يشكو المنوال التنموي من مواطن خلل عديدة خاصة بعد أن أثبتت المصادر القديمة محدوديتها فهناك عديد التحديات التي لم يستجب لها هذا المنوال خاصة المتعلقة منها بالتشغيل وعدم التوازن بين الجهات وغياب العدالة الاجتماعية بين الفئات وكذلك غياب الحوكمة الرشيدة التي تقودنا إلى الحديث عن خلل في المنظومة القيمية لذلك المنوال. ..
منوال التنمية في تونس.. ما هي مواطن الخلل وما هو البديل المطلوب؟ |
يشكو المنوال التنموي من مواطن خلل عديدة خاصة بعد أن أثبتت المصادر القديمة محدوديتها فهناك عديد التحديات التي لم يستجب لها هذا المنوال خاصة المتعلقة منها بالتشغيل وعدم التوازن بين الجهات وغياب العدالة الاجتماعية بين الفئات وكذلك غياب الحوكمة الرشيدة التي تقودنا إلى الحديث عن خلل في المنظومة القيمية لذلك المنوال.
ويرى خبراء في مجال الاقتصاد بأن هذا المنوال الذي انخرطت فيه البلاد التونسية منذ بداية السبعينات وخاصة منذ أواسط الثمانينات مع برنامج الإصلاح الهيكلي مثل ارتهانا للاقتصاد التونسي للأقطاب الاقتصادية العالمية وللمؤسسات المالية الدولية، حيث أصبح اقتصادا طرفيا تابعا مستقطبا للاستثمارات الهشة ذات القيمة المضافة المحدودة وذات التشغيلية غير المستقرة على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشغالين.
كما أفرز تفاوتا في نسق التطور الاقتصادي والاجتماعي نتج عنه ضغطا على سوق الشغل وبطالة وتآكلا للطبقة الوسطى وتعميقا للتفاوت الطبقي والاجتماعي الجهوي علاوة على انعكاس هذا الخيار الاقتصادي والتنموي سلبا على الديمقراطية في التسيير والشفافية في المعاملات، مما يؤكد ضرورة إصلاح المنظومة الإدارية والمالية والرقابية ودعم الديمقراطيات المحلية مع إضفاء البعد الاجتماعي على كل مجهود تنموي.
وقد قدّم الخبراء تصوراتهم حول المنوال التنموي البديل الذي سيساعدعلى تحقيق تغيير جذري في البلاد ودعا عدد منهم إلى التعويل على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية على غرار قطاع الميكانيك و الكهرباء وتكنولوجيات الاتصال والبرامج المعلوماتية.
كما أكدوا على ضرورة أن يضع القطاع العام ثقله ولو لمدة قصيرة في الجهات الداخلية حتى ينهض بها خاصة بعد أن تبين سابقا أن القطاع الخاص عجز عن القيام بذلك و إنه على الديبلوماسية التونسية الخارجية كذلك أن تصبح نشطة أكثر وفي خدمة التجارة والصناعة والاقتصاد لأنها كانت سابقا دبلوماسية تكتفي بمراقبة الجالية وتقصي أثرها.
ويجب أيضا العمل على لا مركزية التنمية لتصبح الجهات هي الوحيدة التي تختار من يمثلها وينوبها ويشرف على تنفيذ برامج التنمية بها ويجتهد في توفير الإمكانيات التشريعية واللوجستية والمالية للمشاريع.
ويرى عدد آخر أن منوال التنمية المنشود يجب أن يعيد الاعتبار لدور الدولة المبادر والحاث والمعدل والموجه وذلك عبر سن التشريعات الضرورية للتحفيز على الاستثمار وتركيز البنى التحتية الضرورية إلى جانب المبادرة بتمويل مشاريع نموذجية في قطاعات مختلفة حسب خصوصية الجهة.
كما دعوا الدولة إلى تحفيز الرأسمال الوطني على الاستثمار بالمناطق الداخلية واستقطاب الرأسمال المحلي لإقامة المشاريع على عين المكان ودعم القطاع الثقافي للتشجيع على الاستثمار والتكامل بين الإنتاج الفلاحي والصناعي والخصوصية المحلية، إلى جانب حث الرأسمال الأجنبي على الاستثمار الناجع بالمناطق الداخلية والساحلية وبالقطاعات ذات التجديد التكنولوجي والقيمة المضافة المرتفعة مع الملائمة بين التحفيز على الاستثمار وضمان حقوق الشغالين ومقدرتهم الشرائية.
وفي القطاع الفلاحي الذي يرتكز عليه الاقتصاد التونسي تتأكد الحاجة إلى وضع الأمن الغذائي كهدف استراتيجي للاستثمار في الفلاحة، إضافة إلى التشغيل وتثبيت السكان وتحسين الخارطة الفلاحية وتطوير البحث العلمي في هذا القطاع والتركيز على الخصوصيات المحلية والجهوية لدعم الأنشطة الفلاحية وجعل الفلاحة قطاعا مشغلا.
كما يجب مراجعة سياسة القروض الفلاحية ودعم صغار الفلاحين وتشجيع الإنتاج المساهم في التشغيل واستعادة الأراضي الدولية ودعم مشروع الضيعات النموذجية التي من شأنها تشجيع الفلاحين من حولها وتقديم الإرشاد والمساعدة التقنية واللوجستية لفلاحي المنطقة علاوة على تشجيع الفلاحة العائلية والفلاحة البيولوجية
وفي الصناعة يؤكد الخبراء على أهمية دعم الصناعة ذات القيمة المضافة العالية والتشغيلية الهامة و الصناعات المرتكزة على التجديد التكنولوجي كالصناعات الإلكترونية وقطع الغيار والصناعات الميكانيكية و الأدوية، إلى جانب مبادرة الدولة ببعث مشاريع صناعية بالمناطق الداخلية مع توفير البنى التحتية والقطاعات الخدمية والبنكية وتطوير وسائل الاتصال وشبكات النقل نحو الموانئ والمطارات و الأسواق الاستهلاكية الوطنية.
وأكدوا كذلك على ضرورة تنويع المنتوج السياحي للحد من هشاشته ودعم السياحة الطبيعية والثقافية وسياحة المؤتمرات وربط القطاع السياحي بتثمين التراث الثقافي والانفتاح على الأسواق الأسيوية الواعدة علاوة على دعم السياحة الداخلية بفتح شراكة بين المؤسسات السياحية و المؤسسات الاقتصادية الأخرى والقطاع العام ودعم القطاعات المتصلة بالسياحة كقطاع الحرف والصناعات التقليدية و المؤسسات الثقافية.
وفي القطاع التجاري دعا الخبراء إلى دعم الشراكة مع الأطراف الاقتصادية التقليدية خاصة الاتحاد الأوروبي ودعم التبادل التجاري مع الدول المغاربية والمنطقة العربية وتحرير التجارة مع الأجوار فضلا عن حماية الإنتاج الوطني من التجارة الموازية وتفعيل المراقبة وفتح شراكة مع أسواق تجارية واعدة على غرار الصين وجنوب شرق آسيا.
على صعيد آخر، تمر التنمية الشاملة والعادلة التي تهدف للتوازن بين الجهات والحد من التفاوت الطبقي والاختلال المجالي عبر توازي المجهود الاقتصادي والاجتماعي و بالتالي فإن التركيز على مجهود التشغيل وخلق الثروة يضل منقوصا دون توزيع عادل للتجهيزات الاجتماعية التعليمية والصحية والثقافية وتكافؤ الفرص.
ومن هنا يعتبر بعث أقطاب صحية وجامعية ومالية بالمناطق الداخلية ودعم شبكات التواصل ضروري لخلق بيئة مشجعة على الاستثمار وفي ذات الوقت بعث مواطن شغل إضافية والحدّ من التبعية للأقاليم الأخرى وتقريب الخدمات الأساسية للمواطن، ذلك أن بعث أقطاب جامعية ومراكز بحوث متصلة بالنشاط الاقتصادي الجهوي يعتبر دعما للجانب العلمي والاقتصادي معا فضلا عن دعم المجهود الثقافي الجهوي والمحلي واستثماره وتثمينه على المستوى السياحي للمساهمة في المجهود الوطني للتشغيل.
من جهة أخرى، خلق مثال التهيئة العمرانية مشهدا متأزما و بؤر توتر تنتشر فيها البطالة والفقر والجريمة وبيئة خصبة لانتشار التطرف بجميع تمظهراته ومن الضروري مراجعة هذا المثال بدعم المشاريع السكنية الاجتماعية ومراجعة أمثلة التهيئة وتحيينها وخلق مواطن شغل ودعم التجهيزات الأساسية وإعادة النظر في التقسيم الوظيفي للمدن الكبرى من أجل بعث مراكز ضاحوية ومراجعة شبكة النقل الحضري وتثمين التراث العمراني على المستوى الثقافي والسياحي وحماية البيئة الحضرية من التلوث ودعم المشاريع البيئية.
وتعد هذه النقاط الإصلاحية من أهم المقترحات التي دعت إليها إلى جانب الخبراء أحزاب سياسية وجمعيات تنموية في الوقت الذي حافظت فيه الترويكا الحاكمة على نفس تمشى منوال التنمية القديم في ميزانيتي 2012 و2013 وهو ما أدى إلى الصدام بين المطلبية الشعبية بالتنمية والتشغيل من جهة والبيروقراطية الإدارية ومركزية القرار السياسي والاقتصادي من جه.ة
كما أدى التباطؤ في دعم الديمقراطية المحلية التي تعد من أهم مبادىء الديمقراطية التشاركية إلى تأجج الوضع أكثر فأكثر في الجهات المحرومة سيما وأن 50 بالمائة من المشاريع التنموية المرصودة للجهات في ميزانية 2012 لم يتم تنفيذها بعد علاوة على عزوف رجال الأعمال على الاستثمار في هذه الجهات.
|
مريم التايب |