وضعت تونس منذ الاستقلال أسس سياسة خارجية تمكّنت من خلالها من الحفاظ على أمنها القومي إذ لم تتجاوز الاعتداءات الخارجية على حرمة البلاد الخمسة وهي اغتيال الزعبم الفلسطيني أبو جهاد والاعتداء الإسرائيلي على حمام الشط بالإضافة إلى اعتداء فرنسا على كل من بنزرت وساقية سيدي يوسف واعتداء ليبيا على قفصة سنة 1980…
تونس: جدل حول السياسة الخارجية في ظلّ حكومة “الترويكا” |
وضعت تونس منذ الاستقلال أسس سياسة خارجية تمكّنت من خلالها من الحفاظ على أمنها القومي إذ لم تتجاوز الاعتداءات الخارجية على حرمة البلاد الخمسة وهي اغتيال الزعبم الفلسطيني أبو جهاد والاعتداء الإسرائيلي على حمام الشط بالإضافة إلى اعتداء فرنسا على كل من بنزرت وساقية سيدي يوسف واعتداء ليبيا على قفصة سنة 1980.
كما حافظت تونس حتى في أحلك الفترات وبشهادة المجموعة الدولية على علاقات جيدة مع جيرانها ونأت عن نفسها التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان حفاظا على الاستقرار الوطني واحتراما للعقود الدولية من بينها معاهدة عدم الانحياز.
أما بخصوص علاقاتها الاقتصادية والتجارية الخارجية فقد استمرّت تونس في التعاون مع الشريك الأوروبي منذ سنوات طويلة، في حين مازالت الشراكة مع ليبيا والجزائر تفتقد إلى آليات وقوانين لتفعيلها ولتنظيمها سيما أن 60 بالمائة من التبادلات التجارية تمر عبر الأسواق الموازية والتهريب.
على المستوى الأمني عززت تونس منذ الثمانينات علاقاتها الأمنية والعسكرية مع محور الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى المحور التقليدي فرنسا وايطاليا.
واليوم وبعد الثورة وسيما بعد انتخابات المجلس التأسيسي وصعود الإسلاميين إلى الحكم تغيّرت بعض مواقف الدبلوماسية التونسية خاصة في القضايا الإقليمية والعربية على غرار الملف السوري والموقف من الوضع الفلسطيني الداخلي، مما أثار جدلا واسعا في صفوف النخبة حول السياسة الخارجية الحالية ومدى تلاؤمها مع الأسس الحقيقية التي تعتمدها تونس منذ الاستقلال.
وفي ندوة حول السياسية الخارجية ما بعد الثورة نظمتها شبكة تونس للحقوق والحريات والكرامة انتقد سياسيون ومفكرون السياسة التي تتبعها وزارة الخارجية التي يترأسها رفيق عبد السلام صهر رئيس حركة النهضة واتهموه بأنه يعمل لصالح حزبه وليس لصالح تونس.
وقد قال عبد الوهّاب الهاني رئيس حزب "المجد" إن السياسة الخارجية التونسية تتخبط في عدّة قرارات ومواقف ضرّت بعلاقات الدولة مع عدة أطراف ودول أخرى، داعيا إلى تحديد سياسة خارجية واضحة تخدم مصالح البلاد بالأساس ولا تكتفي بالقيام بالزيارات للدّول الصديقة والشقيقة. وحمّل الهاني بالإضافة إلى وزارة الخارجية، رئاسة الجمهورية مسؤولية في تراجع الدور الديبلوماسي التونسي.
واعتبر شكرى بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أن وزارة الخارجية تمارس الدبلوماسية بالمنطق الحزبي وليس بمنطق الدولة منتقدا ما اسماه تدخل الحكومة المؤقتة في الخلاف الفلسطيني الفلسطيني وانحيازها للحكومة المقالة في غزة، مشيرا إلى أن هذا الموقف ينمّ عن قصر نظر.
كما أكد على ضرورة أن تضع تونس في ظلّ المتغيرات التي تعيشها البلدان العربية إستراتيجية دبلوماسية تقوم على المصالح المشتركة وعلى الإخوة والوحدة بما يحقق التنمية لتونس ويحمى الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أن بناء محور مع ليبيا لا يجب أن يكون على حساب الجزائر.
وبخصوص اتفاقية الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي يرى بلعيد أن هذا القرار كان مرتهنا لدوائر قرار أخرى غير تونس، مبرزا أن الإمكانيات الاقتصادية لتونس في الظرف الحالي لا تؤهلها لمنافسة البلدان الأوروبية التي قال إنها ستستفيد من الثروات الوطنية على حساب تونس.
أما محمد القومانى أمين عام حزب الإصلاح والتنمية فقد قال "هناك لخبطة بين استمرار الحكام الجدد في السياسة التقليدية وبين قرارات جديدة متسرعة وخاطئة معتبرا بان السياسة الخارجية الحالية ليست وفية للثورة ولم تدعم الخيار الوطني المستقل.
وأبرز أن السياسة الخارجية لا تكون سياسة وزير أو رئيس جمهورية وإنما تفرزها سياسة الدولة بحسب ظروف الزمان والمكان.
من جهته، بيّن عبد الجليل الظاهري رئيس شبكة تونس للحقوق والحريات والكرامة أن أبرز الفاعلين السياسيين يبحثون على مصادر دعم خارجية بقطع النظر عن كسب المشروعية الداخلية، مؤكدا ضرورة استقال وحياد الخيار الوطني على مختلف متطلبات المحاور الخارجية خاصة المحور الأوروبي والمحور القطري الأمريكي.
وقال نخشى أن يخضع الشأن السياسي الداخلي لأجندات ومطالب خارجية نفقد فيها السيادة الوطنية.
أما خالد شوكات الكتاب والناشط السياسي فقد أكد أن السياسة الخارجية الحالية ليست ملتزمة بمرجعية فكرية وسياسية واضحة سواء داخل المجلس التأسيسي أو الحكومة التي لم تقم بعد بتحديد هذه المرجعية، وفق قوله.
في المقابل دافع العجمي الوريمي نائب رئيس حركة النهضة المسؤول عن الثقافة والشباب عن السياسة الخارجية التي تنتهحها الحكومة الحالية، مؤكدا ضرورة استيعاب هذه السياسة للمتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية.
وأشار إلى أن الحكومة المؤقتة ضمنت استمرار الدولة ووضعت نصب أعينها المصلحة العليا للبلاد، مؤكدا بأن المرحلة التي تمرّ بها تونس ليست مرحلة الاستقطاب أو التجاذبات السياسية أو الحزبية.
وبعد أن أقرّ بارتكاب الحكومة لأخطاء في السياسة الخارجية قال إن الأخطاء والإجراءات التي كان لها أثر الصدمة من ذلك طرد السفير السوري نجد لها تبريرا بمنطق الثورة ولكن ليس بمنطق الأعراف الدبلوماسية.
وأكد أنه لا يمكن للحكومة إلا أن تقف إلى جانب الشعب السوري رافضا في الوقت ذاته أي تدخل عسكري خارجي ضد سوريا.
ونفى انحياز الحكومة إلى طرف فلسطيني دون آخر، مشيرا إلى أن زيارة الوفد الحكومي إلى غزة نابع من التزام الدولة بدعم القضية الفلسطينية.
|
مريم التايب |