اعتبر الملاحظون والمحللون السياسيون أن من أبرز أسباب فشل اليسار في انتخابات المجلس التأسيسي هو خوضه لهذه الانتخابات مشتتا ومتشرذما إذ لم تتمكن مكوناته سواء من أحزاب أو شخصيات وطنية ومستقلين من توحيد صفوفهم. ..
الجبهة الشعبية تحرز تقدما في استطلاعات الرأي وحمة الهمامى يحظى بالثقة |
اعتبر الملاحظون والمحللون السياسيون أن من أبرز أسباب فشل اليسار في انتخابات المجلس التأسيسي هو خوضه لهذه الانتخابات مشتتا ومتشرذما إذ لم تتمكن مكوناته سواء من أحزاب أو شخصيات وطنية ومستقلين من توحيد صفوفهم.
وقد شكل فشل اليسار مفاجئة في تونس بالنظر إلى تاريخه النضالي خلال الحقبتين البورقيبية والنوفمبرية فعدم تمكن حمة الهمامى وزوجته راضية النصراوى من الدخول إلى رحاب المجلس التأسيسي مقابل صعود مترشحين لا يعرفهم الشعب.
وقد تعالت الأصوات من داخل الأسرة التقدمية في تونس بعد 23 أكتوبر لدعوة قادة اليسار إلى تكوين جبهة كبرى مكونة من أحزاب تتفق في برامجها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لضمان نتائج أفضل في الموعد الانتخابي المقبل ومنافسة حركة النهضة التي مازالت متقدمة على بقية الأحزاب حسب استطلاعات الرأي.
ومنذ الإعلان الرسمي عن تشكيل الجبهة الشعبية بدأت في تحقيق تقدم ملحوظ في استطلاعات الرأي التي تنشرها مؤسسات تونسية مختصة متقدمة على حزبي المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات الشريكان في الائتلاف الحاكم.
وتقدم الجبهة الشعبية نفسها بأنها الخيار الثالث وبأنها البديل الثوري عن حكومة الترويكا وذلك في مسعى لكسر الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة ونداء تونس سيما وان استطلاعات الرأي أجمعت على أن عددا لا باس به من التونسيين لا يعرفون لمن سيصوتون في الانتخابات القادمة.
كما استطاع حمة الهمّامي زعيم حزب العمّال و النّاطق الرّسمي باسم الجبهة الشعبيّة من فرض اسمه بقائمة الشخصيات السياسية التي تحظى بثقة التونسيين ليكون ضمن الرباعي الباجى قائد السبسي ومنصف المرزوقى وحمادى الجبالي.
ويقول الهمامى إن الجبهة الشعبية هي الخيار الأفضل لتونس في المراحل القادمة، معربا عن استعداده أن يكون مرشّح الجبهة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وتنتقد الجبهة الشعبية الترويكا الحاكمة وتتّهمها أنها تسعى إلى "ارتهان البلاد إلى نمط استعماري جديد" و أنها لا تستجيب لإرادة الشّعب بل إلى املاءات خارجيّة "تصادر القرار الوطني لمصلحة دوائر أجنبيّة و يجعل من السّيادة الوطنيّة محل تجاذب بين القوى الكبرى التي لا تسعى لخدمة مصالح الفئات الكادحة من أبناء هذا الشّعب".
ويقدّم الميثاق الأوّلي للجبهة الذّي صادق عليه جميع المنضوين فيها تصورا متكاملا للمسألة الوطنيّة والدّيمقراطيّة يقوم أساسا على مبدأ الاستقلال الفعلي للبلاد والسّيادة الوطنيّة وفصل السّلط وحياد الدولة وضمان الحرّيات و المساواة وفصل الدّيني عن السّياسي ودعم المقاومة الوطنيّة في كل من فلسطين و العراق ولبنان ومساندة الثّورات العربيّة وضرورة حمايتها من التّدخل الأجنبي.
كما يدعو الميثاق إلى تجريم كلّ أشكال التّطبيع مع الكيان الصّهيوني و الحركات العنصريّة ويعمل على تحقيق الوحدة العربيّة على قاعدة الحريّة والعدالة والكرامة والدّيمقراطية و العدالة الاجتماعيّة.
أمّا في المستوى الاقتصادي و الاجتماعي فيدعو الميثاق إلى اقتصاد وطني يضمن سيادة الشّعب على ثرواته ويؤمّن له الحاجيات الأساسية بما يمكّن من حقّ العمل والسّكن ومجانيّة التّعليم والتّداوي.
ويعتبر الميثاق أن ذلك لا يمكن أن يتحقّق إلا بمراجعة المعاهدات التّي تنال من مصلحة البلاد واستقلالها وتأميم القطاعات الاستراتيجيّة والشّركات المصادرة ومنع بيعها للرأسمال الأجنبي وبعث برنامج إصلاح زّراعي يكون لفائدة صغار الفلاّحين والمزارعين و ضبط نظام جبائي شفّاف وعادل وإلغاء الدّيون المشبوهة التّي اقترضها النّظام السّابق إضافة إلى حريّة التنظمّ النّقابي والحقّ في العيش في بيئة سليمة.
أمّا في المستوى الثّقافي و التّربوي فيدعو الميثاق إلى ثقافة وطنيّة، مفتوحة على الثّقافات الأخرى، ومتجذّرة في تاريخها وهوّيتها تكون للّغة العربيّة فيها مكانة رئيسيّة والعمل على نشر مبادئ العقلانية والتّقدمية وقيم المواطنة و حقوق الإنسان.
وقد استطاعت الجبهة الشعبية إعادة توزيع الأوراق وتغيير المشهد السّياسي التّونسي من جديد إذ انه اختار أن يتمايز عمّا يسمّيه بالرجعيّة الدينية وما يصنّفه كليبرالية اقتصاديّة محاولا بذلك استيعاب القوى الشعبية بالرغم من أن العديد من الملاحظين يعتبرون ذلك خطأ تكتيكيا ويدعون إلى جبهة موحّدة أو وطنيّة تضمّ أغلب المعارضين لحزب النّهضة.
إلاّ أنّ القوى اليساريّة المنظوية في الجبهة الشّعبيّة تريد تمثيل الفئات الشّعبيّة فقط، لذلك فهي في خاتمة ميثاقها تعتبر أنّ” الهدف من الجبهة هو مواصلة النّسق الثّوري وإرساء حكم الشّعب بكل الوسائل النّضالية بما في ذلك الانتخابات.
|
مريم التايب |