تفاقمت ظاهرة إضراب الجوع في تونس بعد الثورة وأصبح البعض يعتمدها كوسيلة ضغط قوية حتى يتمكن من تحقيق مطالبه حتى أن تونس أصبحت تلقب بعاصمة إضرابات الجوع التي وصل صداها إلى قبة المجلس الوطني التأسيسي…
تونس: إضرابات الجوع ابتزاز أم حقّ مشروع؟ |
تفاقمت ظاهرة إضراب الجوع في تونس بعد الثورة وأصبح البعض يعتمدها كوسيلة ضغط قوية حتى يتمكن من تحقيق مطالبه حتى أن تونس أصبحت تلقب بعاصمة إضرابات الجوع التي وصل صداها إلى قبة المجلس الوطني التأسيسي.
وتطرح هذه المسألة التي وصفها مسؤول بوزارة العدل بأنها مشكل جدي العديد من التساؤلات حول مدى استقلالية الجهاز القضائي وهشاشة النصوص القانونية في تونس التي ترتكز عليها النيابة العمومية في توجيه الاتهامات وضعف السلطة التنفيذية في الكشف عن الحقائق، بالإضافة إلى عجز الدولة عن استعادة ثقة المواطن في مؤسساتها وتشابك المصالح الحزبية والسياسية في قضايا الرأي العام.
وقد أثارت وفاة شابين موقوفين في ما يعرف بإحداث السفارة الأمريكية ردود فعل كثيرة لدى الأحزاب ومكونات المجتمع المدني التي اتفقت جميعها على ضرورة إيجاد حلول سريعة للحد من ظاهرة إضرابات الجوع حتى لا تصبح نوعا من أنواع الابتزاز للقضاء التونسي ولوزارة العدل المشرفة على المصالح السجنية وعلى النيابة العمومية وحتى تأخذ العدالة مجراها الصحيح.
يذكر أن إضرابات الجوع لم ينفذها المحسوبون عن التيار السلفي فقط والموقوفون في السجون وإنما سبقهم فيها نقابيون وصحفيون وأهالي موقوفين على خلفية اعتقال أبناءهم في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بالتنمية أو في عمليات شغب وإحراق لمراكز أمنية وكذلك نائبين في المجلس التأسيسي وهما أحمد الخصخوصى ومحمد براهمى للمطالبة بإطلاق سراح شبان بسيدى بوزيد.
وفي ساقية سيدي يوسف دخل أهالي الموقوفين في قضية حرق معتمدية ساقية سيدى يوسف في إضراب جوع للتنديد بمواصلة اعتقال أبنائهم. ونفى أيوب المسعودى المستشار السابق لرئيس الجمهورية المؤقت للمصدر أن يكون إضراب الجوع هو نوع من الابتزاز، مشيرا إلى أن الإبقاء على المتهمين بحرق معتمدية ساقية سيدى يوسف هو غير قانوني سيما أن الموقوفين كانوا قد شاركوا في مسيرة احتجاجية للمطالبة بالتنمية في هذه المنطقة المنسية.
ويبدو أن التشريعات التونسية في حاجة إلى تطوير جدي بالإضافة إلى تفعيل أداء الأجهزة القضائية في جميع مراحلها. وقد شرعت وزارة العدل في تنفيذ مخطط استراتيجي على المدى المتوسط يهدف إلى تحديث نظام القضاء وتدعيم الإطار التشريعي وأقلمته على المعايير الدولية وتأهيل الإطار المؤسساتي والمؤهلات البشرية وربط برامج الوزارة بمحيطها الخارجي بالإضافة إلى إعداد مشروع قانون للعدالة الانتقالية لتنظيم عمليات البت في قضايا التعذيب خلال النظام السابق.
ويرى طارق بلحاج محمد الباحث في علم الاجتماع أن إضرابات الجوع تحولت إلى ثقافة جديدة فبعد أن كانت حكرا على النخبة السياسية والثقافية أخذت امتدادا شعبيا وهي تصنف كنوع جديد من التصعيد.
وقال بأنه بعد أن فقدت المظاهر التقليدية كالاعتصام والإضراب نجاعتها في فرض المطالب انتقال الأشخاص إلى شكل جديد من الاحتجاج وهو إضراب الجوع الذي استوى فيه المعطل عن العمل والنائب في المجلس الوطني التأسيسي والمساجين والموقوفين، معتبرا انه سلوك خطر وهو نوع من الانتحار البطيء.
كما يحرج إضراب الجوع السلطة السياسية إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة حسب بلحاج إلا نتيجة حالة عميقة من اليأس والإحباط، غير أن الأخطر من وجهة نظره هو أن تتحول إضرابات الجوع إلى ظاهرة مبتذلة وأن يصبح خبر إضراب الجوع خبرا عاديا لا يؤخذ على محمل الجدّ وقد ينجر عنه عواقب وخيمة كما حصل مع المرحومين بشير القلى ومحمد البختي.
وفي محاولة محاصرة هذه الظاهرة قامت الحكومة المؤقتة ببعث لجنة متعددة الاختصاصات لوضع منهج تطبيقي لمتابعة حالات إضرابات الجوع بالسجون والتعهد بها وذلك لتفادى مضاعفات هذه الظاهرة وتعقيداتها وهي مكونة من أطباء وقضاة ومختصين في الأخلاقيات الطبية.
وقد اعتبر وزير العدل نور الدين البحيري أن عدوى إضرابات الجوع تتسبب في فوضى عارمة وهي مرتبطة حسب رأيه بارتفاع سقف المطالب الاجتماعية، في حين دعت الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب إلى ضرورة تغيير قانون السجون الذي يحصر الزيارات في العائلة أو المحامين فقط، مشيرة إلى أن المجتمع المدني قادر على التفطن إلى ثغرات تساعد الوضع داخل السجون
وشددت على ضرورة إنشاء الآلية الوطنية لمنهاضة التعذيب التي ستتمكن من زيارة السجون وفضاءات الإيقاف بطريقة فجئية وفي كل الأوقات وهى تتكون من ممثلين عن المجتمع المدني ووزارتي الداخلية وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
إذن فان الالتجاء إلى إضراب الجوع يبقى بالرغم من تباين الآراء حوله طريقة تعبيرية ضد إجراءات قضائية أو قرارات للسلطة التنفيذية لو للتعبير عن مطالب اجتماعية مختلفة وعلى السلطة السياسية أن تتحمل جانبا من مسؤولية هذه الظاهرة وان تفر جديا في إدخال إصلاحات هيكيلة على مؤسساتها وأن تسعى إلى حلّ معضلة البطالة والفقر في البلاد.
كما على مكونات المجتمع المدني وبقية الجسم السياسي أن يبتعدوا عن توظيف إضرابات الجوع في الحسابات السياسية حتى نتفادى حصول تعقديات لا يمكن لأي تونسي أن يقبل بها بعد الثورة.
|
مريم التابب |