ راشد:
ـ إنك تظهر في المناسبات الرسمية أكثر ممّا يحقّ لك دونا عن سائر قادة الأحزاب وإنّ حضورك الاعلامي يطغى على حضور سائر السياسيين فأنت كلما حدث في البلاد حدث نجدك تظهر في الاعلام لتفسّره أو تبرّره أو تعلّق عليه بدلا عن الوزير أو المسؤول الحكومي المعني به ولئن قلت إنّ الاعلام هو الذي يطلبك فإني أقول لك إن حاسّة الشمّ قويّة عند الاعلامي وإنّ حدسه الدقيق لا يوجهه إلاّ نحو من يشعر بأنه المسؤول الأول والأهم. هذا متى لم يكن هذا الاعلامي مأجورا ومربوطة خيوطه معك بصفة مباشرة وتكاد تكون حصرية وهذا موجود عندنا.
وبعد، وحتى لا أكون «خاطئة» ولا «صبيانية» فإني أقول إني أخاطبك أيضا بصفتك الرئيس المنتخب لحزبك (وهو حاكم) ومن ثم فأنت المسؤول الأول عن سياسات هذا الحزب الحاكم الذي يقودنا إلى الهاوية يوما بعد يوم بينما تصرّح أنت بأن كل شيء على ما يرام وبأن ما يحدث لنا هو «الخير كل الخير»!!
مآخذي عليك كثيرة ـ في الحقيقة ـ وإنيّ لأجد صعوبة كبيرة في تخيّر أهمها لأنها مهمّة كلّها ولكن أحاول بعون اللّه أن يكون اختياري صائبا ومركزا على ما أراه الأهم في مواقفك واختياراتك وسياساتك.
عندما أقول الآخرين فإني أعني المجتمع بصفة عامّة وأعني في المقام الأول عشرات وقد يكونون مئات المناضلين العلمانيين الذين ساندوكم في محنتكم فكافأتموهم بالالتحاق المهين مثل المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر أو بكيل التهم التي لم ينزل الله بها من سلطان. إنك يا سيد الغنوشي صرت تعتبر الناس الذين ساندوكم ولم يسكتوا على محنتكم «الغاما» وذلك لمجرّد كونهم صاروا معارضين لحكمكم وهذا يا أخي سوء فهم كبير لمعنى المساندة التي تظنها مطلقة وأبدية.
ويذكر إلى حدّ بعيد بعقلية ان لم تكن معي فأنت ضدي وتعاديني… هذا فضلا عن كونه مخلا بأخلاق الاعتراف بحسنات الناس ولو بدت ضئيلة في عينك.
هذا الموضوع، ليس في الحقيقة موضوع عتاب وتلاوم بسيطين انه أعمق من ذلك بكثير ويعود بنا إلى الأصول التي قام عليها اتجاهكم منذ السبعينات وهي أصول تكفير المجتمع واعتبار أنفسكم هداته وأسياده في الدنيا والدين. أي أنكم الراعي والمجتمع رعية وأنكم «غرباء» في هذا المجتمع حتى يرتقي إلى كمالكم. وبرغم ما أجريتموه أو قلتم أنكم أجريتموه من مراجعات فكرية فإن ظلال هذا الموقف ماتزال قائمة ومعبّرا عنها بصفة مزعجة ومشككة في توجهكم الديمقراطي (والديمقراطية هي حكم الشعب). إنك والكثيرين من أتباعك ما تفتأون تلمحون «لملكيتكم» للشعب باسم دينه الحنيف الذي تزعمون احتكاره في هذه البلاد خلافا لما تصرحون به. ومن أدلّة ذلك أنكم تزعمون أنكم ستفوزون في الانتخابات المقبلة برغم تجربتكم في الحكم التي يراها الناس فاشلة ومن المفروض أن تعاقبكم عليها الانتخابات المقبلة وذلك طبعا في غياب الاعتبارات الغيبية اللاهوتية التي يبدو أنكم تواصلون الاعتماد عليها.
أمر آخر في موقفكم من الآخر المختلف عنكم يميل البعض إلى نعته بالعداء للمجتمع الذي لم يساندكم في محنتكم، وأنا لا أستسيغ هذا الأمر بل أميل إلى وضعه في عقدة الضحيّة التي لم تتخلصوا منها حتى بعد أن انتفت موجباتها وبعد أن صرتم في الحكم. إن هذا الموقف يبدو في الكثير من تصريحاتك وتصريحات بني حزبك فأنتم تتهمون المعارضين لسياستكم بأنهم استئصاليون وأعداء للدين وللإنسانية وقد يتعلق الأمر في هذا الشأن بأكثر من حالة نفسية فيصير خطة مدبرة باحكام لإبتزاز الناس بمحنتكم السابقة وحملهم على دفع ثمن لمأساة من صنع الاستبداد ولكم فيها بعض المسؤولية ولا ذنب للشعب فيها بل انه عوقب عليها بسببكم.
لا أريد أن أذهب إلى أبعد من هذا ولا أن أدخل في مقارنات بين ما تفعلون وبين ما فعل ويفعل ضحايا النازيّة ولكني أقول إن هذه العقلية خطيرة وإنما يجب أن تزول. فقد كنّا جميعا ضحايا الاستبداد واليوم أتتنا فرصة لنلتقي أو نختلف ولكن نبقى شعبا واحدا لا فضل فيه لأحد على أحد إلاّ بالوطنية والعمل من أجل الصالح العام يعيش في ظلّ دولة واحدة لا مجال فيها لكيانات موازية تعليمية ولا قضائية ولا روابط مليشياوية تنازع سلطة الدولة وتجعل داخلها دويلة الأخيار في مقابل دولة الأشرار.
II ـ الثورة لقمة كبيرة فأحذر أن تغصّ بها
لنكن صادقين ـ يا أخي ـ هذه الثورة أنجزها الفقراء بعد أن مهد لها أحرار السياسة والحركة الحقوقية والنقابية وأحرار الاعلام والكتابة… وأنتم يا سيد راشد لم يكن لكم في هذه الصورة إلاّ حضور جزئي وفي الساعة الخامسة والعشرين كما يقال. لم تطرحوا رحيل بن علي بل ظللتم تتحاورون معه في الخفاء وترسلون رسائل التهنئة إلى أصهاره بينما النشطاء الذين حملوا بذرة التمرّد يتصارعون معه ومن أجلكم في أكثر الأحيان.
وهذا ـ يا أخي ـ لا يعيبكم كثيرا فهو يمكن أن يكون اختيارا سياسيا «متعقلا» كما أنه لا يحرمكم من حقكم في الثورة وهي ملك مشاع للجميع… ولكنه لا يعطيكم البتّة الحق في ادعاء ملكية الثورة التي قال أحد أتباعك إنك «فيلسوفها» ولا في اهدائها إلى الآخرين كما فعلت أنت فنسبتها إلى القرضاوي (شفاه الله مما ألمّ به).
«الخليفة السادس» وقف خطيبا يوم تنصيبه رئيسا للحكومة فشكر من سماهم «الذين ناضلوا إلى جانبنا»!! وأنت والكثيرون من أتباعك اعتبرتم أن الثورة هي التي انتخبتكم في حين أن من انتخبوكم هم أتباعكم الذين لم يثوروا طيلة عشرين سنة من الضغط عليهم وأعداد كبيرة من فقراء الناس الذين اشتريت أصواتهم ومن بسطاء الناخبين الذين آمنوا بكم إيمانا غير واع.
لست أريد هنا منازعتك على ثورة أريد أن أدعيها لنفسي ولا أن أعرض بك وبحزبك بل أريد أن أحذّر من أمر بات يتأكد لدينا يوما بعد يوم وهو إرادتك الاستحواذ على ثورة الفقراء وتحويل وجهتها إلى حيث لم يقصد الثوار والشهداء والجرحى حتى تصير ثورة على مقاسك وبالمعنى الذي تراه لها.
هذه يا أخي ثورة الفقير الذي طلب حقه في العيش الكريم بينما حزبك من بؤس الناس مستفيد إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. وهذه ثورة العبد الذي كسّر أغلاله وقرّر أن يعيش حرّا طليقا كطيف النسيم كما يقول الشابي شاعرنا بينماحزبك يقول بحرّية مشروطة بإملاءاتكم وبحقوق إنسان بالمعنى الذي يرضيكم ويرضي شيوخكم لا بالمعنى الكوني الذي اتفقت عليه الإنسانية منذ قرون وقبل ظهوركم على ساحة العالم بوقت طويل.
إن هذا لا يعني أنكم غير جديرين بثورتنا في المطلق ولكنه يعني أنكم (وأننا) يجب أن نجتهد كثيرا وطويلا لنرتقي إلى هذه الثورة بدل أن نحاول الاستحواذ عليها وكسر عظامها وهي التي أحيت عظامنا جميعا وهي رميم. الثورة التونسية لتونس ولأجيالها المقبلة وليست لحزب النهضة وليس حزب النهضة عليها بوصي ولهذا حذار من محاولة ابتلاعها…
في حين يقترح بعض أتباعك تغيير النشيد الوطني بسبب «فلابد أن يستجيب القدر» نرى أنكم ـ جريا على عادتكم في قول ما لا تفعلون وفعل ما لا تقولون ـ قد عمدتم إلى اكراه قدر الانتخابات على ما أردتموه لها. وفزتم بحمد الله ونجت تونس من الفوضى التي هدّدتها بها أنت شخصيا لو جاءت النتائج بغير ما تنتظره.
كانت انتخابات نزيهة لم يقع فيها تدليس ولكنها لم تكن حرّة لأنكم أدخلتم فيها المال السياسي وجيشتم فيها المشاعر الدينية… ومع ذلك قبل الجميع بنتائجها وانتظروا منكم أن تكونوا في مستوى المسؤولية وأن تحققوا الحد المعقول من انتظارات الناس ومن وعودكم الانتخابية.
كانت تلك أحلاما ورديّة سرعان ما تمخضت عن كوابيس:
ـ كوّنتم حلفا ثلاثيا تعاملتم فيه بعقلية ربائية مع شريكيكم. ولست هنا لأدافع عن المرزوقي ولا عن بن جعفر لأنهما مايزالان يبدوان فرحين بما لديهما ولكني أدافع عن الدولة التونسية وعن الحياة السياسية التعددّية.
ـ لقد قزمتم مؤسسة الرئاسة في وقت مازلنا نحتاجها فيه وبلوتم تونس المتعبة بحكومة أكثر تعبا عينتم أعضاءها الكثيرين أكثر مما يجب على أساس المكافأة والولاء الحزبي وها نحن نرى آثار ذلك اليوم في وزارة الداخلية العاجزة عن تحقيق الأمن وفي وزارة الخارجية التي فرضت عليها صهرك فتشبهت ببن علي وأفقدت تونس الكثير من صداقاتها الضرورية الخ… الخ
وحتى الآن وبعد أن بان الفشل مازلت تكابر وتنفي الاعتراف بالخطإ وترفض اصلاحه.
لقد جنى هذا التحالف على حزبين كان لهما مستقبل وهما الآن يتشظيان وقد ذكرت في بعض تصريحاتك أنه لا دخل لكم في أزمات التكتل والمؤتمر وهذا كلام يمكن أن أصدقه كاملا ولكني لا أصدقه إلاّ بصفة جزئية لما أتذكّر سوابقكم في محاولة «تلغيم» مؤسسات مثل المجلس الوطني للحريات الذي أشرف على الانفجار بتدبير من بعض أعضادك لا لشيء إلاّ لأنه لم يقبل اختراقكم له وإلاّ لأن جماعتك أرادوا تأسيس جمعية أخرى لإثناء المجلس بل تغليه تماما.
ـ «انتخبكم الشعب» لمهمة تنتهي غدا فجعلتم تمدون عروقكم في البلاد وكأنكم تعيشون أبدا. ـ عينتم وزراء في مناصب حساسة ثم قيدتموهم بأغلالكم ومنعتموهم من الفعل الحقيقي فولوا هاربين. ـ فرضتم أتباعكم على الإدارات وعينتم في مناصب مهمّة أعوانكم وحتى عيونكم فتعطلت الإدارة التي تتهمونها بأنها «ملغّمة» بينما هي مقيّدة ومنكوبة بالكثيرين من عديمي الكفاءة والجدوى. ـ عينتم مسؤولين كبارا جلبتموهم من منابت التجمع ففكر التجمعيون مليا وضربوا أخماسهم في أسداسهم ثم قالوا: لماذا لا ننتصب لحسابنا الخاص مادامت البلاد في حاجة إلى «خبرتنا» وهاهم اليوم يقوون ويستقوون بالمال وبمليشيات بن علي وإذا عاد التجمعيون لحكم تونس فأنت المسؤول عن ذلك يا سيد الغنوشي وفي المقام الأول. ـ كانت مهمتكم الأرلى كتابة الدستور وقد تأخرتم في كتابته ومازلتم تتأخرون وليس ذلك فقط لصعوبة كتابة الدساتير ولا لقلّة خبرة النواب بهذه المهمة. إنني أزعم أن التأخير مقصود وأنكم تريدون ربح الوقت لغايتين: الأولى ضمان حظوظكم الكاملة في الفوز بالانتخابات المقبلة والثانية التحايل لإدخال الشريعة في الدستور ووضع الحجرات الأولى للدولة الدينية بعد أن كانت محاولاتكم الأولى قد قوبلت بالرفض القاطع والصد الشديد من طرف الشعب والمجتمع المدني. سامحني يا أخي على هذه الصراحة ولكنها طبع أصيل فيّ فضلا عن كوني أراها اليوم ضرورية للخروج من الوضع الصعب الذي تعيشه بلادنا ومسارها الانتقالي: انك لا تريد لتونس حرّية ولا ديمقراطية ولا حقوق إنسان. إنّك تريد سلطة تسمح لك «بضمان» الجيش والشرطة والإدارة والاعلام وتريد إقامة «حرس ثوري» تقول اليوم إنه يحمي الثورة وقد نراه غدا يتدخل ويتحكم فيما يأكل الناس وما يشربون وما يلبسون وفي الطريقة التي بها يفكّرون ويتعبدون… إنّه «التدافع الاجتماعي» الذي سيحقق مدينتك الفاضلة التي تحلم بها.
لقد عدتم إلى تكفير الناس كما في فترة ظهوركم في السبعينات فأنت تعتبر المتظاهرين ضد حزبك متظاهرين ضد الاسلام وأنت تتهم الطبقة التونسية المستنيرة بأنها لا تفهم الشريعة وبأنها لا تؤمن بثوابت الاسلام. وهذا ما يجب أن تكفّ عنه فورا لا لأنه نذير فتنة دينية فحسب بل لأنه إهانة لشعبك المسلم قبلك والذي سيظلّ بعدك مسلما مما يعني أنك مجرّد قوس فتح في تونس المسلمة ويجب أن يغلق بسرعة وبسلام خاصة.
آسفة على عبارة العنوان ولكني لم أجد أفضل منها للتعبير عن الوضع التونسي الذي آملنا أن يكون وضعا سليما عقلانيا يحكمه الحساب المحكم والمنطق. فإذا بنا نجده وبسبب ظواهر طارئة لم تكن في الحسبان، وضعا مخاطرا تحكمه الصدفة… صدفة لعب الورق.
السلفيون أعرفهم منذ زمن بعيد وأعرف أن فيهم طيبين مسالمين وأشرار إرهابيين يصدرون عن جهل ولا يفقهون شيئا يذكر في شؤون الدين والدنيا. ولئن خرجوا بعد الثورة مباشرة في تحركات عفوية لاسماع أصواتهم التي كبتها القمع والسجن والتعذيب فإن خروجهم ذلك لم يرق إلى حدّ تهديد السلم الاجتماعية.
ولكن بعد «فوزك» في الانتخابات يا سيد غنوشي تعاظم أمر هذه الجماعات واستشرى شرّهم، وإني أتهمك اتهاما واضحا وصريحا بكونك المسؤول الأول على استفحال أمرهم. لقد دللتهم وحكومتك وقضائك ومددت لهم في حبل الأطماع حتى ظنّوا أنفسهم المتحكمين في البلاد يهيجونها متى ما شاؤوا ويهدئونها متى ما شاؤوا.
لا أريد تكرار أقوالك في الدفاع عن السلفيين فهي أشهر من أن أحتاج إلى تكرارها ولكني أمرّ رأسا إلى غاياتك المحتملة من الدفاع عن السلفيين ـ وهي عندي أكثر من محتملة.
لقد حسبتهم دعائم لحزبك وجندا غير نظامي سيتولى بدلا عن أبنائك حرب «التدافع الاجتماعي» حتى الوصول إلى المدينة المسلمة المطهّرة من الكفار التي ترتضونها نهضة وسلفية. هذا الجيش بات الآن خارجا عن سيطرتك وقد يرميك بنيران صديقه ولهذا نرى لهجة الدفاع عنهم تخفت إلى حدّ ما لتعوّضها لهجة الوعيد من لدن أعوانك ولهجة تخويفهم والتخويف منهم كما لاحظتها في بعض تصريحاتك للصحف. وهذا ما يزيد المشكل تعقيدا وما يحجب رؤية حقيقتكم وحقيقة السلفية.
لقد تعمّدتم التقاعس في معاقبة السلفيين الخارجين عن القانون فأعطيتموهم الوقت والفرصة لكي يتكاثروا ويزدادوا تصورا هذا بعد أن شجع السكوت عليهم أرهاطا من المجرمين والمتشردين على اختراقهم والانتساب اليهم. اليوم نحن أمام معضلة لن يستقيم معها مسار ديمقراطي ولا تنمية ولا كتابة دستور وأنت يا سيد غنوشي من المسؤولين الأوائل عن وجودنا في هذا الوضع.
لقد اعطاكم الله والشعب فرصة ثمينة لكي تكونوا حزبا مدنيا يخدم الثورة والانتقال الديمقراطي ويعطي العالم عن الاسلام السياسي فكرة مضيئة تقطع مع أفكاره المسبقة والظالمة في كثير من الأحيان ولكنكم فشلتم مع الأسف في استغلال هذه الفرصة لأنكم قاربتم فوزكم في الانتخابات مقاربة حزبية أكثر منها وطنية، وأيديولوجية إسلاموية تحاول أن تتغلّف بغلاف مدني وديمقراطي دون قراءة صحيحة لواقع تونس ومتطلباته.
قديما كنت أدخل في اشتباكات كلامية مع بعض أصدقائنا العلمانيين المتشددين وقد كنت إلى حدود ما قبل الانتخابات أتهمهم بالاستئصال وبالهروب من مقاومة ظلم بن علي «الواقع» إلى إدانة ظلم الاسلاميين «المتوقع» والآن أرى ـ بكل حزن وأسف ـ أن الظلم الواقع قد غير مكانه وأن مظلومي الأمس في طريقهم إلى التحوّل إلى ظالمي اليوم… ولن يكونوا بالقطع ظالمي الغد فتونس الثورة لن تقبلهم بل ستلفظهم.
لن يمرّ مشروعكم الخفي الذي بدأ يظهر ـ يا سيد راشد ـ وكل ما ستفلحون فيه ـ حسب تقديري هو المزيد من بثّ الرعب في المجتمع التونسي والمزيد من تعطيل آلة التنمية بأنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية… وربما خلق مبررات جديدة لثورة جديدة لن تستعمل قطعا أدوات الحضارة كالتي سبقتها، لذا أنصحك برفع يدك عن تونس وبأن تدعها تتنفّس. ليست لي وصفة جاهزة وخطة متكاملة أعرضها عليك لتنفيذ هذه النصيحة ولكني أقول انه قد يكفيك اتخاذ قرارات سبعة:
1) الزم حدودك كرئيس حزب من جملة الأحزاب وكفّ عن فرض نفسك على الدولة. 2) كفّ عن النظر إلى مخالفيك على أنهم أعداء وتعامل معهم كشركاء في الوطن لهم أهمية مثلك رغم نتائج الاقتراع. 3) ادفع حزبك إلى شيء من التواضع ومحاسبة النفس وأوصه بالحوار الوطني لإخراج بلادنا من المأزق. 4) أعد النظر في الائتلاف الذي أنشأته وراجع تركيبة حكومتك وخاصة وزارة الداخلية التي تحتاج إلى حياد في الوقت الراهن وربما في كل وقت. 5) كفّ عن محاولة الاستئثار بالثورة ودعها تسير في خطها الطبيعي. 6) تشاور مع كل الاطراف الوطنية في معضلة السلفية وإذا اقتضى الحال نظموا مؤتمرا وطنيا حول الموضوع عسانا نخرج بحل جماعي ومخرج من هذه الورطة. 7) فكّر اليوم وغدا أنك تونسي قبل أن تكون نهضويا وأن الوطن هو الذي يحتوي الأحزاب وليس العكس. ألا قد بلغت والسلام المرسلة ـ أمة من أماء الله لا ناقصة عقل ولا دين ـ مواطنة كاملة لا مكمّلة ـ قلم حرّ ومستقل وليس دمية يحركها الآخرون كما بلغني أنك تعتقد
ـ «لغم» علماني غير «مضمون» ولكنه لا يكرهكم ولا يحسدكم ولم ولا ولن يدعو إلى استئصالكم
|
نزيهة رجيبة |