وقع رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي والأمينة العامة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وداد بوشماوي أمس الاثنين 14 جانفي 2013 بمناسبة حلول الذكرى الثانية لسقوط النظام السابق وثيقة العقد الاجتماعي بالمجلس التأسيسي، وسط أجواء من الاحتجاجات خيمت على الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة بالعاصمة.
..
حالة من الإحباط تسيطر على الشارع التونسي بعد عامين من “الثورة” |
وقع رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي والأمينة العامة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وداد بوشماوي أمس الاثنين 14 جانفي 2013 بمناسبة حلول الذكرى الثانية لسقوط النظام السابق وثيقة العقد الاجتماعي بالمجلس التأسيسي، وسط أجواء من الاحتجاجات خيمت على الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة بالعاصمة.
وتتمحور تفاصيل هذا العقد الاجتماعي حول الكثير من النقاط المرتبطة بتحقيق أهداف الثورة والارتقاء بمستوى العيش للتونسيين والتنمية الجهوية وتغليب لغة الحوار بين الأطراف السياسية والاجتماعية والتنديد بكل مظاهر العنف وغير ذلك.
وتسعى الحكومة المؤقتة والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة من خلال توقيع هذا العقد إلى تنقية الأجواء التي شابتها الكثير من التوترات بعد انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وصعود حكومة "الترويكا" التي تقودها حركة النهضة الإسلامية.
وقد شهدت العلاقة بين حركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل فتورا كبيرا العام الماضي لاسيما بعد الاعتداء على مقر الاتحاد من قبل ما يسمّى برابطات حماية الثورة المحسوبة على حركة النهضة، وهو ما دفع بالاتحاد إلى الدعوة لإضراب عام في كامل البلاد، لكنه ألغاه في آخر لحظة بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة لتشكيل لحنة تقصي في تلك الحادثة.
ورغم أنّ حدث توقيع العقد الاجتماعي ينظر إليه كخطوة ايجابية نحو تحقيق السلم الاجتماعية وتهدئة الأجواء، إلا أنّ حالة من الإحباط تسيطر على الشارع التونسي الذي ينظم اليوم بمختلف حساسياته مسيرات ووقفات للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة.
وبدا الانقسام وخيبة الأمل في الشارع التونسي واضحين باعتبار أنه لم يتم الحسم في أي ملف من الملفات الحيوية منذ أن استلمت الحكومة الحالية مهامها في نهاية عام 2011. ويأتي ملف الأمن والتشغيل وشهداء وجرحى الثورة والحريات العامة في صدارة تلك الملفات.
وإلى حدود الشهر الجاري ظلت احتجاجات عائلات ضحايا الثورة متواترة أمام المجلس التأسيسي حيث يلقى باللائمة عليه في تعثر عملية تسوية ملفات المتضررين منذ أكثر من عام على انتصابه.
وتطالب عائلات الشهداء أساسا بمحاسبة المتورطين من الكوادر الأمنية في قتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة والإسراع في إجراءات المحاكمة المتعثرة في القضايا المعروضة على القضاء العسكري.
وهناك مطالب أخرى تتعلق بصرف تعويضات عادلة لعائلات الضحايا وتمكين الجرحى من الموارد الضرورية لمتباعة أوضاعهم الصحية وإدماج ذويهم في برامج التشغيل.
وسقط خلال أحداث الثورة التونسية بين 17 ديسمبر2010 و14 جانفي 2011 قرابة 319 قتيل ونحو أربعة آلاف جريح، بينما يطالب نحو ثلاثة آلاف آخرين لحقتهم إصابات بإدراجهم ضمن قائمات الجرحى.
وليس ملف الشهداء والجرحى وحده الذي عرف بطئا داخل المجلس التأسيسي بل يقف الوضع السياسي برمته في تونس رهين الانتهاء من صياغة دستور جديد للبلاد، حيث انتقد الكثير من المراقبين المسودة الثانية للدستور.
وكان يفترض الانتهاء من هذه المهمة الرئيسية للمجلس التأسيسي منذ 23 أكتوبر الماضي بحسب التزام مسبق وقعت عليه جل الأحزاب قبيل انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر عام 2011، لكن تباطؤ أشغال المجلس التأسيسي وتضييع وقته في مراقبة أعمال الحكومة جعل الدستور يتباطأ إلى الآن ولا يعرف حتى متى يقع الانتهاء منه لإجراء الانتخابات.
وبعد أكثر من عام على انتصاب المجلس التأسيسي واستلام الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية أكبر حزب في البلاد مع حزبي المؤتمر والتكتل العلمانيين للحكم، لا توجد إلى اليوم خريطة طريق واضحة للاستحقاقات السياسية القادمة، وعلى رأسها موعد الانتهاء من كتابة الدستور والمصادقة على فصوله ومن ثمة موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وتقدم رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي بأكثر من اقتراح لموعد إجراء الانتخابات في منتصف العام القادم. غير أن أحزاب معارضة لا تأخذها على محمل الجد لأن عملية التحضير اللوجيستي والفني للانتخابات لا تقل عن مدة الثمانية أشهر فضلا عن أن الدستور لم يتم الحسم فيه بعد، ما يعني إمكانية الانتظار حتى عام آخر.
ويمكن أن يؤدي الاستمرار في الوضع الحالي إلى مزيد من التجاذب السياسي بين الأحزاب ورفع درجة الاحتقان المتفشية أصلا في الجهات الداخلية للبلاد وتوتير الأمن.
ومع أن حدة الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية قد خفت في النصف الثاني من العام الجاري إلا ان تواترها من حين لآخر وخاصة في بن قردان وسيدي بوزيد والقصرين وسليانة، عكس بشكل واضح حالة الانقسام في تونس بين رافض لأداء الحكومة ومؤيد لسياستها.
وتكمن الخطورة الأبرز من وراء هذا الإنقسام في انتشار "العنف السياسي"، ليس على أيدي المجموعات السلفية فقط والتي روعت النخب الثقافية والليبرالية في أكثر من مناسبة، ولكن أيضا على أيدي جماعات تنتسب لرابطات حماية الثورة المقربة من حركة النهضة.
وجاءت الأحداث المرافقة لمقتل قيادي من حزب حركة نداء تونس في 18 أكتوبر الماضي والصدام مع نقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل في الرابع من ديسمبر كإحدى أبرز العلامات المعبرة لحالتي الاحتقان والعنف المتفشية في عام 2012.
هذا إلى جانب تعرض العديد من المزارات إلى الحرق والتدنيس من مجموعات إجرامية تحاول إذكاء نار الفتنة في البلاد، وما حرق مصلى سيدي بوسعيد الباجي ليلة السبت الماضي سوى دليل على هشاشة الأمن وجود نية مبيتة لضرب المزارات وتدنيسها وضرب النمط المجتمعي للشعب التونسي.
وتفاخر الحكومة المؤقتة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل من أجل العمل والحريات بعدد من مؤشرات النمو التي حققتها هذا العام. غير أنها في الواقع لم تكن ذات جدوى وفاعلية تذكر على حياة المواطنين.
لكن خبراء الاقتصاد في تونس يشيرون إلى أن الوضع الاقتصادي للبلاد كان يمكن أن يكون حاله أفضل لو تم أولا التغلب على هشاشة الوضع الأمني في عدد من الجهات المحرومة من التنمية، والتي باتت أرض خصبة لانتشار التطرف وتمركز الجماعات المسلحة، باعتباره حجر الزاوية في إرساء مناخ مشجع للاستثمار.
وأما العامل الثاني فيتعلق بالجدية والسرعة في الحسم بقضايا الفساد المرفوعة ضد المئات من رجال الأعمال والمجمدة مشاريعهم منذ عدة أشهر.
وهذه النقطة بالذات تثير أسئلة حارقة اليوم في تونس بشأن ملامح العدالة الانتقالية التي تريد السلطة إرسائها في ظل الجدل القانوني المثار حاليا حول قضية سجن مدير قناة التونسية الخاصة سامي الفهري والإبقاء عليه قيد السجن بأمر من النيابة العمومية على الرغم من صدور قرار بالإفراج عنه من قبل محكمة التعقيب، وهي أعلى هيئة قضائية.
|
المصدر |