أعلن رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، أن خيار تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، يمثل اليوم “مقترحا واقعيا”، لا سيما وأنه يحظى بتأييد أغلبية الأطياف السياسية والاجتماعية التي التقى عددا من ممثليها ، مقترحا أن تضم هذه الحكومة بالضرورة الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، إلى جانب الائتلاف الرباعي الحاكم حاليا، وربما مستقلين وممثلين لأحزاب المعارضة.
وشدد في حديث تم بثه مساء الخميس على القناة الوطنية1 ضمن برنامج “حديث الساعة”، على ضرورة أن يكون لهذه الحكومة “مضمون اجتماعي”، اعتبارا لطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد حاليا، وأن يتم تشكيلها على أساس توافق وطني واسع بالاستناد إلى أولويات كبرى، تعتمد من قبل مجلس نواب الشعب، في مقدمتها الحرب ضد الإرهاب وضد الفساد، وترسيخ الديمقراطية، وتحقيق التشغيل، وخلق ظروف ملائمة للعيش الكريم والاستثمار بالجهات المهمشة، والرهان على الشباب في بناء المستقبل، وتطبيق القانون حتى تتمكن مؤسسات الدولة من العمل بصورة طبيعية.
وفي حديثه عن المسوغات التي دعت إلى طرح مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، قال قايد السبسي إنه وقف من خلال متابعته للأحداث ولمواقف فاعلي المشهد السياسي والاجتماعي على حقيقة أن “الانتقادات حاليا أكثر من مظاهر الاستحسان” للوضع العام القائم في البلاد، وعلى حديث الكثيرين عن فشل المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات الاخيرة (2014)، معتبرا أن دعوة بعض الأطراف إلى مؤتمر إنقاذ وطني ليست في محلها لأن تونس، في تقديره، لم تصل إلى وضع يستدعي الإنقاذ.
واعتبر أن الحكومة الحالية بقيادة الحبيب الصيد، قامت بواجبها حسب ما هو متاح من إمكانيات، وبذلت كل الجهود الممكنة، وحققت بعض التقدم في معالجة الملفات المطروحة، لكن ما يؤخذ عليها هو أنها لم تصارح منذ البداية الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع في البلاد، لا سيما من حيث الوضع الاقتصادي والصعوبات المالية.
وأكد في هذا الصدد ضرورة توخي العدل في الحكم على حصيلة عمل الحكومة ، التي وصف مردودها ب”المقبول” و”المتوسط”، قائلا “هذه الحكومة واجهت نقصا في مداخيل الموارد الأساسية وأولها الفسفاط قدر ب5 مليارات دينار، كما تراجع إنتاج الغاز والنفط، الذي لم يعد يغطي سوى 55 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، وتضررت مداخيل القطاع السياحي جراء العمليات الإرهابية (نقص يقدر ب1766 مليون دينار)، إضافة إلى كلفة الوضع غير المستقر في ليبيا (4 مليار دولار)،… رغم كل ذلك لا أقول إن وضع تونس كارثي”، وفق تعبيره.
من ناحية أخرى، قال رئيس الجمهوية إن التغيير الجوهري الذي أتت به ثورة 2011، يتمثل فضلا عن “حرية التعبير”، في القطع مع الماضي من حيث طبيعة النظام السياسي، والانطلاق في مسار بناء الديمقراطية وإعادة السيادة للشعب، لكنه شدد على أن الديمقراطية لايمكن أن تكون فوقية ويجب أن تترجم إلى ممارسة. واعتبر في هذا الصدد أن نسق بناء الديمقراطية، رغم ما تحقق من مكاسب، لا يزال “متباطئا” وذلك لعدة عوامل أجملها في ثلاثة أسباب، أولها التأخير في ترسيخ مبدأ دولة القانون التي تنفذ فيها القوانين على الجميع.
ولفت في هذا السياق إلى التراجع الكبير لإنتاج الفسفاط جراء الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي، التي قال إنها تظل مشروعة، لكن المشكلة في الأسلوب، مشيرا إلى تراجع الصادرات من هذا المورد الوطني الهام، من ذلك أن تونس صدرت سنة 2010 بما قيمته مليار و210 مليون دينار من الفسفاط، وهي أرقام قال إنها عرفت نسقا تنازليا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، مع ما يجره ذلك من ضغوط على ميزانية الدولة.
أما السبب الثاني الذي عطل ترسيخ البناء الديمقراطي، وفق قايد السبسي، فهو عدم التقيد بضوابط في ممارسة حق ومكسب حرية التعبير في ظل انفجار المشهد الحزبي (204) والإعلامي، مشيرا إلى أن الكثيرين يتناسون أن البلاد “ليست في حالة عادية” وإنما هي في حالة انتقال ديمقراطي، ويقدمون صورة يطغى فيها السلبي على الإيجابي حول أوضاع البلاد.
وفي حديثه عن أسباب “بطء” و”تأخر” عملية البناء الديمقراطي، انتقد رئيس الجمهورية أسلوب بعض أطراف المعارضة في التعاطي مع الوضع ومع الحكومة القائمة، مؤكدا أن “المعارضة في النظام الديمقراطي الانتقالي لا يجب أن تكون دائما احتجاجية”، ومشددا على ضرورة تجنب المعارضة التي تقوم على المواجهة والمصادمة والاحتجاج.